العدسة _ باسم الشجاعي
لن تكون شركتا “أوبر” و”كريم” آخر الشركات العالمية التي سترحل عن السوق المصري، منذ انقلاب الثالث من يوليو لعام 2013 على الرئيس الأسبق “محمد مرسي”، وحتى الآن؛ بسبب الضغوط التي تتعرض لها من قِبل النظام المصري، وعدم توفير المناخ المناسب لها في سوق العمل المحلي.
فالشركتان اللتان يعمل بهما أكثر من 200 ألف سيارة، ويستفيد منهما أكثر من 5 ملايين مصري-على الأقل بحسب بعض التقديرات الإعلامية- تواجهان ضغوطًا من البرلمان المصري، مقابل تقنين أوضاعهما، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقة وراء محاربة مجلس النواب لهما، بالرغم من أنهما سبب في انتعاش سوق السيارات الراكد في البلاد بعد قرار تعويم العملة المحلية “الجنيه” في نوفمبر 2016، وتوفير فرص عمل لكثير من الشباب، أغلبهم من حملة المؤهلات العليا والطبقة المتوسطة التي بدأت في الانحصار في مصر بسبب سياسية التقشف التي يتبعها النظام الحالي.
بداية الصدام
ويبدو أنَّ النظام الحالي هو من قرر التصادم مع الشركتين؛ فـ”الخميس” الماضي، 30 مارس، وافقت لجان “النقل والمواصلات، والأمن القومي، والشؤون الاقتصادية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب المصري”، على مشروع قانون حكومي بتنظيم خدمات النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات.
وتضمن مشروع القانون 20 مادة، إلى جانب 4 مواد خاصة بالنشر، حددت فترة لا تتجاوز 6 أشهر لتوفيق الشركات القائمة أوضاعها، سواء التي تؤدي خدمات النقل البري للركاب مستخدمة السيارات الخاصة، أو عن طريق وسائل النقل الجماعي، من خلال وزارة النقل، بوصفها المعنية بتطبيق القانون بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والاتصالات.
وأقرّت اللجنة المواد الخاصة بالتعاريف الواردة في القانون، واستصدار تراخيص وتصاريح وبطاقات التشغيل التي تصدر لسائقي السيارات، والعلامات الإيضاحية (عبارة عن شعار مميز يوضع على السيارة أثناء عملها)، فضلًا عن قيمة الضرائب والتأمينات، وإلزام الشركات بالتأمين على جميع سائقي السيارات من مقدمي الخدمة.
وبالمخالفة للمادة (54) من الدستور المصري- التي تنص على أنه لا بد من توافر أمر قضائي مُسبب لتقدم الشركة بيانات ومعلومات للجهات الأمنية-، تمسك أغلب النواب بما ورد في مشروع الحكومة من ربط بيانات المواطنين المسجلة لدى الشركات، مقدمة الخدمة، بعددٍ من الجهات الأمنية المختصة (لم يحددها)، ما أثار اعتراضات ممثلي تلك الشركات، التي جددت رفضها للمراقبة الأمنية على بيانات عملائها، أو شركائها من سائقي السيارات.
وقالت مدير السياسات في شركة “أوبر”، رنا قرطام: إنَّ قسم التشريع في مجلس الدولة اعتبر أن المواد المقدمة من الحكومة في هذا الصدد تنتهك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، المكفولة دستوريًا، مستنكرة إلزام الشركات المُرخص لها بإجراء ربط إلكتروني بين قواعد بياناتها و”الجهات المختصة”، من دون تحديد ماهية تلك الجهات.
وكذلك، اعترضت “قرطام” على إلزام الشركات بأن تكون الخوادم الخاصة بقواعد البيانات والمعلومات من داخل مصر “السرفر”، قائلة إنَّ “خوادم الشركات موجودة في كل مكان في العالم، فيما يسمى بـ”الخوادم السحابية”، وليست في مكان بعينه”، وهو ما علق عليه النائب سعيد طعيمة، بقوله: “هذا الأمر يخص الأمن القومي، طالما الشركة تستثمر في مصر”.
وقالت “قرطام”، في ردها، إن “هناك نحو 4 ملايين مستخدم، و150 ألف سائق لدى الشركة، وملتزمة بحماية بياناتهم، باعتبارها أمانة لديها”، متابعة: “أنا مصرية أبًا عن جد، وأعرف كيف أحافظ على الأمن القومي لبلادي”
استهداف النشطاء والمعارضين
أحد الأهداف الرئيسية وراء الضغط على شركات النقل الخاصة “أوبر” و”كريم”، هو استهداف تحركات النشطاء، والمعارضين للسلطة الحاكمة”، بحسب ما نقل موقع “الع
ربي الجديد” على لسان مسؤول حكومي مصري (لم تسمِّه).
ويتسق ذلك مع تصريحات رئيس لجنة النقل والمواصلات في مجلس النواب، “هشام عبد الواحد”، الذي قال فيه عقب اجتماع البرلمان الذي عن انتابه حالة من الجدل حول المادتين التاسعة والعاشرة الخاصتين بالربط الإلكتروني لقواعد البيانات والمعلومات للمستخدمين مع “الجهات المختصة”: إنَّ “الأمن القومي فوق كل اعتبار”، مشيرًا إلى أنه بالرغم من خصوصية البيانات الخاصة إلا أنها متاحة لشركات أجنبية، ومن غير المقبول أن نحجبها عن أجهزة الدولة المصرية”، متابعًا “يجب أن تلتزم الشركات بأن تكون الخوادم الخاصة بقواعد البيانات والمعلومات داخل حدود مصر “السرفر”، مراعاةً لمقتضيات الأمن القومي”.
هل الحل في منع “أوبر” و”كريم”؟
قرار البرلمان يشير إلى أنَّ النظام المصرية لا يعنيه التقدم الاقتصادي أو راحة المواطنين على أي حال، بل ما يهمه في المقام الأول هو الاستقرار السياسي، بحسب ما علق خبراء حول قرار وقف “أوبر” و”كريم”.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، إذا كانت الدولة تخشى على الأمن القومي، وجادة في تقديم خدمة متميزة، للمصريين، فلماذا لم تقم بإنشاء شركة محلية واحدة فقط لها تدمج فيها كل سائقي التاكسي المصريين وتستثمر في تدريبهم و تقدم خدمة متميزة بأسعار تنافسيه؟
الردّ على السؤال، يجعلنا نذهب للسبب الثاني وراء الضغط على شركتي “أوبر” و”كريم”، هو أنَّ النظام المصري يسعى لتهيئة الرأي العام لفتح الباب أمام الجيش للدخول في “سبوبة” جديدة، بحسب ما توقع مراقبون للشأن المصري.
وخاصةً أن الجيش المصري بدأ يهيمن على الاقتصاد، وارتفعت حصته منذ تولي “السيسي” الرئاسة بعد الانقلاب العسكري على الرئيس “مرسي”، فضلًا عن دخوله في مجالات اقتصادية كثيرة مثل “استيراد ألبان الأطفال وإنتاج الأدوية والسيطرة على شركات إعلامية وقنوات فضائية”.
فقد ربط خبراء بين قرار وقف “أوبر” و”كريم”، وسماح مصر لمواطنيها باستيراد سيارات الركوب المستعملة التي تعمل بمحرك كهربائي (السيارات الكهربائية) عدا الموتوسيكلات، بشرط ألا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات بخلاف سنة الإنتاج، حتى تاريخ الشحن أو التملك، والتي يمكن أن يستغلها الجيش من الخلف بأن يدعم أحد رجال الأعمال الموالين للنظام في عمل تطبيق مماثل للسيطرة على سوق العمل بدل من الشركات الأجنبية، مقابل الحصول على نسبة.
ولِمَ لا؟ فالجيش المصري هو الوحيد الذي يملك حق إنشاء محطات الشحن بالتعاون مع شركة “ريفولتا مصر”، من خلال الشركة الوطنية التابعة للقوات المسلحة.
قتل البديل الأفضل
وبعيد عن ما يحاك في الكواليس ضد “أوبر” و”كريم”، فإن المواطن المصري هو المتضرر الأكبر، حيث تشير دراسة أجرتها شركة أوبر على سائقيها في مصر، إلى أن نسبة 50% من السائقين يعملون بشكل جزئى أى أنهم يعملون كمهنة إضافية لتحسين الدخل، ونسبة 40% من السائقين كانت تبحث عن عمل قبل الالتحاق بـ”أوبر”، ونسبة 70% من السائقين على منصة التطبيق بين سن 18 إلى 35، أى أن الشركة وفّرت فرص عمل لعددٍ كبيرٍ من الشباب، وأن نسبة 22% كان يعمل بقطاع السياحة نتيجة الصعوبات التي لحقت بهذا القطاع بعد أحداث ثورة يناير.
أما شركة “كريم”، فيتجاوز عدد الكباتن نحو 50 ألف كابتن، وبلغت نسبة الكباتن العاملين فى وظائف أخرى 55% من إجمالى عدد الكباتن، بينما 29% من الكباتن ليس لديهم وظيفة أخرى ويعتمدون بشكل أساسى على الشركة كمصدر دخل أساسي.
اضف تعليقا