العدسة _ جلال إدريس

من جديد عمت المظاهرات والاحتجاجات منطقة “الأحواز” العربية في إيران، ضد القمع والتمييز العنصري الذي تمارسه السلطات الإيرانية بحقهم، وتجاهل أدنى حقوقهم المعيشية والخدمية.

وفقًا لمقاطع بثها ناشطون “أحوازيون” على مواقع التواصل، فقد انطلقت -على مدار الأيام الماضية- مظاهرات عديدة واحتجاجات واسعة في الأحواز ضد السلطات الإيرانية، والتي بدورها قابلت الاحتجاجات بقمع شديد، أدى لاعتقال وإصابة عشرات المتظاهرين.

وبين فترة وأخرى، يطلق عرب الأحواز احتجاجات ضد النظام الإيراني، الذي يتهمونه بقمعهم، وبالتضييق الشديد على حقوقهم وحرياتهم الفردية والثقافية، وبالتعامل معهم بعنف.

وتتراوح احتجاجات الأحوازيين بين تظاهرات خاصة يطالبون فيها بوقف أنواع من التمييز التي تستهدفهم بشكل خاص، وبين مسيرات تواكب حراكات الإيرانيين من قوميات ومناطق مختلفة، وبين اعتراضات على ما يعتبرونه “عنصرية رسمية ضد العرب”، مثل إساءات القنوات الرسمية لهم، أو إنكارها لتاريخهم وحضورهم.

تمييز عنصري

وجاءت الاحتجاجات الأحوازية الأخيرة، تنديدًا ببرنامج تليفزيوني مهين لعرب الأحواز، حيث تجمع الآلاف أمام مبنى هيئة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية في الأحواز، وطالبوا بتقديم اعتذار للشعب العربي الأحوازي.

وتحديدًا، فقد اندلعت الاحتجاجات بسبب برنامج تليفزيوني خاص للأطفال تحت عنوان «كلاه قرمزي»، بثته القناة التليفزيونية الثانية الرسمية، بمناسبة أعياد رأس السنة الإيرانية «النوروز»، تضمن فقرة استعراضية دعائية تتجاهل الوجود العربي بشكل كامل في منطقة الأحواز، ذات الأغلبية السكانية العربية.

ثم تطورت المظاهرات لتشمل رفع شعارات تستنكر الاضطهاد القومي والتمييز العنصري وسياسات التغيير الديمغرافي في الإقليم، ومحاولة السلطات إسكان المهاجرين وإعطاءهم كافة المناصب والسلطات على حساب تهميش العرب، وتحويلهم من أكثرية إلى أقلية في موطنهم.

وفي السياق، ذكرت منظمة حقوق الإنسان الأحوازية، أن دعوات أطلقها ناشطون أحوازيون للاحتجاج في كل من الأحواز والمحمرة وعبادان والفلاحية والخفاجية ومعشور وباقي المدن العربية.

حقيقة قضية الأحواز

“الأحواز” أو “الأهواز”، مثلما يطلق عليها البعض، هي جزء من الأراضي الإيرانية حاليًا، لكن بعض سكانها يرون “أن اتصالها الطبيعي هو مع العراق والجزيرة العربية”.

ويمتد إقليم الأحواز (“خوزستان” بالتسمية الإيرانية الحالية) على مساحة تبلغ نحو 370 ألف كيلومتر، ويفصله عن الدولة الفارسية سلسلة جبال زاجروس شرقًا، ويحده غربًا الخليج العربي، وشمالًا سلسلة جبلية أخرى هي جبال كردستان العراق، التي تفصل الإقليم العربي الأحوازي عن مناطق الأكراد، وتبدأ حدود الإقليم جنوبًا من مضيق هرمز.

ويرى الأحوازيون أنهم امتداد للجغرافيا العربية، لكونها تتصل غربًا بالأراضي العراقية، وجنوبًا تطل على الخليج العربي، كما أن أراضيها تتشابه مع أراضي العراق في التضاريس الطبيعية، والخصائص الطبوغرافية، والمناخ، والمحاصيل الزراعية، والثروات المعدنية، وفي مقدمتها النفط، وحتى مناخ الإقليم أقرب كثيرًا لجارتيه؛ محافظتي البصرة والعمارة العراقيتين، منه بالمحافظات الإيرانية.

وارتبط مصير الأحواز ارتباطًا وثيقًا باكتشاف النفط، وكان بئر النفط الذي حفر في مدينة “مسجد سليمان” عام 1908، أول آبار النفط في منطقة الشرق الأوسط، وتأسست للنفط أول وأضخم مصفاة له في الشرق الأوسط في “عبدان” عام 1913.

ويمثل نفط الأحواز شريان الحياة الأساسي والأهم لإيران؛ إذ يصدر الإقليم قرابة 80% من نفط إيران وغازها الطبيعي.

وبالإضافة لأنهار باطن الأرض، يعد الإقليم أكبر مسطح سهلي خصب في إيران؛ إذ تجري خلاله أنهار كبيرة كنهر كارون، الذي يستخدم أيضًا لعبور السفن القادمة من الموانئ الواقعة على شواطئ الإقليم، وتعد هذه الموانئ أهم موانئ إيران وأكبرها إذا ما قورنت ببقية الموانئ الإيرانية.

السعودية والمتاجرة بقضيتهم

وعلى مدار سنوات عدة، يتاجر حكام آل سعود بقضية “الأحواز” في إطار المناكفة السياسية لإيران، حيث يدعي حكام السعودية دائما أنهم يناصرون العرب الأحواز في صراعهم مع السلطات الإيرانية دون أن يقدموا لهم أية مساعدات حقيقة على أرض الواقع.

ويشتكي الأحوازيون التجاهل التام لهم عربيًّا، وتجاهل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي لقضيتهم، رغم كونهم يرون في أنفسهم امتدادًا عربيًّا قويًّا داخل الدولة الفارسية.

لكن، ووفقًا لمراقبين، يبدو أن السلطات السعودية، تحت راية “بن سلمان”، قررت مؤخرًا الدخول على خط قضية الأحواز، واللعب بورقتهم في إطار الصراع السياسي القائم حاليًا بين إيران والسعودية.

وفي هذا الإطار، أوعزت “السعودية” إلى إعلامها كبداية مكثّفة أقلّها الحديث عن المظاهرات الشعبية التي وصلت إلى مبنى محافظة الأحواز، كما استعرض إعلامها المحلي والخارجي صورًا لما قيل إنها للمتظاهرين الذين تعرضوا للعنف من قبل الشرطة الإيرانية التي لا تريد السماع لمطالب المُظاهرات السلمية.

ووفقا لمراقبين، فمن الممكن أن تكون قضية الأحواز هي القضية الأساسية التي ستبدأ السعودية اللعب عليها لتفجير الوضع الداخلي الإيراني، وتعميم موجة الاحتجاجات الشعبية الغاضبة في إيران، سواء بين الأحوازيين أو بين الإيرانيين أنفسهم، وذلك لإرباك النظام الإيراني الحالي.

في المقابل، لا يستطيع أحد أن يأمن عواقب الرد الإيراني، والذي يمكن أن يستغل النفوذ الشيعي في القطيف والمنطقة الشرقية والبحرين، وإشعال ثورة أو موجة تظاهرات تربك حسابات “بن سلمان”، الذي يعاني وبقوة من الجبهة الجنوبية المشتعلة بسبب الحرب التي يقودها على الحوثيين في اليمن.

ورقة الأقليات العرقية

وتقوم إيران على عدد من الأقليات العرقية التي تشكل نصف سكانها فيما يمثل العنصر الفارسي النصف الآخر، غير أن الأخير يسيطر على القرار السياسي والثروات الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي يخلق لدى أغلب هذه القوميات حالة من الحنق والاستياء تدفع بعضها إلى التمرد وتشكيل تنظيمات وجماعات مسلحة ترفع بعض المطالب.

لا توجد إحصاءات دقيقة حول العرقيات في إيران، غير أن جميع العرقيات باستثناء الفرس الموجودين في قلب إيران، تمثل قوميات لها امتداد خارجي وتنتشر في المناطق الحدودية.

فينتشر الأكراد -ومعظمهم سنّة- في الشمال الغربي من إيران ولهم امتداد في تركيا والعراق وسوريا وما زال يراودهم حلم الاستقلال، وهم يشكون من إجبارهم على تعليم الفارسية والتخلي عن لغتهم القومية وعدم تعيينهم في المناصب الحكومية.

وينتشر البلوش في المناطق الحدودية مع باكستان وأفغانستان وهم سنّة ونسب التعليم في أوساطهم متدنية للغاية ويشعرون بالاضطهاد، بسبب ما يرون أنه محاولة لتذويب هويتهم وحرمانهم من ثقافتهم واستخدام لغتهم الخاصة.

هذا الواقع دفع بكثيرين منهم إلى تبني المقاومة المسلحة التي يقودها حاليًا جيش العدل، ومطالبهم تتلخص في إقامة فيدرالية، ودخلوا في صراع شديد مع النظام الإيراني، وتعرض كثيرون من قادتهم للإعدام والاعتقال.