العدسة – معتز أشرف

في تناقض صارخ لعنتريات الأمير السعودي الطائش محمد بن سلمان ووزرائه، خاصة وزير الخارجية عادل الجبير، ضد الديكتاتور السوري، ظهرت التصريحات الداعمة لبقاء بشار الأسد واحتلال أمريكا لسوريا، السبت، لتلغي كل ما جرى وتكشف سر الاستسلام السعودي للديكتاتور، وكيف أفشلت السعودية الثورة السورية حتى وصلت إلى هذه المحطة ليكون الموقف الأول لها من الثورة حين عادت الثوار، هو الموقف الحقيقي الذي تناساه البعض في غمرة الصراعات.

إعلان الفشل!

الأمير السعودي الذي يحاصره الفشل، محمد بن سلمان، أعلن دون مواربة دعمه بقاء الديكتاتور السوري بشار الأسد في السلطة، كما دعا إلى أن يحافظ الجيش الأمريكي على تواجده في سوريا على المدى المتوسط، في احتلال ضمني لأرض الشام، بحسب ما يرى البعض، حيث قال في مقابلة مع مجلة “تايم” الأمريكية: “بشار باق” في السلطة، كما أكد أنه من الضروري أن يحافظ الجيش الأمريكي على وجوده في سوريا، على الرغم من إعلان الرئيس دونالد ترامب مؤخرا، أن قوات بلاده ستنسحب من هناك قريبا، قائلا: “نعتقد أن القوات الأمريكية يجب أن تبقى لفترة متوسطة على الأقل، إن لم تكن على المدى الطويل، فهي “الجهد الأخير لمنع إيران من الاستمرار في توسيع نفوذها”.

يأتي هذا، رغم أن قوى المعارضة السورية أعلنت في مؤتمرها الثاني، الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض في ديسمبر 2017، تأكيدها على ضرورة رحيل الأسد، وإقامة هيئة حكم انتقالية في سوريا، كما شددوا على أن حل الأزمة السورية سياسي، مع التمسك بمبدأ المحاسبة على ما ارتكب من “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق السوريين”، كما شددت قوى المعارضة السورية على التمسك بما ورد في بيان جنيف 1 بخصوص “إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية”، مع التأكيد على أن “ذلك لن يحدث دون مغادرة بشار الأسد وزمرته ومنظومة القمع والاستبداد عند بدء المرحلة الانتقالية.

خيانة الأمير الطائش محمد بن سلمان مبكرة!

ففي سبتمبر 2017، كشف الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، للمرة الأولى، تفاصيل جديدة عن خيانة السعودية للثورة السورية التي زعمت دعمها، حيث كشف نصر الله عن اقتراح قدمته الرياض لدمشق آنذاك، وقال إنه “بعد المعركة بسنة ونصف أو سنتين أرسلت السعودية إلى الرئيس السوري بشار الأسد رسالة، أن أعلِن في مؤتمر صحافي غدًا صباحًا قطع العلاقة مع حزب الله وإيران وتنتهي الأزمة”.
وفي المقابل، كان بشار الأسد واثقًا في يوليو 2016 ببقائه ومن تخلف آل سعود، وفي مقابلة مع قناة “NBC” الأمريكية، قال إنه في حال “توقفت السعودية عن دعمها للإرهاب” سيستطيع النظام السوري الانتصار في الحرب في بضعة أشهر”، على حد قوله، وردًّا على سؤال في العام 2015 حول “موقف آل سعود الذين يصرون على تنحيه، شدد الأسد على أن “الحديث عن موضوع النظام السياسي، أو المسؤولين في هذا البلد، هو شأن سوري داخلي”، قائلا: “أما إذا كانوا يتحدثون عن الديمقراطية.. فهل هذه الدول التي ذكرتها، وخاصة السعودية، هي نموذج للديمقراطية أو لحقوق الإنسان أو للمشاركة الشعبية في الدولة؟.. هي النموذج الأسوأ والأكثر تخلفًا وتأخرًا على مستوى العالم.. فليس لهم الحق في الحديث حول هذه النقطة”.

سر الاستسلام!

وكالة “بلومبرج” الأمريكية، ، كشفت عن سر التحول السعودي في وقت مبكر، حيث قالت إنه يرجع بصورة كبيرة للخسائر المتتالية التي منيت بها المعارضة السورية، واستعادة الأسد فعليا السيطرة على جزء كبير من البلاد، خلال العامين الماضيين، كما أن “السبب الآخر”، هو إعلان إنهاء الإدارة الأمريكية الجديدة برنامج “تسليح المعارضة السورية”، وهو ما يعني تخلي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عنهم، علاوة على التعاون القائم حاليا بين موسكو وتركيا، ونقلت الوكالة الأمريكية، عن رئيس قسم الدفاع والأمن في مركز الخليج للأبحاث في دبي، مصطفى العاني، قوله: إن “السعودية أدركت الآن أن روسيا هي الطرف الوحيد القادر على حل الصراع في سوريا، وهو ما جعلهم موقنين لأنه لا مشكلة لديهم في بقاء الحكومة السورية الحالية”.

الإرهاق المادي والتشتت سببان رئيسيان في فشل السعودية في سوريا، وبحسب مراقبين، والذين يرون أن السعودية ضخت مليارات الدولارات في تمويل جماعات متطرفة في سوريا وتسليحها في محاولة منها لإبعاد خطر هذه المجموعات عن أرضها، إلا أن الطبقة الحاكمة في الرياض وجعلها الرهان على سياستها في المنطقة يرتبط بمستقبلها السياسي، أدى إلى فشل مشروع السعودية في الأزمة السورية، وعدم القدرة على إسقاط نظام دمشق المجرم، والتي شكلت نتائجها مفصلا محوريًّا في تحول الصراع السياسي في المنطقة، كما لم تنفع العروض السخية والحوافز الاقتصادية المقدمة لروسيا الداعم الأول لنظام الأسد وغطائه الدبلوماسي في منظمة الأمم المتحدة، حيث أساءت السعودية التقدير عندما عرضت على روسيا صفقات أسلحة كبيرة، أو حل أزمة النفط بما يتوافق مع المصلحة الروسية، وأن المملكة -وفق ما أكده وزير خارجيتها عادل الجبير لصحيفة أمريكية- مستعدة لفتح فرص جديدة لروسيا للوصول إلى أسواق الخليج، والاستثمار أكثر من الأسواق الصينية، في حال التخلي عن رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلا أن جميع هذه العروض حكم عليها بالفشل، لتثبت فشل السياسية السعودية في الملف السوري.

سيناريو الإفشال!

وفق محللين، فإن السعودية أفشلت الثورة السورية وفق مخطط ممنهج، حيث تحولت من المعاداة إلى التأييد إلى تسليم بالأجندة الروسية، وبعد أن منت على العالم بدعمها لانتفاضة السوريين ضد نظامهم القمعي، سقطت في أحضان روسيا ووقعت علي بياض للديكتاتور، وبحسب التقارير المتواترة صارت السعودية مكلفة بالضغط على المعارضة السورية، ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، التي تتخذ من الرياض مقرًّا لها، بكل الوسائل لدفعهم نحو الاعتراف ببشار الأسد، وصار الضغط السعودي يذهب في اتجاه واحد: إدخال معارضين ــ موالين فعليًّا، ومقربين سوريين من روسيا باسم “معارضين”، إلى الجسم الأكبر للمعارضة السورية (الهيئة العليا)، لطي صفحة شعار إطاحة بشار الأسد وأركان حكمه، كما تأخر انعقاد مؤتمر الرياض 2 للهيئة العليا للتفاوض مع بقية ما يُسمى منصّات معارِضة، أبرزها منصات القاهرة وموسكو وأستانة، بهدف تشكيل بنية جديدة للهيئة العليا، بشكل يكون لاستسلامها شرعية أوسع في حوارات جنيف، ليطوى ملف مستقبل الأسد والنظام، ويتفرغ السوريون لتلميع صورة النظام ومحو جرائم القتل والتهجير والتعذيب والتدمير الشامل والتغيير الديمغرافي الحاصل داخل سورية، كما شهد شهر أغسطس 2017، ومع انعقاد الاجتماع الذي جمع المنسق الأعلى لـ”الهيئة العليا للتفاوض” السورية رياض حجاب وأعضاء من الهيئة، مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في الرياض، الذي كان قد شدد في أكثر من مناسبة، على أن “بشار الأسد انتهى، إما أن يرحل بعملية سياسية، أو ينتهي بسبب عمليات عسكرية”، حيث كان القشة التي قصمت ظهر البعير وفضحت الدور السعودي المشبوه في الحديث عن بقاء بشار.
المراقبون يرون أن الموقف السعودي السلبي في الأشهر الأولى إزاء الثورة السورية متماشيًا مع العداء العلني من الرياض لكل ما يمت بصلة للثورات العربية، ابتداء من تونس، حيث استقبلت على أراضيها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، مرورًا بمصر وليبيا واليمن، هو الموقف الحقيقي للرياض، وأنها لم تتحرك إلى سوريا إلا لمواجهة خصمها اللدود طهران، والتي سرعان ما غيرت رأيها مع بروز مواقف غربية داعمة للحراك السلمي ضد الأسد رغم أنها شوهت الثورة السورية في أحد مراحلها بتمويل بعض جماعات الإرهاب!

المعسكر الآخر!

وفي المعسكر الآخر يتحدث المراقبون الموالون لبشار الأسد في روسيا، أن السعودية اعترفت واقعيًّا بالهزيمة في سوريا عندما ذهبت إلى روسيا، حيث حدث المتوقع، وهو أن الحرب في سوريا ستنتهي بطريقة بسيطة جدًّا، وهي حين يتوقف تمويلها، وهذا تحديدا ما حدث، وبفضل نشاطنا الدبلوماسي، وبفضل الاتفاقات مع الإيرانيين والأتراك، يعود السلام إلى سوريا، فيما قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن السعوديين سيكتشفون أنهم “يخوضون معركة خاسرة، أنا بكل واقعية أتفهم غضب السعودية لأنه عندما يفشل أحد، أقلّه يغضب، وإذا غضب ويستطيع أن يقوم بشيء يحاول أن يقوم به، ورأي نصرالله أن “السعودية بَنَتْ حساباتها على أن سوريا ستسقط خلال شهرين في أيديهم، ومرت السنوات وخابت الآمال، فشل كبير وسقوط رهانات، مضيفًا أن “النظام السعودي يأتي في مقدمة المتآمرين على أي نظام أو جيش عربي يريد قتال إسرائيل واستعادة الكرامة العربية”.