العدسة – معتز أشرف

لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد المسلمين في أوروبا، إلا أنَّ تقديرات تشير إلى وجود أكثر من عشرين مليون مسلم، كما تكشف تقارير متواترة كذلك عن أن “الإسلاموفوبيا” في أوروبا تحولت من خوف إلى معاداة للإسلام، خاصة بعد صعود اليمين المتطرف لكن النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانس، له توجه آخر، أعلنه قبل لقائه الأربعاء علماء من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لبحث مستقبل أوروبا مع الجاليات الإسلامية في القارة الاوروبية، فهل تنجح نواياه الطيبة في علاج الإسلاموفوبيا المتصاعدة أما سيظل المسلمين ضحية محرقة جديدة تتشكل في الآفاق.

حديث ودود!

قبيل لقاء يجمع النائب الأول لرئيس المفوضية مع علماء وممثلين عن 10 أديان من الدول الأعضاء في الاتحاد، قال النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانس، العديد من العبارات الودية، مؤكدًا أنّ الجاليات الإسلامية في أوروبا بكل تنوعها، ستؤدّي دورًا مهمًا في مستقبل القارة، مضيفا أن الاجتماع سيبحث مستقبل أوروبا وعلاقات المفوضية الأوروبية مع الجاليات الإسلامية في القارة، وسيشارك فيه ممثلون من بلجيكا وبلغاريا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، ولفت البيان إلى أن المفوضية الأوروبية أيدت دائمًا ممارسة المسلمين شعائرهم الدينية، وأنَّ الجاليات الإسلامية في أوروبا بكل تنوعها، ستؤدي دورًا مهمًا في مستقبل القارة.

يأتي هذا اللقاء والتصريح في ضوء توجُّه أقوى أعلنته بودّ كذلك لم يتخطَّ اللسان، الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، في عام أواخر 2015 حين قالت إن “الإسلام هو أوروبا وأوروبا هي الإسلام”، مضيفة أنَّ “الإسلام أصبح يشكّل أحد أبرز ملامح حاضر الأوروبيين ومستقبلهم، وهو بالتالي حقيقة واضحة، يجب ألا نخاف من قولها أمام الملأ، على الرغم من أن كثيرين لا يريدون سماعها”، فيما دعت موغيريني وسائل الإعلام إلى عدم الانسياق وراء الإطناب في تناول أخبار “التنظيمات الإرهابية”؛ لأنَّ ذلك من شأنه أن يعطيها ما لا تستحق من أهمية وتركيز. منبهة إلى أن “تنظيم الدولة أصبح يشكل أكبر عدو للإسلام، والإسلام بات ضحية لفكر ذلك التنظيم”، وفسّرت انضمام الشباب للتنظيم بهاجس البحث عن مكان لهم في النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي، داعية لخلق المزيد من فرص الشغل ومحاربة الإقصاء الاجتماعي من خلال برامج تربوية وتعليمية، وبينت موغريني أنَّ “ضعف الخطاب السياسي يمكن أن يكون هو الآخر مسؤولًا عن هذه النتائج السلبية”، ودعت إلى “التفكير في مستقبل شعوبنا بطريقة تشاركية تضع في الحسبان الطبيعة التعددية لمجتمعاتنا الأوروبية”.

واقع صعب!

واقعيًا المأساة تتجاوز الخطابات الودية الصادرة من مسئولي أوروبا، ففي تقرير بعنوان “المسلمون في الاتحاد الأوروبي: التمييز والخوف من الإسلام” أصدره (المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية وكراهية الأجانب) الذي تأسس في عام 1998 بقرار من مجلس الاتحاد الأوروبي الوزاري، توصلت لجنة تقصي المركز إلى  غياب إحصاء كاف للمسلمين، مما يجعل أي معلومات لدى السلطات الوطنية عنهم تخمينات لا غير. ويقدر المركز عدد المسلمين في دول الاتحاد الـ25 بحوالي 13 مليون نسمة أي 3.5% من مجموع سكانه، وأن المسلمين عادة ما يكونون ضحايا النمطية السلبية التي يقويها اختيار الإعلام نشر أخبار سلبية عنهم، وهم أيضًا عُرضة لأشكال الأحكام المسبقة والكراهية المختلفة، بدءًا من التهديدات اللفظية وانتهاء بالاعتداءات الجسدية، كما أن المسلمين والشباب منهم على نحو خاص، يلقون فرصًا جد محدودة للتطور الاجتماعي، مما يؤدّي إلى الإقصاء والتمييز وفقدان الأمل والانسلاخ بحسب المركز.

التقرير اكّد كذلك أن الإحصاءات المتوافرة، وهي ليست دقيقة، توضح أن المسلمين ممثلون على نحو سلبي في مناطق السكن الفقيرة، بينما يقع تحصيلهم المدرسي دون المعدل، ومقدار البطالة بينهم أعلى من المعدل؛ حيث إن المسلمين عادة ما يستخدمون في الوظائف التي تتطلب قدرات دُنيا، وهم مجموعة، ممثلون على نحو سلبي في القطاعات ذات الدخل المتدني، أما الوضع القانوني للمسلمين في دول الاتحاد الأوروبي فمتباين، ويعتمد على العلاقة القانونية بين الدولة والدين.

ولاحظ التقرير غياب أي أبحاث وطنية عن الخوف من الإسلام “الإسلام فوبيا” والتمييز، مما دفعه إلى إجراء تقصّ خاص به، فتبين أن المسلمين أكثر عرضة للتمييز، بسبب دينهم في دول محددة مثل إسبانيا وإيطاليا وهولندا والبرتغال، كما رآهم يعانون في دول أخرى مثل النمسا وبلجيكا وألمانيا واليونان وفرنسا وإيرلندا الأمر ذاته، ولكن ليس بسبب الدين وحده، ووفق استطلاع رأي أجري في عام 2004 أظهر أن أكثر من 50% من سكان أوروبا الغربية ينظرون إلى المسلمين المقيمين بين ظهرانيهم بعين الريبة والشك، أما إحصاء عام 2005 فقد أظهر أن معظم المتجاوبين مع الاستطلاع، عدا فرنسا وبريطانية، عبروا عن قناعتهم بأن المسلمين أنفسهم يودون التميز عن بقية المجتمع، ويمتلكون شعورًا متزايدًا بالهوية الإسلامية، أما استطلاع عام 2006 الذي أجراه المركز في كل من ألمانيا وبريطانيا وإسبانيا فقد وصف النتائج التي توصل إليها بأنها مختلطة أكثر مما هي سلبية.

الأزمة تتوسع!

الوضع ازداد صعوبة في العقد الأخير، وبحسب وزير شؤون الاتحاد الأوروبي، كبير المفاوضين الأتراك، عمر تشيليك، فإنَّ “الإسلاموفوبيا” في أوروبا تحولت من خوف إلى معاداة للإسلام، مضيفًا أن “ظاهرتي الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية  أصبحتا من المسلّمات في أوروبا، خاصة أن الوضع الراهن في أوروبا أدَّى إلى صعود اليمين المتطرف على المستوى السياسي، وتنامي القومية الشعبوية، حتى أصبحت أوروبا تعجّ بـ”العشرات من جدار برلين الأيدولوجية والذهنية”، في إشارة إلى الجدار الذي كان يفصل شطري برلين وعموم ألمانيا، بين شرق اشتراكي وغرب ليبرالي، في الفترة ما بين 1949 إلى 1990، فيما أكّد كذلك أن الإسلاموفوبيا التي تطال المهاجرين واللاجئين والمسلمين في أوروبا، وتتحول أحيانًا إلى أعمال عنف، أججت “سياسة الكراهية”، مشيرًا إلى أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثمرة تصاعد اليمين المتطرف، الذي دفع بقوة في ذلك الاتجاه إبان حملة الاستفتاء على الخروج، في 2016، موضحًا أن الإسلاموفوبيا تعزز التنظيمات الإرهابية، مثل “داعش”، الذي بدوره يقوم بالهجمات الإرهابية التي تغذي الإسلاموفوبيا، مشددًا على ضرورة كسر هذه الحلقة المفرغة.

وبحسب تقارير متواترة فقد انتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا بسرعة في البلدان الأوروبية، وباتت أخبار الاعتداء على المسلمين تأتي من معظم العواصم الأوروبية؛ حيث شهدت العاصمة البريطانية لندن مؤخرًا في أبريل 2017، اعتداءً على امرأة محجبة تَمّ إنزالها من حافلة نقل عام عنوةً، كما تعرضت عدة نساء محجبات لاعتداءات مشابهة عام 2016 في لندن، وتضمنت الاعتداءات أعمال ضربٍ في الشارع، وإزالة للحجاب وذكر بيان لجمعية مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا، أنَّ البلاد شهدت عام 2016، حدوث 419 جريمة تمييز، و39 جريمة مضايقة وتحرش، و25 هجومًا، و98 حادثة خطاب يحض على الكراهية واعتداء على المباني الدينية، وشهدت بلدة هينان بومونت، شمالي فرنسا، في 30 مايو 2017، اعتداء شخص على امرأة كانت تجلس بجوار طفلها في حديقة عامة، وتضمن الاعتداء إزالة الحجاب وضرب المرأة على رأسها، وبعد اعتداء تشارلي إبدو، شنّ أحد المتطرفين هجومًا على منزل فرنسي مسلم يدعى محمد المعقولي، وقال له: “أنا إلهكم”، قبل أن ينقض عليه ويطعنه 17 مرة أمام زوجته، وفي النمسا، سجلت أحداث الاعتداءات النابعة عن كراهية الإسلام زيادة بنسبة 65%؛ حيث تعرض المسلمون هناك لاعتداءات أثرت على حياتهم اليومية.

وفي سبتمبر 2016، شهدت العاصمة النمساوية فيينا، اعتداء مواطن نمساوي على مواطنة نمساوية من أصل تركي أويغوري، وتدعى شهربن دورماز (51 عامًا)، حيث اعتدى المواطن النمساوي على دورماز، بالضرب ونزع الخمار عن رأسها، كما كشف تقرير المركز الاستشاري للمسلمين في النمسا، عن أنَّ نسبة الهجمات كانت ترتفع دومًا قبيل الانتخابات في الدول الأوروبية، وأظهر تتابع هذه الاعتداءات أنَّ الهجمات التي يتعرض لها المسلمون ليس من الممكن أن تكون عبارة عن أحداث فردية، فيما أشار المركز الاستشاري للمسلمين في النمسا، في تقرير نشره حول العنصرية المرتكبة ضد المسلمين عام 2016، أنَّ نسبة الهجمات ضد المسلمين زادت في ذلك العام بنسبة 65%.

وبحسب مراقبين فالغريب أن “الإسلاموفوبيا” لم تعد وسيلة للحركات المتطرفة، مثل الحركة الألمانية “أوربيون وطنيون ضد أسلمة أوروبا”، المسماة “بيجيدا”، بل صارت اقتناعات لرؤساء وقادة، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي فاجأ الأوروبيين قبل الآخرين بتصريحات نارية غريبة، تقوم على التحذير من اللاجئين بوصفهم حاملي ثقافة جديدة مختلفة عن شعوب القارة العجوز،  تلك الثقافة الإسلامية التي رآها أوربان ستجتاح دول أوروبا تحمل في طياتها تهديدًا لشعوب أوروبا المسيحية، الذين سيغدون غرباء في أوطانهم بعد عقود، وهي تصريحات تنسف بشكل كبير الخطاب الودود للنائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانس.