العدسة – معتز أشرف
قبيل إعلان نتائج انتخابات الرئاسة المصرية المعروفة سلفًا، وفق أغلب المراقبين، أصدر مرصد حقوقي بارز يعمل في مجال الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام، تقريرًا مطولًا وثق فيه انتهاكات تمس مصداقية عملية الانتخابات ونزاهة مناخها، والقمع المتواصل ضد الصحفيين من الديكتاتور المقترب من ولاية جديدة، لتضيع فرحة كان ينتظرها ويعد لها بعدما أخذها غراب انتهاكاته المستمرة، وهو ما نستعرضه:
قمع مبكر!
بحسب تقرير المرصد العربي لحرية الإعلام، ومقره لندن، الذي وصل (العدسة)، فإن شهر مارس 2018، امتلأ بسلسلة من الهجمات القمعية بحق حرية الصحافة، تزامنًا مع الانتخابات الرئاسية التي جرت منذ منتصف الشهر في الخارج، ثم تلته أيام 26 و27 و28 مارس في الداخل، وما سبق ذلك من تحضيرات منذ مطلع الشهر، ولم تقتصر هذه الموجة القمعية على الصحفيين المصريين فقط، بل طالت المراسلين الأجانب في القاهرة، بسبب تغطيتهم للعملية الانتخابية وما صاحبها من مظاهر نقلها أولئك المراسلون الأجانب، وهو ما أغضب السلطات المصرية من تلك التغطيات الأجنبية، وكذا بعض التغطيات المحلية التي عاقبت أصحابها بالغرامات المغلظة، والإحالة للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة وأمام نقابة الصحفيين.
ورصدت المؤسسة الحقوقية مناخًا قمعيًّا ضد الصحفيين والإعلاميين قبل الانتخابات الرئاسية، في شهري يناير وفبراير 2018، وفي تأكيد للمؤشرات التي أبرزَها المرصد في الشهرين السابقين، فقد جرت الانتخابات الرئاسية في أجواء من التخويف والترهيب للصحفيين، لم تسمح برأي معارض أو مخالف للرأي الرسمي للسلطات المصرية، و شاركت الهيئة الوطنية للانتخابات في منع الصحفيين من تأدية دورهم في متابعة عملهم برفض أو تعطيل إصدار التصاريح لهم، ووفق المعلومات، فقد كان الرأي الأخير للمشاركين في تغطية الانتخابات يعود إلى الجهات الأمنية.
وتطورت مواجهة السلطات المصرية لكل محاولة مستقلة وفق المرصد العربي لرصد الانتهاكات في الانتخابات، والتي كان أبرزها مشاركة مؤسسات الدولة في الحشد لمرشح بعينه، وجاءت جريدة “المصري اليوم”، وموقع “مصر العربية”، وموقع “المنصة”، كضحايا لمزايدات من محسوبين على السلطات، بسبب رصدها الانتهاكات الخاصة بمشاركة أجهزة الدولة في دعم مرشح بعينه، فقد فرض المجلس الأعلى للإعلام غرامة مالية قدرها 150 ألف جنيه مصري على صحيفة “المصري اليوم” مع تحويل رئيس تحريرها ومحرر الخبر الخاص بتدخل الدولة في عمليات الحشد إلى النيابة، وكذلك إلى التحقيق في نقابة الصحفيين، كما فرض المجلس غرامة مالية بحق موقع مصر العربية بسبب ترجمته تقريرًا صحفيًّا أجنبيًّا عن الانتخابات المصرية، في حين حجبت السلطات المصرية موقع “المنصة” بعد كشفه لزيف ما وصف بوفد الكونجرس الأمريكي لمراقبة الانتخابات، كما تم حذف موقع قناة “وطن” التي تبث من خارج مصر، وموقع “تراث الإخوان” أيضًا.
32 انتهاكًا!
وبنهاية شهر مارس -بحسب المرصد- بلغ عدد المحبوسين 92 صحفيًّا وإعلاميًّا ومراسلًا صحفيًّا حرًّا (تعاون مع فضائيات ومؤسسات صحفية مستقلة أو معارضة)، بعد استمرار دوائر الإرهاب غير المختصة قانونًا والمخالفة لصحيح القانون والدستور في العصف بحقوقهم في الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي وتطبيق معايير المحاكمة العادلة بحقهم، ومن ضمنهم حالة الإخفاء القسري المستمرة بحق الصحفي “حسام الوكيل”.
كما شهد شهر مارس 2018، وقوع 32 انتهاكًا، وفق ما أمكن رصده من المرصد، وتصدرت الانتهاكات ما حدث للصحفيين في انتخابات الرئاسة وتنوعت الانتهاكات بين اعتقال وحبس وإخفاء قسري وإهمال طبي وتحقيق ووقف برامج وقيود علي النشر، وجاءت انتهاكات الانتخابات والحبس في المقدمة بـ”9 انتهاكات”، ثم قيود النشر في المرتبة الثانية بـ”6 انتهاكات”، بعدما كانت في تقرير المرصد لشهر فبراير 2018 في المرتبة الرابعة، ثم حلت انتهاكات السجون في المرتبة الثالثة بـ” 5 انتهاكات”، وحل في المرتبة الرابعة المحاكمات المعيبة بـ”3 انتهاكات” .
وفي مجال انتهاكات الانتخابات، أبرز المرصد أنه منذ اليوم الأول للانتخابات الرئاسية المصرية، وعلى مدار أيامها الثلاث، حرصت قوات الأمن على منع وسائل الإعلام من إظهار ضعف الإقبال على اللجان الانتخابية، وفي 26 مارس ألقت قوات الأمن بمحافظة الدقهلية القبض على “أحمد. ر. ال” أثناء قيامه بتصوير لجنة “شبرا سندي” التابعة لمركز “السنبلاوين”، وزعمت قوات الأمن أن المواطن ينتمي لجماعة “الإخوان”، وحررت محضرًا بالواقعة وأحالته للتحقيق.
وانتقد المرصد إقالة “خالد مهنى”، رئيس قطاع الأخبار من منصبه، وتعيين “عمرو الشناوي” بدلًا منه، بسبب ما تواتر عن إذاعة قطاع الأخبار تقريرًا مصورًا عن الانتخابات في منطقة “حلايب” و”شلاتين”، وقيام “مهنى” بسحب الكاميرات من أمام بعض اللجان في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الأسبوع الماضي بالمخالفة لقرارات أمنية، وقيام السلطات المصرية أيضًا بحجب موقع “المنصة”، بسبب تقرير عن الانتخابات، واستنكر المرصد قرار النائب العام التحقيق في البلاغ المقدم من “سمير صبري” المحامي ضد جريدة “المصري اليوم“، بسبب “مانشيت” الجريدة يوم 29 مارس، والذي اعتبره مسيئًا للشعب المصري، بحسب زعمه، وجاء “مانشيت” الجريدة تعليقًا على ما جرى في اليوم الأخير للانتخابات الرئاسية، متهمًا أجهزة الدولة باستخدام عدة وسائل لحشد المواطنين للانتخابات، في أحدث عقوبة على ممارسة الصحافة لدورها في كشف الانتهاكات وانحراف مؤسسات الدولة عن دورها الدستوري وانخراطها في الانتخابات لصالح مرشح بعينه.
وأوضح المرصد أن الانتهاكات لم تتوقف عند منع متابعة الصحفيين الذين تتميز مؤسساتهم بالاستقلال أو المعارضة، ما يجعلها انتخابات بلا مصداقية، حيث تمت متابعتها بعين واحدة هي العين المحسوبة علي النظام الحاكم، ولكن لم يكن ذلك كافيًا لدى البعض، حيث تم منع العديد من الصحفيين الصادر لهم تصاريح من هيئة الانتخابات، كما رصدت المؤسسة الحقوقية حملة واسعة في صحف ومواقع إلكترونية مدعومة من السلطات المصرية؛ منها موقع وصحيفة “اليوم السابع” وموقع “مصرواي”، للتشهير بالمصريين المقاطعين للانتخابات الرئاسية، وبعض القنوات الخاصة والعربية والأجنبية؛ ومنها قنوات “الجزيرة” و”مكلمين” و”وطن” و”الشرق”، وهي الحملة التي رمت بحسب المرصد إلى الترهيب وإسكات جميع الأصوات المعارضة، وقد نجم عنها تأثير سلبي على حرية التعبير واستقلال الصحافة والصحفيين، ووصلت إلى تحريض صحفيين على إصدار بيانات ضد زملائهم، كما حدث في أزمة “المصري اليوم”، وفق المرصد .
ترويع الصحفيين!
قال المرصد في تقريره أن شهر مارس شهد “9 انتهاكات” تتصل بالحبس والاحتجاز، وفق ما أمكن رصده، رغم الإفراج عن 5 صحفيين بعد مدد متفاوتة لم تثبت النيابة ثمة إدانة ضدهم، منها ما جري في 4 مارس، في غرفة المشورة بمعهد أمناء الشرطة، حيث تم حبس الصحفي هشام جعفر 45 يومًا دون سند من القانون، رغم انتهاء الفترة القصوى للحبس الاحتياطي المقررة بعامين في أكتوبر 2017، ومازال “هشام جعفر” مختطفًا بحسب أسرته في سجن العقرب، كما واصلت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، برئاسة المستشار حسن فريد، تجديد حبس المصور الصحفي محمود أبوزيد، الشهير بـ”شوكان”، في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ”فض اعتصام رابعة العدوية”، رغم انتهاء فترة الحبس الاحتياطي المقررة بعامين منذ 3 سنوات، منتقدًا اقتحام قوات الأمن منزل المصور الصحفي “وجدي خالد” واعتقاله واقتياده إلى جهة غير معلومة، رغم ابتعاد المصور عن العمل بالسياسة والاقتصار على الأخبار الفنية فقط، إلا أنه لم يسلم من الاعتقال أكثر من مرة.
ولفت المرصد الانتباه إلى الانتهاكات التي يتعرض لها الكاتب الصحفي “محسن راضي”، وهي الحبس الانفرادي ومنع الأغطية والمراتب عنه في الزنزانة ومصحفه الشخصي، بجانب منع الزيارة منذ عام، بجانب إغلاق “كانتين” السجن أمامه، مع تقديم الطعام “الميري”، بشكل رديء، فضلا عن رفض المجلس القومي لحقوق الإنسان استلام شكوى من أسرة الصحفي “المعتز محمد شمس الدين ودنان”، تحتوي على رصد بما يعانيه من انتهاكات لحقوقه، حيث توجهت الأسرة بشكوى للمجلس؛ تضررًا من الانتهاكات التي يتعرض لها نجلهم بمحبسه بسجن “طرة” شديد الحراسة ٢، غير أن العاملين بالمجلس رفضوا استلام الشكوى، مطالبين إياهم بتقديم طلب عفو رئاسي.
وانتقد المرصد كذلك طلب النيابة العامة إعدام المصور الصحفي محمود أبوزيد، والاستمرار في إصدار قرارات إخلاء سبيل للصحفيين مشروطة بحضور تدابير احترازية في أجواء غير ملائمة بأقسام الشرطة، مع استمرار الأحكام الصادرة ضد الصحفيين بسبب آرائهم واستمرار قيود النشر ومنها: مصادرة السلطات المصرية عدد مجلة “الهلال” مطلع شهر مارس، والذي كان عددًا تذكاريًّا عنوانه: “الرئيس” بسبب تقرير نشر ضمن ملف عن رؤساء مصر، احتوى مادة صحفية عن والدة الرئيس الحالي، ما أدى إلى مصادرة السلطات لكافة أعداد المجلة من السوق.
اضف تعليقا