العدسة _ منصور عطية
لا تخطئ عين متابع، سواء اتفق أو اختلف مع عملية غصن الزيتون التركية في سوريا، أن أنقرة حققت ما أعلنت عنه من أهداف مسبقة خلال أقل من شهرين على انطلاق العملية، ليس هذا فحسب بل عملت على إعادة الحياة إلى طبيعتها تدريجيًا في مدينة عفرين التي تجتذب الآن من فروا منها مسبقًا.
العين ذاتها لن تخطئ أيضًا ما وصلت إليه عملية عاصفة الحزم التي يخوضها التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، فبعد أكثر من 3 سنوات على الحرب لم تعد الشرعية وزادت سيطرة الحوثيين ميدانيًا حتى وصلت صواريخهم الباليستية إلى قلب العاصمة الرياض.
غصن الزيتون في الميزان
في 18 مارس الماضي، أعلنت القوات التركية سيطرتها مع “الجيش السوري الحر” على قلب مدينة عفرين بعد إحكام الحصار عليها، وذلك بعد نحو شهرين من إعلان انطلاق العملية لتحرير المدينة من وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة منظمة إرهابية، وتسارَعَ بعدها سقوط القرى والبلدات الأخرى في قبضة الأتراك، ليعلنوا استمرار المعارك لتحرير مناطق أخرى مثل تل رفعت ومنبج.
سارت العملية في بداياتها ببطء وحذر، فبدأت مرحلتها الأولى بالسيطرة على التلال الاستراتيجية في محيط عفرين وتمّت بحصار الأخيرة من ثلاث جهات أو ما أسمته أنقرة بـ”اكتمال الهلال”، في 25 فبراير، وفي المرحلة الثانية، أحكمت العملية الحصار تمامًا على عفرين بعد السيطرة على بلدتي راجو وجندريس المهمتين تاركة ما أسمته “ممرًّا آمنًا” للمدنيين خرج منه خلال أيام عشرات الآلاف منهم. أما المرحلة الثالثة، فتضمنت السيطرة على عفرين، ولم تستمر أكثر من 24 ساعة بعد حصارها بالكامل، بسبب انسحاب مسلحي “الوحدات” منها.
سعت تركيا من خلال عملية “غصن الزيتون” لتحقيق الأهداف التالية:
-إنهاء سيطرة “وحدات حماية الشعب” على المنطقة.
-مواجهة كافة المنظمات “الإرهابية” مثل “حزب العمال الكردستاني” و”تنظيم الدولة” ، إضافة لـ”وحدات الحماية”.
-تأمين الحدود التركية-السورية.
-منع تسلل المسلحين من عفرين إلى الداخل التركي.
-تأمين عودة بعض اللاجئين والنازحين السوريين إلى المنطقة.
تبدو عملية “غصن الزيتون” وقد حققت أهدافها في مدة زمنية لم تتعد الشهرين، بينما استمرت عملية “درع الفرات” سبعة أشهر دون تحقيق بعض أهدافها المتعلقة بمنطقتي تل رفعت ومطار منج، كما المتعلقة بالمساحة الجغرافية حيث سيطرت على مساحة 2015 كيلومترًا مربعًا من أصل 5000 كان مخططًا لها.
وبشكل مفصل نجحت عملية “غصن الزيتون” في تحقيق النتائج التالية:
-معظم الأهداف التي وُضعت لها، وفي مقدمتها إنهاء سيطرة “وحدات حماية الشعب” على منطقة عفرين.
-سيطرة “الجيش السوري الحر” بدعم تركي على مساحات إضافية في شمال غرب سوريا تتصل مع مناطق “درع الفرات”.
-تحسين موقف تركيا في القضية السورية مع زيادة مساحة نفوذها الميداني.
-تعزيز وضع أنقرة التفاوضي مع واشنطن بخصوص سوريا وتحديدًا ملف دعمها للفصائل الكردية المسلحة.
-تقوية موقف الرئيس التركي و”حزب العدالة والتنمية” مع اقتراب المناسبات الانتخابية المحلية والبرلمانية والرئاسية الحاسمة في 2019.
-تعزيز تركيا لصورتها كدولة حريصة على المدنيين والمدن خلال عمليتها العسكرية.
شرعية الحرب وجانبها الإنساني
وفي مقابل الهجوم الذي تعرضت له تركيا نتيجة شنها العملية من قبيل اتهامها باحتلال أرض عربية، أحاطت أنقرة عمليتها بغطاء قانوني وسياسي، حيث وضعتها في سياق الدفاع المشروع عن النفس ومواجهة المنظمات “الإرهابية”، وفق المادة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن رقم 1624 لعام 2005 و2170 و2178 لعام 2014.
كما نسقت مع روسيا بخصوص العملية، حيث زار رئيسا أركان الجيش وجهاز الاستخبارات التركيان موسكو قبيل العملية، وسحبت روسيا شرطتها العسكرية من عفرين مع بدئها، ولم تعترض على طيران المقاتلات التركية فوق الأجواء السورية، ما أسفر عنه غياب موقف دولي قوي معارِض للعملية.
بيان القوات المسلحة التركية بعد السيطرة على عفرين ذكر مقتل 46 جنديًا تركيًا وجرح 225 آخرين في العملية مقابل “تحييد 3603 إرهابيين” – وصل عددهم الآن إلى نحو 4 آلاف و600، بينما أشارت آخر الإحصاءات إلى سقوط 115 مقاتلا من الجيش السوري الحر، وسيطرت تركيا على 1102 كم مربع خلال العملية حتى الآن، بما يشمل السيطرة على 242 منطقة منها 203 قرى و39 “نقطة حساسة”.
لم تهمل تركيا الجانب الإنساني في عمليتها، ودشنت العديد من المشروعات الإغاثية والإنسانية، ومنها تقديم الخدمات الطبية للمرضى من سكان عفرين، وتوزيع المساعدات الإنسانية بواسطة الجيش والهلال الأحمر التركيان، ورئاسة إدارة الطوارئ والكوارث الطبيعية، وتوفير الخبز المجاني لأهالي المنطقة بعد التحرير.
مستنقع اليمن
على الجانب المقابل، كشفت عاصفة الحزم في اليمن عن أسوأ كارثة إنسانية ومعيشية، إلى جنب فشل ذريع مُنِيت به السعودية والإمارات وحلفاؤهما مكن عدوهم الحوثيين المدعومين إيرانيا من استمرار إطلاق الصواريخ الباليستية حتى وصلت إلى عمق الرياض.
ولعل الحديث عن تحقق أهداف التحالف التي شن الحرب من أجلها قبل أكثر من 3 سنوات، يبدو غير منطقي في ظل انقسام واضح بين مكونيه الرئيسيين السعودية والإمارات، وما كشفته تفاصيل الحرب من صراع دائر بينهما على النفوذ في اليمن.
ومع استمرار نزيف الدم والمال للتحالف، بدأ الصراع يتخذ أشكالًا أعمق وأكثر خطورة، خاصة مع اندلاع أزمة انفصال الجنوب، لكن أحدث إرهاصات الدور الإماراتي المشبوه في اليمن كشفه الفيلم الوثائقي “كيد الأشقاء”، الذي تحدث عن تورط الإمارات في أعمال استخباراتية ضد السعودية خلال الحرب على اليمن، فضلًا عن ضلوع القوات الإماراتية في إسقاط طائرة سعودية هناك هذا العام.
العديد من الشواهد على الممارسات والانتهاكات الإماراتية المخالفة للسعودية ولأهداف الحرب، رصدها وحللها (العدسة) في تقرير سابق.
ووسط عدم تحقق للهدف المعلن من الحرب وهو استعادة الشرعية، فإن الأمر لابد وأن ينطوي على بنك أهداف أخرى، وهذا ما ذهب إليه الخبير في الشأن السعودي “فايز النشوان” الذي رأى أن السعودية حققت 3 أهداف رئيسية: أهمها أن الحدود الجنوبية أصبحت آمنة من “التوغل الحوثي”، رغم تهديد الصواريخ التي تطال أرض السعودية “ولكنها ليست خطرًا استراتيجيًا”، بحسب تصريحات صحفية له.
على صعيد الخسائر التي مُنيت بها السعودية فلا تتوفر معلومات رسمية أو إحصاءات دقيقة بشأنها، إلا أن تقارير إعلامية قدرت الكلفة اليومية للحرب بـ 750 مليون ريال، يتم إنفاقها كقيمة للذخائر، وقطع غيار، وإعاشة وتموين أفراد الجيش فقط، بينما بلغ إجمالي الكلفة الكلية للحرب خلال شهورها التسعة الأولى نحو 200 مليار ريال.
أما على مستوى الخسائر في العتاد والآليات وأعداد القتلى، فقد أسهبت تقارير أخرى في بيانها، لكن دون الاستناد إلى مصادر موثوقة.
وعلى الرغم من أن الإمارات هي الخاسر الأكبر (على مستوى الخسائر البشرية) في هذه الحرب مقارنة بدول التحالف الأخرى، إلا أنها تبدو من الناحية العسكرية والتموضع على الأرض في أريحية كبيرة، ويبدو أنها تحقق مكاسبها وأهدافها التي وضعتها نصب عينيها في هذه الحرب، بحسب تقارير إعلامية.
وأبرز الأهداف الإماراتية هو توسيع نفوذ أبوظبي جغرافيًا في عموم الجنوب اليمني، وحتى الجنوب الغربي للشمال، وبالذات في العواصم والموانئ والجزر، وهذا يعني بالضرورة أن الهدف الإماراتي من هذه الحرب يتمحور حول مغزى اقتصادي يرتكز محوره على اقتصاد المناطق الحرة واستثمار شركات الموانئ.
عسكريًا نشطت أبو ظبي في تشكيل الميليشيات المسلحة في العديد من المناطق مثل قوات الحزام الأخضر، والنخبة الحضرمية والشبوانية وغيرها، على غرار الصحوات في العراق، ليصبح الأمر أشبه باحتلال مكتمل الأركان تحت دعاوى التحرير والإعمار.
ويظل اليمن هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب حتى اليوم، فالدمار والأمراض واتساع دائرة التطرف والإرهاب، وتغول حالة الفساد وغياب مؤسسات الدولة وسيادة الفوضى والقتل، هي عناوين “اليمن السعيد” فيما بعد مارس 2015 بداية عاصفة الحزم.
وتحول اليمن إلى حلبة كبرى للصراع بين لاعبين محليين وإقليميين ودوليين كُثر، من كل الأصناف السياسية، وبلد تفترسه مخالب وأنياب المذاهب الفكرية والأيديولوجية، وتتنازع خصوصيته ومميزات جغرافيته وثرواته قوى إقليمية ودولية لا حصر لها.
إنسانيًا، لم تكن الأمور بأفضل حال، حيث بلغ عدد المصابين بوباء الكوليرا في اليمن مليون مصاب، حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقالت اللجنة في بيان رسمي إن هذا العدد “الصادم” يعكس معاناة بلد تعصف به حرب وحشية، ويفتقد أكثر من 80 % من شعبه الغذاء والوقود ومياه الشرب والرعاية الصحية.
وتقول الأمم المتحدة إن اليمن يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويُحرم أكثر من 14 مليون شخص من إمدادات المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي وانتشار القمامة.
اضف تعليقا