العدسة – معتز أشرف

“#عالية_فين”.. وسم جديد وحملة جديدة للدفاع عن أطفال مصر؛ فـ”عالية مضر” طفلة رضيعة لم تتجاوز  14 شهرًا، ولكنها بين يوم وليلة باتت خلف الأسوار ضمن اعتقال طال كل أسرتها، نطلّ على المأساة ونفتح ملف الاطفال في عهد الديكتاتور عبد الفتاح السيسي والانتهاكات التي حدثت لهم، لعلّ “الرئيس الأب” بحسب وصف أنصاره ينبههم للحقيقة الغائبة عنهم!.

 

حملة إنسانية

بعدة لغات دشن مغردون وحقوقيون ومدونون ونشطاء مصريون حملة إنسانية واسعة للدفاع عن الطفلة الرضيعة عالية مضر (14 شهرًا)، التي زجّ بها قبل 5 أيام مع أسرتها بالكامل خلف الأسوار، ونافست إنسانية وسم “#عالية_فين” وسوم العرض الرئاسي، واستغلّ المقاطعون للانتخابات الرئاسية الوسم في الترويج لانتهاكات الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، وحث المواطنين على المقاطعة.

 

وتساءلت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات علي حسابها الرسمي علي “تويتر”: هل تمثل «عالية» خطرًا على أمن الوطن!!!؟ لماذا لم تفرج قوات الأمن عن الرضيعة «عالية مضر» حتى الآن وبالأحرى عن كل أفراد أسرتها أيضًا فالحق في الحرية حق أصيل للإنسان على أرض وطنه وأي أرض”.

وقال المدوّن أحمد مالك في تدونية صغيرة على وسم ” #عالية_فين؟” علي موقع “فيس بوك”:  بنت عندها سنة، عمرها كله ع بعضه سنه، ايه ذنبها أول ما تشوفه من الدنيا جدران السجن “، وأضاف المدون عبد الله المصري: “حتى الآن مش مستوعب أن الأمن المصري مُختطف طفلة عمرها 14 شهرًا فقط بأمها وابوها وخالها”.

#عالية_فين يا ولاد ..”، وانتشرت صورة “عالية” في بروفايلات النشطاء، وقالت المدونة أسماء خيري  في تغريدات بصفحتها الشخصية علي موقع “فيس بوك”: اختطاف عالية مأثر فينا كلنا، خصوصًا الأمهات.. بشكل مرعب أنا متأكدة أنه كل أم لما تبص لولادها بتخاف.. كل أم أما تحط نفسها مكان فاطمة بتترعب.. ولما تحط ولادها مكان عالية بتنهار، أيوة احنا الي مبنعرفش نستحمل قسم الشرطة حتى في تجديد البطاقة.. مش قادرين نستحمل تخيل انه ولادنا يباتو فيه 4 أيام؛ حتى لو احنا معاهم، يا ترى بايتة فين يا عالية؟”.

واستنكرت المغردة “إِيثَار” على حسابها علي موقع “تويتر”، ما حدث بقولها: “عالية مختفية قسريًّا مع والدها ومامتها وخالها !، مصر يا أُم، حتى أطفالك مارحمتيهمش؟ #آل_مضر_فين، #عالية_فين”.

عهد التنكيل!

وبينما ينشغل الديكتاتور عبد الفتاح السيسي بالشكل الكرنفالي للانتخابات التي ينافسه فيها أحد أنصاره، لايزال ملفه انتهاكاته يتجدد، فمنذ انقلاب 3 يوليو 2013 في مصر، يتعرض الأطفال دون سن الثامنة عشرة في مصر للعديد من الانتهاكات، خاصة المعارضين سياسيًا، وشملت هذه الانتهاكات الاختطاف التعسفي، والتعذيب النفسي والجسدي داخل أماكن الاحتجاز، والقتل خارج إطار القانون، والاعتقال دون تصريح قضائي، بالإضافة إلى صدور أحكام بالإعدام ضد عدد منهم فضلًا عن الممارسات الإعلامية الجائرة بحقهم، ووفق منظمة هيومن رايتس مونيتور، فإنّ عدد المعتقلين دون الثامنة عشرة منذ الانقلاب حتي عام 2015 وصل إلى 2200 طفل، لا يزال أكثر من ربعهم قيد الاعتقال، وأن 950 منهم تعرضوا لمعاملة قاسية وتعذيب، بينهم 78 حالة عنف جنسي. أما عدد القتلى من الأطفال فغير محدد، إلا أنهم حسب التقرير بالعشرات منذ فضّ اعتصام رابعة.

وبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش فقد حكمت محكمة أحداث على 4 أطفال مسيحيين بالسجن 5 أعوام بعد نشر مقطع فيديو على الإنترنت سخروا فيه من تنظيم داعش، لكن هرب الأطفال من مصر قبل التوقيف والحبس  فيما أكدت وحدة رصد انتهاكات المرأة والطفل في المرصد المصري للحقوق والحريات  أن تلك الممارسات تصاعدت عقب تولي وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم؛ حيث قُتل خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه 12 طفلًا بالرصاص الحي، واعتقل 144 طفلًا وجرى تعذيب 72 طفلا داخل مقرات الاحتجاز، وتم الاعتداء جنسيا على 26 طفلا داخل مقرات الاحتجاز، وصدرت أحكام بالإعدام وأخرى بالسجن بحق أطفال قصّر، وهو أمر يخالف قانون الطفل والدستور المصري والمعاهدات الدولية.

وأوضحت في تقرير لها عن واقع الانتهاكات التي ترتكب بحق الأطفال المتهمين في قضايا سياسية في مصر منذ 30 يونيو 2013، وحتى الأول من نوفمبر 2014، بحدوث اعتقال لعدد 2170 طفلا على مدار عام، ما زال من بينهم 370 طفلًا داخل أماكن الاحتجاز المختلفة، فيما قتل 217 طفلًا طوال الأشهر الأحد عشر حينها، ووقعت انتهاكات بحق 948 طفلًا، من بينهم 78 حالة عنف جنسي ضد الأطفال، كما لم يتوقف الأمر عند الاعتقال والحبس الاحتياطي للأطفال أو وضعهم في مناطق احتجاز تعرضوا داخلها لسوء معاملة وتعذيب، لكن الأمر تطور إلى إحالتهم للقضاء العسكري وإصدار أحكام ضدهم في بعض القضايا، بدعوى ارتكابهم “جرائم” تتراوح بين استخدام مسطرة عليها شعار رابعة، أو رفع هذا الشعار، أو حمل بالون أصفر اللون.

وفي يوليو 2015 أكد تقرير فريق الاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة أن الاعتقال ممنهج وواسع الانتشار في مصر، وأن عدد الأطفال المعتقلين في مصر- منذ 30 يونيو 2013 وحتى نهاية مايو 2015- بلغ أكثر من 3200 طفل تحت سن 18 عامًا، وأنهم تعرضوا للتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز المختلفة.

 وأكدت مؤسسة عدالة في تقرير لعام 2017 أن “حقوق الأطفال في أربع سنوات طالها ما طال كافة الشرائح من انتهاكات، فهناك آلاف الأطفال أعمارهم ما بين الثالثة عشر والسابعة عشر، تم القبض عليهم وحبسهم على ذمة قضايا رأي والتظاهر بدون تصريح، وبحسب مصادر غير رسمية فقد وصل عددهم إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف طفل، منهم 800 مازالوا رهن الاحتجاز”.

القضاء يشارك!

ومن أبرز الأحكام التي افتقدت بحسب قانونيين للعدالة مع الأطفال، ما قضت به محكمة جنح الطفل بمدينة الإسكندرية المصرية في بداية رئاسة السيسي، حيث قضت بالحكم على ثمانية وسبعين طفلاً بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات بمجموع سنوات اعتقال تصل إلى 340 سنة، بعد أن  تم اعتقال الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والسابعة عشرة من مظاهرات مناهضة للانقلاب العسكري في مصر والتي تطالب بعودة “محمد مرسي” رئيسًا للبلاد.

وفي 17فبراير 2016 عاقبت محكمة غرب القاهرة العسكرية الطفل أحمد منصور قرني البالغ من العمر ثلاث سنوات وخمسة أشهر بالسجن المؤبد في القضية التي عرفت إعلاميًا بـ”اقتحام مبنى المخابرات العامة ومديرية الصحة” بالفيوم مع 115 آخرين، ووجهت المحكمة تهمًا لهذا العدد- وبينهم الطفل المذكور- بقتل أربعة مواطنين، والشروع في قتل ثمانية آخرين، وتخريب ممتلكات عامة أثناء “مظاهرة إخوانية” شاركوا فيها في مارس عام 2014 بمحافظة الفيوم جنوب القاهرة!

وبالرغم من تقديم المحامين شهادة ميلاد الطفل للمحكمة قبل جلسة الحكم، والتي تؤكد أنّ الطفل الذي أدانته المحكمة لم يتم عامه الرابع وأن تاريخ ميلاده هو 10 سبتمبر/أيلول 2012؛ فإنها لم تأخذ بها، وحكمت بالسجن المؤبد على الطفل -الذي كان عمره عامين فقط وقت المظاهرة-  ضمن المتهمين الآخرين في القضية.

كما تبرز قضية أحمد جمال أحمد (15 عامًا) الطالب في الصف الأول الثانوي، في مجال تجاوزات القضاء بحق الأطفال والقانون، والقضية رقم 11 لسنة 2015 عسكري” بحق إسلام أحمد قرني (17 عامًا) الذي حكم عليه بالسجن عامًا، وقضى منه ثمانية أشهر ونصف شهر قيد الحبس الاحتياطي. وتعامل القاضي معه على أنه ممن لم يحضر الجلسة على الرغم من وجوده قيد الاحتجاز، وصدر الحكم ضده غيابيًا.

وفي فبراير 2015 أمرت سلطات الانقلاب بتحويل الطفل محمد مجدى طلب (8 أعوام) إلى المحكمة عسكرية في القضية المعروفة بحرق محولات الكهرباء في سنورس بالفيوم، وهي نفس القضية المتهم فيها والد الطفل المهندس المعتقل مجدي طلب.

الديكتاتور الأب!

وفي المقابل، وفي تدليس واضح، تمتلأ المنابر الإعلامية المحسوبة علي السيسي، بتقارير متقاربة في المضامين تتحدث، عن “الرئيس الأب” “والحنان الطاغي له على الأطفال”! ومنها ما خصصته جريدة الوطن المحسوبة علي الأجهزة الأمنية في تغطيتها لاحتفالية عيد الشرطة، والتي جاءت تحت عنوان ” 8 مشاهد من احتفالية “عيد الشرطة” تبرز “حنان السيسي” تجاه أطفال الشهداء ” في اشارة إلى ضحايا الجهاز الأمني علي يد داعش، وهو ما فعلته جريدة الأخبار الحكومية تحت عنوان “بالفيديو مشاهد للأب «السيسي» مع الأطفال في عيد الشرطة”، فيما ذهبت جريدة الفجر المحسوبة على جهاز الأمن الوطني إلى أبعد من ذلك، وقالت في مطلع العام الجاري: السيسي والأطفال.. حكاية عشق لا ينتهي.. ودائمًا ما ينشغل الرؤساء بأدوارهم الدبلوماسية والسياسية، إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم يغفل عن دوره الإنساني تجاه الأطفال”، ولكن تغافلت هذه الصحف وغيرها قضية الرضيعة “عالية ” التي أثبت إنسانية الديكتاتور الاب بلا جدال!