العدسة – جلال إدريس
الخلافات التركية الفرنسية هي خلافات قديمة ومتجزرة، لكنها عادت واشتعلت من جديد بعد التدخل الفرنسي على خط المواجهة السورية، الأمر الذي قد ينذر باشتعال الوضع السوري مجددًا خصوصًا في منطقة عفرين.
وفيما بدا أنها مغازلة فرنسية للأكراد، عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا الوساطة بين تركيا والأكراد في شمالي سوريا.
“ماكرون” لم يتوقف عند حد عرض الوساطة بين “الأكراد المقاتلين والدولة التركية”، لكنه وعد قيادات من قوات سوريا الديمقراطية بإرسال قوات فرنسية إلى منبج لقتال تنظيم “داعش” وإيقاف تركيا عن التقدم في الشمال السوري.
التصريحات الفرنسية، أثارت غضب الأتراك، ودفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للردّ على نظيره الفرنسي بتصريحات شديدة اللهجة.
فإلى أين سيصل الخلاف التركي الفرنسي؟ وما هو أصله؟ وما هي انعاكاسات هذا الخلاف على الوضع في سوريا؟ وهل ستؤثر تلك الخلافات على حرب “تركيا” المتواصلة على تنظيم “بي كاكا” الذي تعتبره تركيا تنظيمًا إرهابيًا يهدد سلامة الدولة التركية؟
نهج خاطئ ورفض للوساطة
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اعتبر أن فرنسا تبنت “نهجا خاطئا” في سوريا، وذلك بعد أن وعد رئيسها إيمانويل ماكرون قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد بالمساعدة في إرساء الاستقرار بشمال شرق سوريا.
وقال أردوغان “نشعر بالأسف الشديد لهذا النهج الخاطئ تمامًا الذي أبدته فرنسا، والذي نأمل أن يكون نتيجة سوء فهم”.
كما رفضت تركيا كل وساطة فرنسية تهدف إلى حوار بين أنقرة من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، والتي تشكل فيها وحدات حماية الشعب الكردية القسم الأكبر من المقاتلين إلى جانب مقاتلين من العرب.
وكان وفد من الوحدات الكردية وصل إلى الإليزيه؛ حيث التقى أعضاء الوفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
ووصف المتحدث باسم الحكومة التركية إبراهيم كالين وحدات حماية الشعب الكردية بالمجموعات الإرهابية.
وتعتبر أنقرة أن المكون العربي لقوات سوريا الديمقراطية ليس إلا واجهة، الهدف منه إضفاء شرعية لميليشيا تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون بالارهابي.
عداء صريح لتركيا
هجوم أردوغان على فرنسا لم يتوقف عند حد اعتبار تصرفات فرنسا نهجًا خاطئا، لكنه صعد من حديثة ضد فرنسا خلال خطاب له الجمعة، وتوجه بالقول “من أنتم حتى تريدون التوسط بين تركيا وتنظيمات إرهابية؟ إن تاريخكم مازال ملوثاً بالدماء”، مشيراً إلى أنّ بلاده لن تقبل أن يجلس أحد في موقع القيادة للقوات التركية المسلحة، وأنه لا معنى للتصريحات الفرنسية حول “الوساطة مع الإرهابيين” على حد تعبيره.
فيما رأى رئيس الوزراء التركي”يلدريم” أنّ باريس يمكنها التفاوض مع “الإرهابيين” لكن أنقرة ستحاربهم كما فعلت في عفرين، موضحاً أنّه “لا يحق لفرنسا أن تشتكي من التنظيمات الإرهابية وأعمالها بعد موقفها حيال عرض الوساطة بين تركيا والتنظيم الإرهابي”.
وأكّد مصدر أمني أنّ الجيش التركي نقل أعدادًا كبيرة من عناصر النصرة بإدلب إلى عفرين وإلى مناطق سيطرة درع الفرات شمال حلب.
وتعليقاً على استضافة فرنسا لوفد من قوات سوريا الديمقراطية أشار الرئيس التركي إلى أنّ هذا الأمر “هو عداء صريح لتركيا”.
وتابع قائلاً إنه يأمل ألاّ تطلب فرنسا مساعدة تركيا عندما تكتظ مُدنها بالإرهابيين الفارين من سوريا والعراق.
أردوغان أضاف أنّ بلاده بدأت الإعداد لتطهير مناطق عين العرب وراس العين وتل أبيض في سوريا من المسلحين حتى الحدود مع العراق، مشيراً إلى أنّ تركيا عازمة على طرد المسلحين من العراق وإنهاء أنشطتهم بشكل كامل، وقال إنّ الجيش التركي قد يدخل سنجار في العراق “في أي وقت”.
فرنسا تكيف عملياتها في سوريا
في مقابل الموقف التركي الحاد من “الأكراد المسلحين” في الشمال السوري، تعمل فرنسا على تكييف عملياتها العسكرية في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا إذا رأت ذلك مفيدًا في تحقيق أهدافها في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وترفض فرنسا أي عملية عسكرية تركية في منبج السورية وتعتبرها غير مقبولة، قائلة إنها تشارك الرأي الأمريكي في ذلك، لكن باريس قالت إنها لا تتوقع أي عمليات عسكرية جديدة بشمال سوريا، غير أنشطة التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية.
الدخول إلى العراق
تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم تقف عند هذا الحد، لكن الرئيس التركي كشف اليوم أن تركيا عازمة على الدخول لسنجار العراقية لطرد المسلحين، مؤكدا أن القوات التركية ستدخل المدينة في أي وقت.
وقال إن أنشطة منظمة “بي كا كا” الإرهابية في العراق وظيفة مشتركة لنا ولحكومة بغداد، نحن منفتحون على العمل سويًا في هذا الموضوع.
وأوضح خلال تصريحات له بمؤتمر لحزب “العدالة والتنمية” : سنجار مثلها مثل قنديل بالنسبة لنا، وسيستمر هذا حتى تطهير سنجار من “بي كا كا” والتنظيمات الإرهابية، ومن أجل ذلك يمكننا أن نذهب إلى هناك على حين غرة.
وتستغل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وبعض الدول الأوربية “قوات سوريا الديمقراطية” في الهجوم الإعلامي على تركيا، حيث يتم استخدام تلك القوات كستار لتنظيم “ب ي د/بي كا كا” في سوريا، ولا توجد لها إدارة مستقلة أو قاعدة من المسلحين التابعين لها.
ويبلغ عدد مسلحي “قوات سوريا الديمقراطية” أكثر من 50 ألف مسلح، 70 % منهم من تنظيم “ي ب ك”.
اضف تعليقا