العدسة _ جلال إدريس

على ما يبدو أن “قضية قطر” أكبر بكثير مما يتخيله أحد، في عقول دول الحصار، وبالأخص في عقول قادة “السعودية والإمارات”، حيث لا تتوقف الدولتان عن التفكير في كيفية إحكام الحصار على قطر والتضييق عليها بشتى السبل والطرق.

“مشروع قناة سلوى” هو أحدث صيحات دول الحصار لإحكام التضييق على قطر، والذي ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عنه خلال اليومين الماضيين، بعد أن نشرت الصحف السعودية خبرًا عن خطة مشروع شق قناة بحرية على طول الحدود مع قطر؛ بهدف قطع صلاتها البرية وعزلها عن محيطها الخليجي، وتحويلها إلى جزيرة في مياه البحر، بدلا من كونها شبه جزيرة.

إذن فالهدف من المشروع جلي وواضح، وهو “وضع قطر تحت ضغوط إضافية لإجبارها على الرضوخ للمطالب الثلاثة عشر، والتي تحولت إلى جزء من التاريخ، وإعادة إدخال قطر تحت العباءة السعودية والإماراتية، وهو ما نجحت قطر في التصدي له ومواجهته على مدار الأشهر الماضية.

لكن ومع زيادة الإحكام في الحصار على قطر، هل تواصل قطر صمودها أمام دول الحصار؟ وكيف ستتعامل مع هذا المشروع الجديد؟ وهل القناة لها فائدة اقتصادية كما ادعت السعودية؟ وما هو موقف الإمارات من تلك الخطة الجديدة؟.

تفاصيل المشروع

تفاصيل المشروع بدأت في الظهور للعلن حينما نشرت صحيفة “سبق” الإلكترونية السعودية، خبرًا تحت عنوان “مشروع ضخم لقناة بحرية على طول الحدود السعودية القطرية يحيل قطر إلى جزيرة”، بحسب وصفها، وقالت إنها اطلعت على مشروع القناة المزمع حفرها على طول الحدود البرية السعودية القطرية، بتنفيذ تحالف استثماري سعودي يضم تسع شركات.

وأضافت أن المشروع في انتظار الموافقة الرسمية عليه والترخيص له، ليبدأ انطلاقًا من منطقة سلوى إلى خور العديد، بقناة عرضها 200 متر وعمقها 15-20 مترًا، وطولها 60 كم داخل الأراضي السعودية، وعلى بعد كيلومتر واحد عن الحدود الرسمية بين البلدين.

وأوضحت أنه من المقرر”تمويل مشروع القناة بالكامل من جهات سعودية وإماراتية استثمارية من القطاع الخاص، على أن تكون السيادة سعودية بالكامل، فيما ستتولى شركات مصرية رائدة في مجال الحفر مهام شق القناة المائية، وذلك رغبة من التحالف الاستثماري المنفذ للمشروع في الاستفادة من الخبرات المصرية في حفر قناة السويس”.

وبحسب مصادر “سبق”، ينص المشروع على إنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جزء من الكيلومتر الفاصل بين الحدود القطرية وقناة سلوى البحرية، بينما سيتم تحويل الجزء المتبقي إلى مدافن نفايات للمفاعل النووي السعودي الذي “تخطط السعودية لإنشائه، وفق أفضل الممارسات والاشتراطات البيئية العالمية”، وسيكون محيط المفاعل النووي الإماراتي ومدفنه في أقصى نقطة على الحدود الإماراتية القريبة من قطر.

إهدار لأموال السعوديين

على الصعيد الآخر رأى اقتصاديون ونشطاء، أن المشروع السعودي الجديد لا يمكن وصفه سوى بأنه “إهدار ضخم لأموال السعوديين”، حيث من المفترض أن تبلغ تكلفة القناة، وفقا لصحف سعودية، بـ 2.8 مليار ريال سعودي، بينما يؤكد اقتصاديون ومراقبون أن تكلفتها الفعلية ستزيد عن 20 مليار ريال.

ويرى مراقبون أن القناة ستكون إهدارًا لأموال السعوديين، التي بات ولي العهد “محمد بن سلمان” يوزعها كيفما شاء، حيث ينفق المليارات تارة على الرئيس الأمريكي “ترامب” وإدارته، وتارة ينفق المليارات على دعم أنظمة انقلابية عربية، وتارة ينفقها على حرب اليمن التي لم يحقق فيها أي أنجاز يذكر.

وفي هذا الاتجاه فإن المراقبين يؤكدون أن “قناة” سلوى إهدار جديد لأموال السعوديون، ولن يكون لها فائدة على المستوى الاقتصادي والإستراتيجي، فيما يرى آخرون أنها بمثابة شغل للمواطن السعودي عن مشاكله الخدمية والمعيشيّة، والذي أصبح يعيش ظروفًا قاسية في عهد “بن سلمان”، جراء فرض ضرائب جديدة، ورفع الدعم عن المحروقات، ورفع أغلب البدلات والحوافز في رواتب المواطنين.

وراء الخبراء، أن الترويج للمشروع يأتي بهدف “حرف أنظار الشعب السعودي عن المليارات التي يتم نهبها صباح مساء من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتجفيف منابع الخزينة السعودية بحجج شتى في ظل تدني الرواتب وضياع الثروات الأخرى”.

لا جدوى اقتصادية منه

مراقبون وخبراء يرون أن تلك القناة ليست لها أية فائدة إستراتيجية، أو اقتصادية، لكن الهدف منها وفقط هو التنكيل بقطر، وزيادة فرض الحصار عليها.

المثير في الأمر أن انتقاد القناة والسخرية منها وصل إلى أحد أبواق الحصار وتحديدًا الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، الذي قال في تغريدة له: إن “المشروع استثماري وسياحي من وحي خيال شاطح”، واصفًا إياه بأنه “ليس له أي بعد إستراتيجي، ولا يستحق أن يُنفق عليه دولار واحد”.

فيما قلل تقرير مجلة فوربس الأمريكية من أهمية قناة سلوى البحرية، وقالت إن قطر صمدت بوجه عاصفة الحصار، وخاب مسعى الدول الأربع التي قررت محاصرتها لدفعها إلى الاستسلام، واصفة مشروع قناة “سلوى” المائية بين الدوحة والرياض الذي أعلنت عنه مصادر في السعودية بأنه “غير منطقي”.

وأوضحت المجلة الأمريكية أن القناة المائية التي أُعلن أنها ستقوم على مبدأ تطوير منتجعات سياحية على طول المجرى المائي الجديد، ومخطط لخمسة فنادق، وبناء موانئ وإنشاء منطقة تجارة حرة، وهو ما يطرح سؤالًا مهمًّا: “كم ستكون نسبة الطلب على هذه المرافق السياحية والتجارية؟”.

المجلة تابعت في تقريرها: “المنطقة مأهولة بالسكان وبعيدة عن أية مراكز صناعية رئيسية، وعلى فرض أن الحدود مع قطر ستبقى مغلقة، فإن ذلك سيعني استمرار إغلاق أحد الأسواق الرئيسية المستهدفة لأي نشاط تجاري أو سياحي، كما أنه من غير المنطقي نقل حركة مرور السفن من الشمال أو الجنوب، وتحويل مسارها إلى قناة مائية ضيقة وبعيدًا عن الخليج نفسه”.

وتقول المجلة أن الدول الأربع كانت تأمل استسلامًا قطريًّا سريعًا والإذعان للمطالب، إلا أن أملها خاب، فقد تمكنت قطر من مواجهة العاصفة، كما نجحت في تطوير علاقاتها التجارية مع دول أخرى مثل الأردن وإيران وتركيا، وقد أدى نجاحها في ذلك إلى اعتراف صندوق النقد الدولي بأن التأثير الاقتصادي والمالي المباشر للحصار المفروض على قطر “يتلاشى”.

الإمارات سعيدة بالمشروع

وفيما بدا أنها سعادة طاغية من قبل دولة الإمارات بالمشروع، رحب وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، بالمشروع؛ كونه “يعزل قطر جغرافيًّا”، بحسب قوله.

“قرقاقش” تابع حديثه قائلا: “بغض النظر حول ما سيؤول إليه موضوع قناة سلوى، وكيف سيتطور، فمشروع القناة دليل فشل قطر في إدارة أزمتها وحلها، والتركيز على استعداء الدول الأربع، والهروب إلى الأمام، عقد موقف الدوحة، وآن الأوان للتراجع، والرجوع إلى العقل”.

وأضاف: “لتعُدْ قطر إلى جذور الأزمة، سنوات التآمر والغدر والطعن في الظهر، لا يمكن مسحها بجرة قلم، والآن وقد غدت الخيارات واضحة في جديتها، آن الأوان لتترك الدوحة ارتباكها، وأن تقرأ بتمعن مبادئ الحل، ومطالب الدول الأربع”.

وأوضح الوزير الإماراتي أن “خسائر أزمة الدوحة المعنوية والمادية والسيادية، ستبدو متواضعة أمام عزلة جغرافية حقيقية، والكبرياء لا يليق بمن مارس الغدر في العلاقة، وحتى في هذا المنعطف ندعو الدوحة لتغليب العقل والحكمة”.

واختتم “قرقاش” تعليقه قائلا: “صمت الدوحة تجاه ما صدر عن مشروع القناة دليل خوف وارتباك، والحل ليس في مزايدة ومكابرة لا تتحملهما قطر، بل بحسن التدبير، والتحلي بالعقل، والحكمة، ومراجعة سياسة كارثية عزلت قطر، وجعلتها في موقف لا تحسد عليه”.

ووفقا للصحف السعودية، فإن الإمارات ستكون ممولة للمشروع على أن تكون السيادة الكاملة للسعودية.

هل تلجأ قطر للقانون الدولي؟

وبرغم تأكيد سياسيين ومراقبين أن مشروع “القناة” -إن تم بالفعل- لن يزيد في حصار قطر، حيث إنها تحولت بالفعل إلى جزيرة منذ الخامس من يونيو 2017، بعد إعلان الحصار من قبل السعودية والإمارات والبحرين، ولن يزيد هذا المشروع من الحصار المفروض عليها، إلا أنهم أكدوا في الوقت ذاته إمكانية لجوء قطر للتحكيم الدولي ضد تلك القناة.

واعتبر الخبراء أن مشروع القناة -إن تم اعتماده بالفعل- بمثابة “جريمة” في عرف القانون الدولي، إذ إن قطر “ليس لها منفذ بري مع العالم إلا عبر الأراضي السعودية، ومن حقها رفع دعوى دولية ضد خطوة ستلحق الضرر بها”.

ووفقًا لتصريحاته لموقع “عربي 21″، قال المحلل السياسي القطري الدكتور علي الهيل، إن قطر قدمت شكاوى دولية لدى المنظمات المختصة، لكن حتى الآن لم يتم إعلان ذلك بشكل رسمي من قبل الحكومة.

لكنه في الوقت ذاته قال: إن “المشروع مازال في طور المقترح، رغم الترويج له، ولم يحصل على موافقة الجهات الرسمية الداخلية والخارجية السعودية، بحسب مصادر في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي”.

بدوره قال أستاذ العلاقات الدولية الدكتور حسين حيدر، إن المبدأ العام في العلاقات الدولية وجود توجه نحو التآلف وإقامة مشاريع تسهل تنقلات الناس ومصالحهم.

وتابع “حيدر”: “لكن حين تقف خلف المشاريع غايات عسكرية أو حربية تصبح عملًا عدائيًّا تؤدي لفصل الناس والقطع الجغرافية عن بعضها البعض”.

وأضاف: “العالم اليوم أصبح قرية صغيرة من ناحية الاتصالات والمواصلات، لكن في المقابل، المشاريع التي تأخذ طابعًا تفريقيًّا في القانون الدولي مجرمة، ويحق للدولة المتضررة رفع شكوى واللجوء للمحاكم الدولية لمنع أي ضرر يمكن أن يلحق بها”.