العدسة _ ربي الطاهر

يؤكد الخبراء أن طبيعة الإنسان تجعله لا يتأقلم مع التغيرات السريعة بسهولة، وبما أننا الآن نواجه مشكلة تغيير التوقيت من الشتوي إلى الصيفي، فإن الكثير من الدراسات الحديثة أثبتت أن تغيير مواعيد النوم والاستيقاظ له تأثيرات سلبية عديدة، ومن ذلك تلك الدراسة التي أجرتها “مؤسسة النوم الوطنية”، والتي أشارت إلى أن تغيير الساعة في التوقيت الصيفي يؤدي إلى حالة من الارتباك في تهئية الجسم للاستيقاظ، وهو ما يؤثر بدوره على الساعة البيولوجية للجسم، كما يؤثر على مدى تقبلنا للبيئة المحيطة، وأكد الباحثون القائمون على هذه الدراسة، أنَّ هذه التغييرات لها تأثيرات سلبية على الصحة مع المدى البعيد.

الساعة البيولوجية

ولكي يوضح الباحثون هذه التأثيرات، فقد آثروا في البداية تعريف ماهية تلك الساعة البيولوجية، وقالوا إنها انتظام الأشياء التي تتكرر يوميًّا معنا بمواعيد ثابتة ومحددة، مثل “مواعيد وساعات النوم والاستيقاظ، وتغيير مستوى الهرمونات، وارتفاع وانخفاض درجة حرارة الجسم، إلى غير ذلك من تلك التغيرات التي تحدث خلال اليوم”، ومن أهم العوامل المؤثرة في الساعة البيولوجية، الضوء، والتعرض لضوء الشمس صباحًا يؤثر إيجابيًّا على ضبط الساعة البيولوجية، ولذلك قد تجد بعض الأشخاص ينامون في ساعات محددة، ويستيقظون كذلك في مواعيد محددة، دون الاعتماد على منبه لقيامهم في مواعيد محددة، وبإمكانك أنت كذلك أن تفعل نفس الشيء ولا تحتاج إلى منبه، إذا حصلت على قسط جيد من الراحة وانتظمت ساعتك البيولوجية.

غير أن مواعيد العمل التي قد تتغير لدى بعض الأشخاص فيحتاجون لأوقات للسهر ليلا، وأوقات أخرى تتحول للعمل نهارًا، هو ما يفسد تلك الساعة البيولوجية ويجعلنا نلجأ للاعتماد على إشارات غير طبيعية مثل المنبه، أو بعض الأدوية أو المشروبات التي تحتوى على المنبهات كالقهوة أو الشاي مثلا.

وكان الإنسان قديمًا يعتمد على ساعته البيولوجية في تنظيم يومه، كما كان يعتمد على الشمس في تحديد مواعيده إلا أن ما يحدث الآن هو تغيير في طبيعة الإنسان، الذي ترك مجريات الأمور تتحكم في مواعيد نومه وعمله وأكله، وهو بالتأكيد ما يترك آثارًا سلبية على أجسادنا.

أزمات قلبية

فقد أكد الخبراء أن تغيير مواعيد اليقظة والنوم، فيما يسمى بالتوقيت الصيفي، قد تصل أضراره إلى حد تضرر القلب والأوعية الدموية، وأشاروا إلى أن استيقاظ الناس قبل ساعة كاملة من نومهم في مواعيدهم الطبيعية التي كانوا قد اعتادوا عليها، يؤثر على صحة ملايين من البشر في تلك البلدان التي تتبع تطبيق هذا النظام، وهو ما أثبتته الإحصائيات التي أوضحت أن نسبة الإصابة بالأزمات القلبية في هذه الفترة تزداد عن أي وقت آخر في العام، بما يصل إلى 10%، وارجعوا ذلك إلى أن الأشخاص الذين اعتادوا على أخذ قسط محدد من الراحة ثم يفاجؤون بأن عليهم الاستيقاظ والعمل في هذا الوقت المحدد للراحة، فيتعرضون لاضطرابات صحية، خاصة وإن كان هؤلاء الأشخاص قد تجاوزوا الخامسة والستين من أعمارهم، فهو ما يعرضهم أكثر من غيرهم للجلطات الدماغية في هذا التوقيت تحديدا أكثر من أي وقت آخر.

وقد حصل بعض العلماء على جائزة نوبل، حينما فصلوا من خلال دراساتهم الإيقاعات الداخلية والساعة البيولوجية للإنسان، وأكدوا من خلالها ما ذكره الأطباء من تلك التأثيرات السلبية التي تحدث نتيجة تغير التوقيت.

كما أدلى علماء الفلك كذلك بدلوهم فى تأثيرات تغير التوقيت، وأكدوا أنه من الأفضل للبشر، الحياة وفق التوقيت القريب من التوقيت الفلكي، والذي يشابه تقريبا التوقيت الشتوي والذي يقل ساعة عن التوقيت الصيفي، وقالوا إنه أنسب إلى الايقاع الداخلي للجسم، حيث إن أشعة الشمس لا تؤثر فقط في تحسين المزاج، بل إنها أيضًا تؤثر على الحالة الصحية، وتزيد من نشاط الجسم وإنتاجيته، كما تحفز الجسم وتساعده على مقاومة الأمراض المختلفة.

كما أضاف مجموعة من العلماء بجامعة ألاباما، أن إحداث خلل في التوقيت الزمني المرتبط بالحرمان من النوم، يرفع من خطر الإصابة بالنوبات القلبية إلى ذروتها، كما أن تقديم التوقيت ساعة كاملة من شأنه أن يصيب الإنسان بالأرق، ويخفض من تركيزه، ويقلل انتباهه، ويصيبه بالخمول، كما يتيح إمكانية تفاقم الأمراض المزمنة التي يعاني منها.

وأشار مارتن يونج، الأستاذ بقسم أمراض الأوعية الدموية بالجامعة، إلى أن الأسباب التي تقف وراء هذا التأثير الفسيولوجي السلبي للجسم لازال مجهولًا، وكل التفسيرات المتاحة هي نظريات ترجح أن الحرمان من النوم الذي يؤثر بدوره على الساعة البيولوجية يتداخل مع الاستجابات المناعية عند تغيير الوقت بفارق ساعة، والذي قد يؤثر أيضًا على العمليات والوظائف لأعضاء الجسم الأخرى، ومن ضمن تلك التأثيرات، الاستسلام لهذه الالتهابات التي تتسبب في وقوع النوبات القلبية.

تأثر الخلايا

وتتوقف درجة تأثر الشخص باختلاف التوقيت الصيفي وتغيير مواعيد النوم، على نظام الشخص نفسه في تنظيم مواعيد نومه، وهل هو من المبكرين في النوم أو من محبي السهر، حيث إن كل خلية في الجسم لها توقيت خاص بها يُمَكنها من توقع حدوث أية وقائع والاستعداد لها، وعندما يحدث أي تحول في نظام الشخص، مثل الاستيقاظ المفاجئ فإن هذه الخلايا تستغرق وقتا حتى تتأقلم على هذا النظام الجديد.

ويعد هذا التوقيت الداخلي الخاص بكل خلية هو ما يعرضها للتوتر وعندما يتغير التوقيت للاستيقاظ ساعة مبكرًا فإن هذه الخلايا تكون في حالة استعداد للاستغراق لمزيد من الوقت في النوم الذي لن تحصل عليه مما يعرضها للتوتر وهو ما يؤثر سلبًا على الجسم.

وقد أعد الكثير من الباحثين العديد من الإستراتيجيات التي قد تساهم في مساعدة الجسم على استعادة توازنه مع تغيير التوقيت بسرعة، وكان من بينها اللجوء إلى الأدوية المهدئة لحالات التوتر والارتباك أو الإرهاق المترتب على السفر بين المناطق الزمنية المختلفة.

أما “يونج” فقد نصح بإستراتيجية طبيعية وسهلة، لمساعدة الجسم على التأقلم مع هذا التغيير، وتتمثل في إعداد الجسم للاستيقاظ نصف ساعة مبكرا قبل تطبيق هذا النظام بيومين، حتى يتأهب الجسم لهذا التوقيت الجديد، ثم تناول وجبة فطور مناسبة مع ممارسة الرياضة الصباحية طوال الأسبوع، وبعدها الخروج مع ضوء الشمس باكرا.

ويرجح أن اتباع هذا النظام يقي من هذه المخاطر التي تفاجئ خلايا الجسم، ويعيد ضبط الساعة المركزية في المخ، والتي تتفاعل مع التغييرات التي تحدث في دورات الليل والنهار والساعات المحيطة في خلايا الجسد بالكامل، بما في ذلك الساعة الموجودة بالقلب التي تتأثر بالأطعمة أو بالأنشطة البدنية.

وهو ما يسمح للجسم بالتفاعل الطبيعي مع التغيير الحادث بالبيئة الزمنية، مما يقلل من فرص التعرض للمشاكل الصحية أثناء التغيير الزمني.

حرمان المراهقين من النوم

وأضاف فريق بحثي آخر أن المراهقين الذين يعيشون في بلدان تتبع نظام التغيير الزمني صيفًا يحرمون من 3 ساعات نوم أسبوعيًّا بسبب تغيير التوقيت، وتوصلوا إلى ذلك من خلال تلك الدراسة التي أجروها على المراهقين في تلك البلدان، والتي شملت عينة منهم تصل إلى 35 شخصًا متوسط أعمارهم 16 عامًا، واتضح من النتائج التي أثبتتها تلك الدراسة أن تغيير التوقيت الصيفي يتسبب في حرمان الطلبة في المدارس من من 32 دقيقة نوم يوميًّا، أي 2:42 ساعة أسبوعيًّا.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن حرمان الطلبة من هذه الدقائق ليس بالأمر المزعج أو ذي الأهمية القصوى، إلا أن الباحثين أكدوا على أن اضطراب الساعة البيولوجية للجسم قد يؤدي إلى الكثير من الأضرار الصحية لهؤلاء المراهقين، كما أنها تؤثر على المزاج والنشاط، وهو ما يؤدي بدوره إلى تحقيق نتائج مدرسية أقل.