العدسة _ منصور عطية

بعد أن كان الحديث المسيطر بشأن سحب القوات الأمريكية في سوريا أو عدمه، أصبح الآن مركزًا على الرد العسكري لواشنطن على الهجوم الكيميائي الذي شنته قوات النظام على بلدة دوما المحاصرة في الغوطة الشرقية.

وبينما يتحدث الإعلام الحكومي السوري عن ضربات أمريكية استهدفت مطارًا عسكريًّا، صباح الاثنين، ينفي البنتاجون الأمر، ليفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول طبيعة المواجهة الحالية واستشراف مستقبل متوتر وسط استعداد تبديه قوى أخرى مثل فرنسا بالاشتراك في توجيه ضربات ضد نظام بشار الأسد وحلفائه.

ضربت أم لا؟

وكالة الأنباء السورية الحكومية قالت إن صواريخ يرجح أنها أمريكية، استهدفت، في الساعات الأولى من صباح الاثنين، مطار التيفور العسكري قرب حمص، وأن الدفاعات الجوية السورية تصدت لها.

وذكرت وسائل إعلام حكومية أن العديد من القتلى والجرحى سقطوا جراء القصف الذي شهد إطلاق 8 صواريخ، ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء، عن التليفزيون الحكومي أن أصوات انفجارات هائلة سمعت بالقرب من المطار.

في المقابل ردت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، بأن واشنطن لم تنفذ أية ضربات جوية في سوريا، لكنها “تواصل متابعة الوضع عن كثب”.

تأتي تلك التطورات في أعقاب التهديد الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للنظام السوري بدفع ثمن باهظ لاستخدام السلاح الكيماوي في الهجوم الذي نفذه على بلدة دوما المحاصرة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، السبت.

ودان “ترامب” الهجوم الكيماوي الذي وصفه بـ”المتهور”، وألقى باللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإيران في دعمهما لبشار الأسد الذي وصفه بـ”الحيوان” في تغريدة على حسابه في “تويتر”.

وأكد أنه لو تجاوز سلفه باراك أوباما ما اعتبره خطوطًا حمراء “لأصبح الحيوان (بشار) الأسد من الماضي”، ولكانت انتهت الكارثة في سوريا.

ولعل ما يعزز من تصديق الرواية السورية، تصريحات أحد كبار مستشاري “ترامب” للأمن الداخلي، والذي قال إن الولايات المتحدة “لا تستبعد شن هجوم صاروخي ردًّا على الهجوم الكيماوي في دوما”، بالتزامن مع اجتماع فريق “ترامب” للأمن القومي، الأحد.

المفارقة، أن الضربة الأمريكية -إن صحت بالفعل- تأتي بعد جدل استمر لعدة أيام بشأن بقاء قوات واشنطن في البلاد من عدمه.

وكالة “رويترز”، نقلت عن مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية، الأسبوع الماضي قوله إن “ترامب” وافق في اجتماع لمجلس الأمن القومي على إبقاء القوات الأمريكية في سوريا لفترة أطول، في أعقاب تصريحات مثيرة، لـ”بن سلمان” أعلن خلالها أنه يدعم “بقاء القوات الأمريكية في سوريا على المدى المتوسط”، موضحًا أن “وجود قوات أمريكية في سوريا، من شأنه الحد من طموحات إيران في توسيع نفوذها”.

تصريحات “بن سلمان” تأتي بعد ساعات من تصريح للرئيس الأمريكي، قال فيه إن قواته البالغ عددها نحو 2000 جندي ستغادر سوريا في وقت قريب، وأضاف أنه يريد الخروج من سوريا، “لكن إذا كانت السعودية تريد بقاء القوات الأمريكية في سوريا فعليها دفع فاتورة بقائها”.

ليست المرة الأولى

الهجوم الأخير من نوعه يأتي بعد عام من تعرض بلدة “خان شيخون” في شمال غرب سوريا إلى هجوم بغاز السارين أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصًا، واتهمت الأمم المتحدة القوات الحكومية بشنه.

ورد “ترامب” آنذاك على الهجوم بعد 3 أيام، حيث أطلقت بوارج حربية أمريكية في البحر المتوسط 59 صاروخًا من طراز “توماهوك” على عدد من الأهداف في مطار الشعيرات بريف حمص الشمالي.

وقال “ترامب” حينها إنه “أمر بضربة عسكرية محددة على القاعدة الجوية التي انطلق منها الهجوم الكيميائي في سوريا”، وأضاف: “الأسد استخدم غاز الأعصاب لقتل الكثيرين، وأدعو كل الأمم المتحضرة إلى السعي لإنهاء المذبحة وإراقة الدماء في سوريا”.

وليس بعيدًا عن ردود الأفعال الأمريكية تجاه هجمات الأسد، أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، قبل شهرين، أنه شن غارة جوية على قوات موالية للنظام السوري، هاجمت وحدات من “قوات سوريا الديمقراطية” شرق نهر الفرات، وذكر مصدر أمريكي مسؤول أن القصف أدى إلى مقتل أكثر من 100 في صفوف القوات الموالية للنظام.

إلا أن هذا التصعيد الأخير فتح الباب أمام تساؤلات بشأن ما يمكن أن تقدم عليه الولايات المتحدة في المستقبل القريب، وسط ترجيحات بأن تشن المزيد من الضربات على أهداف موالية للنظام.

لكن هل تكون تلك الضربات المتوقعة كسابقاتها، أي موجهة ومحدودة، أم يتسع مداها وتتعدد أهدافها على نحو يقوض بالفعل قدرات النظام السوري العسكرية وحلفائه أيضا؟.

البعد الآخر، هو إمكانية أن تشارك دول أخرى مع الولايات المتحدة، ربما خارج إطار التحالف الدولي، في توجيه ضربات جديدة، ولعل هذا ما أفصح عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في اتصال هاتفي بنظيره الأمريكي، عندما تعهدا “برد فعل قوي ومشترك”، على الهجوم الكيميائي.

مواجهة مرتقبة

بلا شك، فإن الحديث عن ضربات أمريكية في العمق السوري يعني مواجهة مع القوات الروسية المتحالفة مع نظام بشار الأسد، الأمر الذي يقود إلى تساؤل آخر: هل تكون تلك الضربات مقدمة لمواجهة عسكرية مباشرة بين القوتين، أم يبقى الوضع كما هو عليه؟.

ولعل عدم التصعيد العسكري المباشر بين البلدين، رغم استمرار الصراع في سوريا طيلة السنوات الماضية، يشير إلى رغبة الطرفين في الوصول لحل سلمي لكن على قاعدة النفوذ والسيطرة، وامتلاك أكثر أوراق اللعب التي تمكن كل منهما من فرض رؤيته.

ويظل الحديث عن سحب القوات الأمريكية من سوريا شديد التأثير بالسلب أو الإيجاب على هذه الرؤية، مع استعداد السعودية لأي دفع المزيد من الأموال في سبيل بقائها.

نُذُرُ المواجهة المباشرة ازدادت حدتها في فبراير الماضي، عندما دمرت طائرة عسكرية أمريكية مُسَيَّرة دبابة روسية الصنع من طراز “تي 72″، في دير الزور (شرقي سوريا)، بعد أسبوع من إحباط الولايات المتحدة هجومًا لقوت موالية للأسد، وقيل حينها إن القتلى المائة كان أغلبهم مجندين روسيين.