العدسة – باسم الشجاعي

مجددًا عاد الحديث عن جزيرة “سواكن” السودانية الواقعة في البحر الأحمر، وخاصة بعد أن أعلنت قطر تمويلها مشروعًا لتأهيل الميناء الواقع شرقي السودان بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي، بعد اتفاق مشترك بين الدولتين، في خطوة على الأرجح ستغضب الرباعي العربي الذي يفرض عليها الحصار.

وبحسب الاتفاق المعلن، “الاثنين” 26 مارس، فمن المقرر أن تنشأ قطر منطقة تجارية حرة في الجزيرة، إضافة إلى أن السفن القطرية ستبدأ اعتبارًا من الشهر المقبل رحلات للسفن من ميناء حمد القطري إلى ميناء سواكن.

وقال وزير النقل والطرق السوداني “مكاوي محمد عوض مكاوي”: إنَّ المشروع القطري السوداني سيكتمل بحلول عام 2020، بتمويل قطري ضخم؛ حيث يحصل السودان على 51% من حصة المشروع، في حين تحصل قطر على 49%، مؤكدًا في الوقت ذاته أنَّ الميناء سيكون أضخم محطة بحرية في منطقة البحر الأحمر.

وتستثمر قطر ما مجموعه 1.5 مليار دولار في السودان عبر 40 مشروعًا زراعيًا وسياحيًا وعقاريًا، وفقًا لبيانات سودانية رسمية.

ويسعى السودان إلى إنعاش اقتصاده الذي تضرَّر كثيرًا منذ انفصال جنوب السودان الغني بالنفط في 2011، الى جانب تداعيات سنوات من العقوبات الأمريكية على الخرطوم.

وتعدّ هذه الخطوة القطرية الثانية من نوعها؛ فقد أعلنت السلطات السودانية، في نوفمبر الماضي، اتفاقًا مع قطر على إنشاء ميناء بمدينة بورتسودان ليكون أكبر ميناء للحاويات على ساحل البحر الأحمر.

الميناء الجديد سيعزّز من وصول قطر إلى ساحل البحر الأحمر، ما يعني تحقيق إنجاز اقتصادي جديد للدوحة، التي تعاني حصارًا تفرضه السعودية والإمارات والبحرين منذ 5 يونيو الماضي، فضلًا عن تواجد استراتيجي أيضًا في الحرب الدائرة على بسط النفوذ على موانئ البحر الأحمر.

فالجزيرة التي تبلغ مساحتها 20 كيلومترًا أصبحت اليوم منطقة صراع إقليمي لما تملكه الجزيرة من موقع استراتيجي، غير البعيد عن السواحل السعودية والمصرية والمهددة لأبوظبي التي تسعى للسيطرة على موانئ المنطقة للتحكم بتجارة الشرق الأوسط.

ضربة للإمارات

خطوة قطر الجديدة في السودان من المؤكد أنها ستزعج الإمارات؛ حيث إن أبوظبي سبق وأن تلقت صفعات متتالية ضربت حلمها بالسيطرة على موانئ المنطقة في مقتل، وذلك بعد أن تم إنهاء عقد موانئ دبي العالمية لتشغيل محطة دوراليه للحاويات في جيبوتي، إضافة  لمنع  شركة موانئ دبي من إدارة واستغلال الموانئ في الأراضي الصومالية.

فدولة الإمارات قد بدأت قبل عدة سنوات مشروعًا سياسيًا تعدَّى حدود الطموح الاقتصادي بكثير، والناظر إلى خريطة الملاحة والموانئ في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي سيلاحظ امتدادًا جيوستراتيجيًا إماراتيًا توزع ما بين اليمن والقرن الإفريقي، لتخلق لنفسها دورًا أشد أهمية وتأثيرًا خارج محيطها الإقليمي الخليجي المليء بالنزاعات ومحاولات السيطرة.

وتريد الإمارات بسط نفوذها في دول الجوار من خلال الدخول في شركات إعلام واقتصاد عالمية، لتستطيع أن تحمي نفسها وأن تتمتع بالحصانة السياسية والاقتصادية لتحميها من الحملات السياسية التي تطالبها بالكفّ عن ملاحقة المعارضين والسماح بنوع من التعددية السياسية والسماح بتأسيس أحزاب ونقابات وما شابه ذلك.

حبس أنفاس سعودي

الأمر لم يقتصر على الإمارات وحسب، بل تأتي قضية سواكن في الوقت الذي تسعى في السعودية بكل قوة لتأمين سواحلها الغربية، وعدم القبول بوجود قوة إقليمية أخرى على الضفة الغربية للبحر الأحمر؛ حيث تمثل الجزيرة أهمية إستراتيجية أخرى تكمن في كونها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الإستراتيجي السعودي على البحر الأحمر، حيث تستغرق رحلة السفن بين الميناءين ساعات قليلة.

فضلًا عن أنَّ حد مبررات حرب التحالف العربي على اليمن منذ أربعة أعوام كان الصراع على النفوذ في البحر الأحمر، بعد أن اعتبر التحالف أنَّ سيطرة جماعة الحوثي على عدد من موانئ اليمن الغربية تقع ضمن محاولات إيران للتواجد القوي في البحر الأحمر.

وبالتالي لا يمكن إخراج الخطوة القطرية من التنافس الإقليمي والدولي في النفوذ على البحر الأحمر، وتلك البقعة من إفريقيا بالتحديد، خاصة وأن ما يقرب من عُشر التجارة البحرية العالمية يمر عبر البحر الأحمر؛ ويتسابق عدد من القوى في الشرق الأوسط لإقامة قواعد عسكرية أو تحقيق وجود عملياتي في البحر الأحمر، فلدى “إسرائيل” قاعدة بحرية في الطرف الشمالي للبحر الأحمر في إيلات، ولدى مصر أربع قواعد على البحر الأحمر، أما الإمارات فلديها قاعدة في إريتريا وموانئ في اليمن، ويوجد لدى السعودية في مدينة جدة الساحلية قاعدة الملك فيصل البحرية.

و”إسرائيل” تؤيد سيطرة مصر شمالًا على قناة السويس، والسعودية جنوبًا على مضيق باب المندب،  لتساهم في الحد من السعي الإيراني الحثيث للتواجد في البحر الأحمر عبر الحوثيين في اليمن وعبر اتفاقات مع إريتريا والسودان، إلاّ أنّها تحبيس أنفاسها لدخول لاعبين جدد في القرن الإفريقي (تركيا وقطر).

فالمشروعات التركية القطرية في السودان يمكن أن تحمل في طيّاتها إشارات لجعل الخرطوم نقطة انطلاق لمشاريعهما في القارة السمراء والبلدان المطلة على البحر الأحمر.

دول الحصار في ورطة

خلافًا لما ذكرنا، نجد أن تعامل دول الحصار (مصر والسعودية والإمارات) مع الاتفاق السوداني القطري، يختلف عن ردة فعل الرباعي العربي عندما تمّ منح تركيا إدارة جزيرة سواكن، رغم أنَّ هذه الدول تستفزهم أي حركة تقوم بها الدوحة؛ ولذلك لعدة أسباب: أولها: أن مصر لم تعد لديها الرغبة في إعادة التصعيد مع السودان من جديد؛ لأنَّ القاهرة في أمسّ الحاجة للخرطوم ليتخذا موقفًا موحدًا في قضية سد النهضة، أما الإمارات، فيه غير مكترثة باتفاقية سواكن، على أمل أن تعوضها السودان بميناء بورتسودان ومنح إداراتها لشركة موانئ دبي العالمية.

بينما السعودية، لا تريد أن تخسر الحليف الوحيد لها بريًا في اليمن، إلى جانب الإمارات، خصوصًا أنها تلاحظ أن علاقتها بالسودان على شفا جفوة بسبب غضب السودان من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها الرياض مع القاهرة، بالإضافة لغضب الحكومة السودانية من إخلاف السعودية بوعودها بدعم السودان اقتصاديًا، في حين أنها توزع المليارات في كل اتجاه.