العدسة _ ربى الطاهر
عادة ما يتم التحذير من الوجبات السريعة؛ لما لها من أضرار معروفة، حيث تشبعها بالدهون والزيوت إضافة لمحتوياتها العالية من البروتينات والسكريات مما يتسبب في زيادة هائلة في الوزن، وبالتالي تعرض الإنسان لأمراض متعددة متعلقة بالسمنة كأمراض القلب وتصلب الشرايين، وربما السرطان كذلك.
إلا أن ما كشفته دراسة بريطانية حديثة أضاف المزيد إلى تلك الأضرار التي تترتب على هذه الوجبات التي يتم تناولها خارج المنزل؛ فقد أثبتت أن الأكل في هذه المطاعم يعرض من يتناولونه إلى خطر التعرض لمواد كيميائية من شأنها تعطيل عمل الهرمونات؛ حيث تحتوي هذه الوجبات على نسبة عالية من”الفثالات”، وهي مواد كيميائية ضارة موجودة في مئات المنتجات الاستهلاكية، وأكد العلماء ارتفاع مستوى “الفثالات” في أطعمة معينة مثل البرجر والسندويشات، وهى تسبب العديد من المشكلات الصحية المرتبطة بالخصوبة والربو، فضلا عن سرطان الثدي، بالإضافة إلى المشكلات السلوكية والسمنة لدى الأطفال الأكبر سناً والبالغين، كما أنها مسئولة عن الإصابة بالعيوب الخلقية لدى الأطفال الصغار كما يؤدي التعرض لهذه المادة في الرحم، إلى تغيير تطور الجهاز التناسلي الذكري لدى الجنين أيضًا.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه المواد تكون موجودة في أطعمة أو محلات الوجبات السريعة، بما يعنى أن نفس الأطعمة المعدة في المنزل لا تحتوي على نفس النسب المرتفعة من “الفثالات”، وأضافت أن الحوامل والأطفال والمراهقين هم أكثر فئة معرضة للإصابة بأخطار هذه المركبات الكيميائية السامة التي تعطل عمل الهرمونات، والتي قد تسبب مشاكل في الخصوبة.
كما كشف فريق الباحثين القائم على الدراسة أن هذه المواد الكيميائية موجودة في مئات المنتجات الاستهلاكية، ومن ذلك العطور، والشامبوهات، وبخاخات الشعر، وطلاء الأظافر وحتى في المواد البلاستيكية التى تستخدم في تجهيز الأطعمة وتعبئتها، وربط العلماء بين هذه المركبات الكيميائية وبين بعض المشاكل الصحية، بل والمشاكل العصبية أيضا ومشاكل القلب، والأوعية الدموية، وحتى السرطان.
وقالت شيلا ساتيانارايانا، أستاذة طب الأطفال في مستشفى سياتل للأطفال وجامعة واشنطن ورئيسة المجلس السابقة للجنة الاستشارية لحماية صحة الأطفال في وكالة حماية البيئة، ولكنها ليست إحدى أعضاء الفريق البحثي إن الفثالات هى مركب من المواد الكيميائية الاصطناعية واشتهرت باسم اختلال الغدد الصماء، وهذا يعنى بديهيًا أنها تؤثر على عمل الهرمونات في الجسم، والتى يتوقف عليها مهام الجسم الطبيعية مثل التكاثر أو التمثيل الغذائي.
وتبين من الدراسة التي نشرتها مجلة “البيئة الدولية” أن العينة التي خضعت للدراسة وتناولت الأطعمة في المطاعم ومحلات الوجبات السريعة في اليوم الذى سبق خضوعهم للدراسة وصلت الفثالات التى احتوتها أجسادهم إلى نسبة أعلى بـ 35% من هؤلاء الذين لم يتناولوا الأطعمة بتلك المطاعم.
تنتقل عبر العبوات البلاستيكة للأطعمة
أما أمي زوتا، المسئول الرئيسي في الدراسة، والأستاذ المساعد في الصحة البيئية والمهنية بجامعة جورج واشنطن، فقد أوضح أن تلك العينة التي تناولت الطعام بمحلات الوجبات السريعة ربما تعرضت إلى هذه النسب العالية من تلك المركبات الكيميائية من خلال تناولهم للأطعمة التى كانت موجودة في العبوات البلاستيكية، وذلك هو السبب الرئيسي لتعرضهم لتلك المركبات؛ حيث إن الأطعمة المعدة في تلك المطاعم والكافتيريات قد تعبأ في مواد تحتوي على الفثالات جزئياً، فهذه الأطعمة قد يجهز بعض منها في أماكن لا مركزية.
وأضاف زوتا أن أغلب هذه المركبات غير الصحية هي مكونة من مواد بلاستيكية تضاف إليها لتجعلها مرنة ونعمة، كما أنها تضاف كذلك لتغليف الأطعمة كما يمكن أن تتواجد كذلك في قفازات من يعدون الأطعمة.
واستندت تلك الدراسة إلى ما تم جمعه من معلومات وبيانات من المسح الوطني للفحص الصحي والغذائي بين عامي2005 و 2014 والذي يتم إجراؤه كل عامين من قبل المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وقد خضع لتلك الدراسة عينة وصلت إلى 10 آلاف و253 شخصاً، والذين تم استبيان عادتهم في تناول الأطعمة على مدار 24 ساعة قبل الدراسة، ومن ثم قاموا بتحليل عينات من البول لقياس مستوى الفثالات المتواجدة بأجسادهم.
وكشفت التحاليل أن حوالي ثلثي العينة وجد في بولهم نسب عالية من مستقلبات الفثالات، وهم من قالوا إنهم تناولوا الطعام مرة واحدة على الأقل خارج المنزل في اليوم السابق قبل إجراء التحليل.
وتواجدت هذه النسب بشكل ثابت لدى جميع الأعمار، أو الجنس، أو العرق، إلا أنه كان أوضح فيما بين المراهقين الذين تناولوا هذه الأطعمة فقد زادت لديهم نسب الفثالات بـ55% مقارنة بنظائرهم الذين تناولوا الطعام في المنزل.
وأكد زوتا أن التعرض لتلك المركبات الكيميائية مرتبط بتناول الطعام خارج المنزل لدى جميع الأعمار إلا أنه يكون أقوى في المرحلة العمرية الخاصة بالمراهقين، مشيرا أن هناك أطعمة محددة ترتفع فيها نسب تعرضها للفثالات، مثل الأجبان والشطائر الأخرى، ولكن ذلك في حالة تحضيرها خارج المنزل.
الفثالات تؤثر سلباً بمعدلات ذكاء الأطفال
كما قد كشفت دراسة أخرى قام بها باحثون من جامعة كولومبيا في نيويورك أن الأطفال الذين تعرضوا لمستويات عالية لنوعين من الفثالات عندما كانوا أجنة، ظهرت لديهم مستويات الذكاء أقل من المعدل الطبيعي.
وقالت الدراسة التي نشرتها مجلة “بلوس وان” أن هذين النوعين المذكورين هما هما الـ «ديبوتيل» (دي ان بي بي) والـ «ديديسوبوتيل» (دي اي بي بي).
وتعتبر هذه الدراسة هى الأولى التي بحثت عن تأثير التعرض للفثالات لدى الأجنة وارتباطها بمعدل الذكاء لدى هؤلاء الأجنة في مرحلة سن الدراسة، وقد ظهر أن هذه الفثالات تدخل في كثير من المنتجات التي يتم استهلاكها مثل الصابون ومنعمات الغسيل وطلاء الأظافر وبعض أنواع أحمر الشفاه ومثبتات الشعر.
وقد تابع القائمون على هذه الدراسة السلوكيات الاستهلاكية لـ328 امرأة من ذوات الأسر المتواضعة اقتصاديا، وكذلك أطفالهن في نيويورك، وراقبوا من خلال ذلك قياسات أربعة أنواع من الفثالات في تحاليل بولهن على مدار ثلاثة أشهر في آخر الحمل ثم تم إخضاع أطفالهن إلى اختبارات قياسات الذكاء عندما وصلوا إلى سن السابعة وجاءت النتائج موضحة أن النساء اللاتي تعرضن لتركيزات عالية من الفثالات جاءت نتائج قياسات الذكاء لأطفالهن بمعدل أقل بنسبة 6,6 إلى 7,6 نقطة مقارنة بهؤلاء الأطفال اللاتى تعرضت أمهاتهم لتركيزات أقل من هذه الفثالات.
وقد اتبعت الولايات المتحدة سياسة حظر استخدام أنواع كثيرة من الفثالات في تصنيع المنتجات الخاصة بالأطفال سواء كانت اللعب أو سلع أخرى خاصة بهم، ولكن لم تصدر فى هذا الأمر أي توصيات تخص النساء الحوامل، هذا بخلاف أن اللصقات التي تشرح مكونات المنتجات قلما تذكر الفثالات ضمن محتوياتها.
طرق الحماية من الفثالات
للأسف لا توجد طرق محددة لتجنب الفثالات في المنزل، حتى إن النصائح بتجنب المنتجات البلاستيكية ليست دائما مجدية، إلا أن بعض النصائح يمكن اتباعها، خاصة في فترة الحمل مثل التقليل من استخدام مستحضرات التجميل والعطور؛ فقد أوضحت إحدى الدراسات أن 80٪ من مستحضرات التجميل الموجودة بأسواق السويد تحتوي على الفثالات، ولا يتم ذكرها على الملصقات، ومن الملاحظات الهامة هو تجنب مستحضرات التجميل للماء.
يمكن كذلك الابتعاد عن لعب الأطفال التى لا تحمل علامة CE على العبوة.
ويبدو أن مشكلة الفثالات تفرض نفسها على الواقع المعاش وتتطلب تدخلا حاسما للحد من تأثيراتها الضارة التي تصل إلى حد السموم، إلا أن الاعتماد على بعض الخطوات في اختيارات المواد المستخدمة قد يساعد في الحد من هذا التأثير؛ فعدم اللجوء إلى المواد المصنعة من البلاستيك الرخيص قد تكون مجدية إضافة إلى استخدام مواد صديقة للبيئة سواء كانت في مستحضرات التجميل أو المواد الاستهلاكية الأخرى.
اضف تعليقا