العدسة – معتز أشرف
لم يكتفِ الديكتاتور المصري عبدالفتاح السيسي بفشله الاقتصادي الذريع في الفترة الأولى، وانطلق مع بدء فترته الثانية في إضافة أعباء جديدة على المصريين بشكل يضر بالحاضر والمستقبل وفق مراقبين، حيث بدأ في بيع سندات دولية بقيمة 2 مليار يورو في ظل ديون خارجية تتحرك بطريقة جنونية لأعلى، بلغت ضعف الديون المتراكمة على الدولة المصرية طيلة الخمسين عامًا الأخيرة، وهو ما نرصده.
استدانة مبكرة!
بعد أيام من تجديد ولاية الرئيس المصري المتهم بانتهاكات كبرى لحقوق الإنسان عبدالفتاح السيسي، أعلنت الحكومة المصرية عن بيعها سندات دولية بقيمة 2 مليار يورو (2.46 مليار دولار) على شريحتين 8 سنوات، و12 سنة، بفائدة 4.75% و5.62% على التوالي، وقالت وزارة المالية المصرية إن طلبات الشراء تخطت 7.5 مليار يورو، خاصة أن هذا الطرح هو الأول من نوعه، حيث اعتادت البلاد خلال السنوات الماضية طرح سندات دولية مقومة بالدولار، فيما زعم وزير المالية المصري عمرو الجارحي، أن هذا يعكس زيادة درجة ثقة المؤسسات المالية العالمية في قدرة وإمكانيات الاقتصاد المصري موضحًا أن حصيلة السندات المقومة باليورو ستوجه للبنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي الأجنبي، أما المقابل النقدي بالجنيه المصري فسيوجه لتمويل أنشطة الموازنة العامة.
ومنتصف فبراير الماضي، باعت مصر سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار، موزعة على ثلاث شرائح بآجال مختلفة، وتلقت طلبات شراء تخطت 12 مليار دولار، ليرتفع الدين الخارجي لمصر بحسب الأرقام الرسمية إلى 80.8 مليار دولار، ليعادل 36.2% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية سبتمبر 2017، مقابل 60.15 مليار دولار في نفس الفترة من 2016، وخلال العام 2017 اقترضت مصر 18.8 مليار دولار، كما سددت 30 مليار دولار، تتوزع بين ديون خارجية ومستحقات شركات البترول الأجنبية، بجانب التزاماتٍ ومصروفاتٍ لجهات حكومية.
ديون متزايدة
في المقابل، قدرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، حجم الدين الخارجي لمصر بنحو 100 مليار دولار في نهاية 2017، على عكس أرقام الحكومة المصرية، ووفقا لتقديرات فيتش، فإن حجم الدين ارتفع بشكل حاد في نهاية العام الماضي ليصل إلى 44% من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما سجل 23% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2016، وهو ما أدى إلى إبقاء الوكالة تصنيف مصر الائتماني عند “B”، رغم رفعها نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية.
وقالت الوكالة إن الاضطرابات السياسية والأمنية، كانت سببًا أيضًا في عدم تغييرها للتصنيف الائتماني فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة، وبحسب آخر بيانات للبنك المركزي فإن حجم الدين الخارجي لمصر وصل إلى 79 مليار دولار في نهاية يونيو 2017، مقابل نحو 73.9 مليار دولار في نهاية مارس 2017، بزيادة أكثر من 5 مليارات دولار ليعادل 36.2% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية سبتمبر 2017، مقابل 60.15 مليار دولار في الفترة نفسها من 2016.
وتوسعت الحكومة، خلال العام الماضي، في الاقتراض من الخارج لسد العجز في الموازنة العامة، وتوفير العملة الصعبة في البلاد التي كانت تعاني نقصًا حادًّا في الدولار قبل تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، وبحسب التقرير فإن مصر تحتاج إلى مسعى يستمر سنوات لوقف الزيادة في معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي شهدته منذ العام 2011.
وأكد تقرير للبنك المركزي، أن إجمالي أعباء خدمة الدين خلال الربع الأول تبلغ 1.807 مليار دولار، تتضمن نحو 642.5 مليون دولار فوائد مدفوعة، و 1.164 مليار دولار أقساط مسددة، مشيرًا إلى أن نسبة خدمة الدين الخارجي من الحصيلة الجارية تبلغ 10.2% وسنويًّا تبلغ 10.8%؛ وأن نسبة الفوائد المدفوعة للصادرات السلعية والخدمية تبلغ 5.6%؛ وسنويًّا تبلغ 4%، وأن الفوائد المدفوعة على الحصيلة الجارية تبلغ 3.6%، وسنويًّا 2.6%.
وبحسب مذكرة بحثية متخصصة فإن السنوات الخمس الماضية منذ تصدر السيسي المشهد بعد الإطاحة بالدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب، شهدت ارتفاعًا خطيرًا ومطردًا في الديون الخارجية يتطلب الحذر بحسب المختصين، فقد ارتفع من 43 مليار دولار في العام المالي 2011 – 2012 إلى 81 مليار دولار وفق تقديرات الحكومة و100 مليار دولار وفق تقديرات مختصين في الربع الأول من العام المالي 2017 -2018.
أزمة مستقبل!
الضرر ليس يضرب الجيل الحالي، ولكنه يضرب الأجيال القادمة بقوة، وبحسب مراقبين الأزمة تكمن في أن قرار الاقتراض قرار فردي في معظم الأحيان، وانعدمت أية رقابة برلمانية على كيفية توظيف هذه القروض، إذ تم توجيه جزء منها لدعم الاحتياطي النقدي للبلاد، والجزء الآخر ينفق على الأجور والمرتبات واستثمارات البنية التحتية وغيرها (تمويل عجز الموازنة)، ولم يتم توجيه هذه القروض إلى مشروعات إنتاجية توفر عائدات دولارية يمكن من خلالها سداد هذه القروض في المستقبل من ناحية وتوفير فرص عمل منتجة ودائمة من ناحية أخرى، وفي ظل احتضان السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية، وعدم وجود حوار مجتمعي شفاف حول شروط الاقتراض الخارجي، وكيفية توظيف هذه القروض ليكون المواطن في القلب من عملية التنمية، لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نطالب المواطن بسداد نصيبه منها خاصة في ظل عدم بحث النظام الحالي عن بدائل أخرى لتمويل عجز الموازنة بديلًا عن الاستدانة وعدم محاسبة المسؤولين عن هذه الأزمة التي لن يدفع ثمنها الجيل الحالي فحسب، وإنما الأجيال المستقبلية أيضًا، فضلا عن أنه زاد الاعتماد على القروض من الحلفاء السياسيين، خاصة السعودية والإمارات والكويت، ولا أحد يعلم شروط هذه القروض، وفي حال تغير التحالفات والمصالح السياسية ستكون هذه القروض ورقة ضغط على الاقتصاد المصري، فيما كانت القروض في 2010 موزعة على نحو أكثر توازنًا، ليظل هذا الدين عبئا كبيرا على الاقتصاد المصري الذي يعاني أزمة، بسبب خروج بعض الاستثمارات الأجنبية، وتراجع عائدات السياحة وقناة السويس خلال الفترة الماضية، فضلا عن انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج.
فشل السيسي
الأرقام تتحدث عن فشل ذريع للسيسي، حيث شهدت فترة السيسي الأولى، وبالتحديد في مارس 2017، أعلى معدل تضخم في مصر منذ 30 عامًا، ما أدى إلى رفع أسعار الغذاء بنسبة 41%، كما ارتفع معدل التضخم السنوي في مصر إلى مستوى قياسي جديد، عند 31.7%، وهو أكبر ارتفاع منذ نوفمبر 1986، إذ وصل التضخم الحضري آنذاك إلى 30.6%، حسب وكالة “رويترز”، كما اقترض السيسي، خلال ولايته الأولى التي بدأت في يونيو عام 2014، ضعف الديون المتراكمة على الدولة المصرية طيلة الخمسين عامًا الأخيرة، وفق ما أظهرت بيانات رسمية، حيث تجاوز إجمالي الدين العام المحلي والخارجي 4 تريليونات جنيه (226 مليار دولار) نهاية العام المالي الماضي فقط 2016 /2017، فيما كان نصيب السنوات الثلاث للسيسي منها 2.3 تريليون جنيه (129.9 مليار دولار)، حيث تسلم الحكم وكانت ديون مصر تبلغ 1.7 تريليون جنيه، ومن المتوقع وصول الدين العام إلى 4.8 تريليون جنيه، وفق البيانات الخاصة بإصدار أدوات الدين المحلية والخارجية للعام المالي الجاري، الذي ينقضي في نهاية يونيو، وهو الشهر الأخير في الفترة الرئاسية الأولى للسيسي.
وبلغت الديون خلال فترة حكم المجلس العسكري منذ فبراير 2011، حتى منتصف 2012 34.7 مليار دولار، لكن الدين الداخلي زاد إلى 1.23 مليار جنيه، وواصل الصعود في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، إلى 1.7 تريليون جنيه داخليًّا و46 مليار دولار خارجيًّا، لكن الديون المحلية والخارجية منذ وصول السيسي قفزت إلى مستويات وصفها محللون بالجنونية، وغير المسبوقة منذ عقود طويلة، في حين برر الرئيس الحالي السيسي زيادة الديون في كلمة له خلال مؤتمر “حكاية وطن” نهاية يناير الماضي، بدفع رواتب الموظفين التي زادت بعد ثورة يناير 2011، وبينما وصلت الزيادة في ديون مصر خلال عهد السيسي إلى 2.3 تريليون جنيه، تشير بيانات وزارة المالية إلى أن الزيادة التراكمية في قيمة أجور موظفي الدولة بلغت منذ الثورة نحو 144 مليار جنيه، ما يعادل 6.2% من إجمالي الديون التي حصل عليها السيسي، كما جاءت عمليات الاقتراض بطريقة غير مسبوقة.
اضف تعليقا