العدسة – باسم الشجاعي

أسدلت مصر الستار، “الأربعاء” 28 مارس”، الستار على ثاني انتخابات رئاسية، بعد انقلاب الثالث من يوليو على الرئيس الأسبق “محمد مرسي”، والتي كشفت نتائجها الأولية تصّدر “عبد الفتاح السيسي” المشهد كما كان متوقعًا قبل بدء الانتخابات، بحصوله على نسبة 90.5% مِن أصوات المشاركين.

وفي ضوء إقرار وسائل الإعلام العالمية والمحلية بضعف الإقبال في أيام الانتخابات الثلاثة، فما هي دلالات الأرقام المعلنة  التي قالت وسائل إعلام موالية للنظام إنها وصلت لأكثر من 40%، ولماذا تكرر هذا الرقم تحديدًا في رئاسيات 2014و 2018 ؟.

عقدة الـ 26 مليون

من خلال الأرقام المعلنة يظهر مدى صحة الهاجس الذي كان يسيطر على النظام المصري بضرورة تحقيق نسبة تصويت تفوق انتخابات 2014 التي حصل “السيسي” فيها على 23 مليون صوت بنسبة 97%، مقابل 3% لمنافسه الوحيد “حمدين صباحي” والتي سجلت نسبة مشاركة إجمالية 47%على الأقل.

والوصول لنسبة المشاركة المسجلة في انتخابات الرئاسة لعام 2012 بين مرشح الرئيس الأسبق “محمد مرسي” ورئيس الوزراء الأسبق “أحمد شفيق” والتي بلغت حوالي 49%، والتي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، والتي كانت تعتبر أول انتخابات نزهيه تشهدها البلاد في الانتخابات الرئاسية على مدار التاريخ.

ولكن الأرقام الأولية المعلنة التي تشير إلى مشاركة 24 مليون شخص على الأقل في انتخابات الرئاسة، تعتبر مقاربة جدا للانتخابات الرئاسية في 2014، والتي فاز فيها “عبدالفتاح السيسي”، بمنصب رئيس الجمهورية، بنسبة بلغت 96.91 في المائة، من إجمالي الأصوات الصحيحة، مقابل 3.09 % لمنافسه “حمدين صباحي”، ومن المتوقع أن لا تزيد عن ذلك.

“السيسي” الفائز الثاني

دلالة أخرى ذهبت لها الأرقام، وهي أن “عبد الفتاح السيسي” هو الفائز الثاني في هذه الانتخابات وليس الأول؛ حيث كشفت أعداد الأصوات الباطلة التي وصلت إلى مليون و523 ألف صوت، حجم الاعتراض على الانتخابات الرئاسية المصرية.

فقد سبق الانتخابات الرئاسية، توقيع عشرات الشخصيات السياسية والعامة المصرية، فضلا عن مئات النشطاء والمواطنين، على بيان “مقاطعة الانتخابات الرئاسية”، الذي أصدره رموز المعارضة.

فضلًا عن اتساع رقعة معارضة الانتخابات على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الثالثة للانتخابات بالداخل؛ حيث تصدرت هاشتاجات “#الأصوات_الباطلة”، و”#أنا_مانتخبتش”، “#مش_نازل”، قائمة الأكثر تداولاً بمصر “الترند” على مواقع “تويتر”.

وهو ما يبرر محاولة مؤسسات الدولة للحشد في اللحظات الأخيرة لليوم الثالث والأخير من الانتخابات الرئاسية والخروج من مأزق العزوف عن المشاركة وخاصة الشباب؛ حيث تبارت بعض المصالح والهيئات فى نقل منتسبيها إلى اللجان، ومنحت هيئات أخرى موظفيها إجازة بأجر كامل.

وممارسة نظام السيسي كل أدوات الترهيب بحق المصريين، بتهديدهم بغرامة “مزعومة” قيمتها 500 جنيه، في حال امتناعهم عن التصويت “دون عذر”.

ففي سابقة أولى من نوعها؛ أصدرت الهيئة الوطنية للانتخابات بياناً يخوف المواطنين من تطبيق عقوبة الغرامة 500 جنيه على كل مواطن مقيد اسمه في قاعدة بيانات الناخبين وتخلف دون عذر عن التصويت، علماً بأن تغريم الممتنعين عن التصويت في القوانين المصرية بدأ في الخمسينيات من القرن الماضي، لكن لم يتم تفعيله في أي مرحلة سياسية، نظراً لصعوبة تطبيق النص، وصعوبة حصر أسماء المواطنين الذين لم ينتخبوا، فضلاً عن ضخامة الأعداد.

انتخابات غير نزيهة

الدلالة الثالثة من هذه الأرقام، تكشفها حسبة بسيطة تعكس مدى عدم دقة الأرقام الأولية التي أعلنت من قبل بعض المؤسسات الإعلامية وأنها انتخابات غير نزيهة بحسب ما أكدت تقارير إعلامية.

فقد كشفت مؤشرات الفرز الأولية في “رئاسيات 2018″، أن “السيسي” حظي بنحو 21 مليون صوت انتخابي، في مقابل 683 ألف صوت لمنافسه الوحيد، “موسى مصطفى موسى”.

فإذا كانت نسبة الحضور بحسب ما هو معلن قد بلغت ٢٣ مليون (إجمالي مع حصل عليه “السيسي” و”موسي” وإضافة الأصوات الباطلة لها)، وقمنا بقسمتها على عدد اللجان الفرعية والعامة ١٤ ألف لجنة تقريبا، إذن فإن متوسط نصيب كل لجنة 1642 صوت تقريبا، وإذا كان عدد ساعات التصويت باللجان ( ١٢ساعة× ٣أيام) = ٣٦ ساعة لكل لجنة، ما يعني أن معدل دخول الناخبين إلى اللجان على مدى الـ ٣٦ ساعة =  45 ناخبا تقريبا في الساعة، بمعدل ناخب كل دقيقة وثلث تقريبًا بكل لجنة من لجان الجمهورية على مدى ثلاثة أيام من التاسعة صباحا وحتى التاسعة مساء.

وهذا لم يحدث، فبحسب ما أظهرت بيانات جمعها “المركز المصري لدراسات الرأي العام”، الذي أشار لانخفاض التصويت في الانتخابات الرئاسية بمصر؛ حيث لم يتجاوز إجمالي الناخبين بعد انتهاء أيام الاقتراع لثلاثة مليون و320 ألف ناخب.

عودة لعصر انتخابات 90%

ما كشفته النتائج الأولية في الانتخابات الرئاسية الحالية، يعتبر عودة لعصور 90و 99% التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية، ماعدا انتخابات 2012 التي كانت الانتخابات الوحيدة النزيهة في البلاد.

فمنذ إعلان الجمهورية في 1953، شهدت مصر 4 انتخابات رئاسية، وقبل الوصول لأول انتخابات رئاسية تعددية في عهد مبارك، شهدت مصر في عهد الرئيس الأسبق، “جمال عبد الناصر” (1956-1970)، 3 استفتاءات (1956، 1958، 1965) بنسب نتائج وصلت 99.9 بالمائة.

وكانت أول انتخابات تعددية مباشرة، منذ إعلان الجمهورية، في سبتمبر 2005، وفاز فيها الرئيس المخلوع “حسني مبارك” بدورة رئاسية لمدة 6 سنوات، بنسبة 88 بالمائة.

رئاسيات 2012، كانت ثاني انتخابات رئاسية بتاريخ مصر، والأولى بعد ثورة يناير 2011، وفاز فيها  الرئيس الأسبق “محمد مرسي” بالجولة الثانية والأخيرة بنسبة 50.71 بالمائة، على منافسه “أحمد شفيق” بنسبة 48.27 بالمائة.

أما رئاسيات 2014، كانت ثالث انتخابات رئاسية بتاريخ مصر، والثانية بعد ثورة يناير، والتي أعادت المرشح ذي الخلفية العسكرية للواجهة مجددا؛ وفاز فيها قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي” بأصوات أكثر من 23 مليون ناخب، بنسبة تجاوزت 96 بالمائة، لتعودة هذا الرقم للساحة  المصرية من جديد.