العدسة – معتز أشرف
في تقدير موقف إستراتيجي لمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنطي في واشنطن، حول الأبعاد المحتملة لإمكانية سحب القوات الأمريكية من سوريا في الوقت القريب، دق ناقوس الخطر من استفادة أطراف مناهضة لاستقرار سوريا ونجاح ثورتها لهذا القرار في إبقاء الأمور على ما هي عليه بجانب عودة تنظيم “داعش” للانتقام، في ظل غياب أي أفق لمساندة المناطق المحررة من إرهاب النظام السوري الدموي، بجانب بقاء ورقة النفط كأداة يحرص الجميع على الاستفادة منها بأي شكل لتعويض نفقاته في الصراع!.
قلق واسع!
تقدير الموقف الذي وصل (العدسة)، يرصد عدم رضا للعديد من الأطراف على الساحتين السورية والأمريكية، التي ترى في انسحاب واشنطن من سوريا فرصة لتوسع النفوذ الإيراني، الممتد أساسًا على مساحات واسعة جدًّا في المنطقة، من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، مشيرًا إلى أن قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتجميد أكثر من 200 مليون دولار من أموال الدعم المقدمة لإعادة الاستقرار والبناء في سوريا، في سياق قيام الإدارة الأمريكية بإعادة تقييم دورها في عدد من الصراعات الممتدة حول العالم، يكشف إمكانية سحب القوات الأمريكية من سوريا في الوقت القريب، خاصة بعد أن قال “ترامب” أن الولايات المتحدة يمكن أن تخرج من سوريا.
وأوضح المركز البحثي البارز الذي يتولاه السفير فريدريك هوف، الذي عمل كمستشار سياسي لعملية الانتقال في سوريا مع وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، أنه في حال انسحاب الولايات المتحدة من سوريا ووقف دعمها، فإن القوات الكردية في شمال شرق سوريا، والتي تشكل الحليف الأساسي للقوات الأمريكية في سوريا، ستنزع للاتجاه نحو نظام الأسد، كما كان الحال في تحالفها مع مليشيات الأسد في معركة عفرين الأخيرة ضد تركيا وفصائل درع الفرات، والسماح لمليشيات الدفاع الوطني التابعة للأسد بالدخول إليها، الأمر الذي يفتح المجال لانتقال المليشيات المدعومة إيرانيًّا للسيطرة على شمال شرق سوريا، ما يجعل الطريق مفتوحًا أمامها باتجاه تشكيل “الهلال الشيعي”، الممتد من إيران مرورًا بالعراق إلى شمال شرق سوريا، فحلب وحمص، انتهاء بميناء اللاذقية على البحر المتوسط.
وخلص تقدير الموقف إلى أن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ووقف الدعم المقدم لاستقرار المناطق الخارجة عن سيطرة تنظيم “داعش”، إنما هو هدية ثمينة على طبق من ذهب يقدمها “ترامب” لصالح روسيا وإيران وتنظيم “داعش” ولنظام الأسد، في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب السوري والمنطقة لسياسة واضحة طويلة الأمد، تضمن حلًّا سياسيًّا ينتهي برحيل الأسد، ومنع ظهور التنظيمات الراديكالية مرة أخرى في بؤرة الصراع المحتدم في سوريا.
سباق النفط!
التقدير أشار إلى نقطة مهمة في ملف الصراع المحتدم بلا أفق واضح وسط مجازر متتالية، حيث أكد أنه مع احتدام الصراع ضد تنظيم “داعش” في محافظة دير الزور، اندلع سباق للسيطرة على حقول النفط بين الولايات المتحدة الأمريكية ووكلائها من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة، وبين روسيا ومليشيات النظام من جهة أخرى، حيث يشكل النفط إحدى أوراق الضغط الرابحة في المفاوضات على مستقبل الحل السياسي في سوريا، وتسيطر قوات (قسد) على قرابة 80٪ من حقول النفط السورية، وهى ورقة الضغط الأخيرة التي تتحكم بها الولايات المتحدة الأمريكية، في سبيل تقاسم المغانم على الساحة السورية مع الأطراف الأخرى، خاصة روسيا، مؤكدًا أن للنفط أهمية كبيرة في عقود إعادة الإعمار، كما أن للرئيس الروسي بوتين مطامع في الاستثمار في النفط السوري، ليكون الفاتورة التي ستعوض بلاده عن إنفاقها العسكري في سوريا، وهو الأمر الذي قد يدفع روسيا لإقامة قواعدها العسكرية قرب حقول النفط في شرق سوريا لحماية استثمارات شركاتها.
وأضاف أن سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كانت غير فعالة في إدارة الصراع الدائر في الشرق الأوسط بصفة عامة، وفي سوريا بصفة خاصة، ولكن تبقى سياسة “ترامب” المعتمدة على الخطط قصيرة الأمد، وغياب إستراتيجية واضحة هي الأسوأ على الإطلاق، حيث تعتمد هذه السياسة بالأساس على الضغط على الدول المؤثرة في الصراع السوري، مثل تركيا وألمانيا وفرنسا والسعودية، لزيادة دعمهم للاستقرار في سوريا، عن طريق التلويح بالعصا، بالسماح بالتمدد الإيراني في مناطق غرب الفرات، وعدم القدرة على كبح جماح المارد الروسي، والذي يمتلك السيطرة الأكبر على الساحة السورية، بينما تظل مصلحة الشعب السوري غائبة، وعدم تقديم أي دعم لفصائل الجيش الحر، أو حتى إيجاد قاعدة لعيش مشترك بين العرب والأكراد في الشمال السوري.
خطر “داعش”
وأوضح المركز أنه في سياق هذا السباق للسيطرة على النقط وفشل سياسة “ترامب”، لم ينتهِ وجود تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا بعد، حيث خسر التنظيم مساحات واسعة من مناطق سيطرته بعد المعارك التي خاضتها ضده قوات (قسد) المدعومة من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وصارت تقتصر مناطق نفوذه على بعض المناطق في ريف دير الزور، ووجود بعض فلول التنظيم في منطقة البادية السورية، إلا أن تنظيم “داعش” لا يزال يشكل خطرًا حقيقيًّا على الاستقرار في المنطقة، بحسب تصريح محمد الصالح الناطق باسم “الرقة تذبح بصمت”، حيث قال: “لا يزال تنظيم “داعش” يمتلك القدرة على شن هجمات دموية وإمكانية إعادة توسعه في عدد من المناطق السورية، حال تهاون القوات المهاجمة له أو انسحابها، بالرغم من خسارته لقدراته القتالية بشكل كبير”.
وتوقع المركز عودة انتقامية لـ”داعش” في حال إمكانية ذلك، مؤكدًا أن خطر عودة التنظيم سيتضاعف في حال انسحاب القوات التي تقاتل ضده من المعركة قبل نهايتها، ما سيتفتح الطريق أمام عودة نسخة جديدة أكثر دموية من هذا التنظيم الإرهابي، فقد كان لانشغال الأطراف المختلفة التي تقاتل التنظيم بأزمات أخرى، دور في إعطاء الوقت له لتجميع قواه الخائرة مرة أخرى والعودة للقتال.
وأوضح أن عودة تنظيم “داعش” مرة أخرى محتملة بسبب خبرته العسكرية، فقد كان قادة “داعش” يعلمون مسبقًا أنهم سيفقدون الموصل والرقة على المدى البعيد، ونجحوا في إخفاء خليفتهم أبو بكر البغدادي بعيدًا عن الموصل، ومن المرجح أيضًا أن التنظيم قد دبر أمر الحفاظ على قادته ذوي الخبرة بأمان في مخابئ آمنة في صحاري العراق وبادية سورية، كما أن التنظيم أعد مخابئ للأسلحة في الصحراء، وهذا ما مكنه سابقًا من البقاء على قيد الحياة، متحولًا من مسمى “مجلس شورى المجاهدين” إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وذلك بعد الهزيمة بين عامي 2007 و2011، والظهور مرة أخرى عندما أصبحت الظروف مناسبة، ويبدو أن تنظيم “داعش” اليوم يأمل في أن يستعيد قوته مرة أخرى بنفس الطريقة، مؤكدًا أنه إذا كان من غير المرجح أن يعود تنظيم “داعش” مرة أخرى بنفس قوته السابقة -بسبب الضربات القوية التي تعرض لها من جانب القوات التي تحاربه في سوريا والعراق- إلا أن التنظيم يستطيع أن يثير الفتنة الطائفية والكراهية في المناطق التي كان يسيطر عليها.
اضف تعليقا