العدسة – معتز أشرف

في ثأر غربي بعد أسبوع صاخب دشنت أمريكا وبريطانيا وفرنسا ضربة محددة الأهداف في قلب سوريا حازت على دعم واسع وترجمت تهديدات الكبار، خلال الأيام الماضية، إلى أفعال قد يكون لها تداعيات خطيرة إذا نفذت طهران وروسيا تهديداتهما، أو قد تمر في اتجاه تصعيد الحل السياسي وإنهاء العدوان الغاشم على الشعب السوري، وما بين هذا وذاك، يقف أهل سوريا في انتظار الخلاص!.

مواقف المتنفذين

اللاعبون المتنفذون في سوريا، برزت مواقفهم متناقضة تختلف تمامًا مع اتفاقهم في قمة أنقرة مؤخرًا؛ ففي الجانب التركي قالت وزارة الخارجية التركية، إن الضربات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضد النظام السوري، كانت “ردًّا في محله” على الهجوم “الكيماوي” في مدينة “دوما” بغوطة دمشق الشرقية، ووصفت الضربة بعد أن رحبت بها بأنها ” “ترجمت مشاعر الضمير الإنساني بأسره في مواجهة الهجوم “الكيماوي” على مدينة دوما”، والمُشتبه بقوة في تنفيذه من قبل النظام الذي ارتكب هجمات عشوائية ضد المدنيين، مستخدمًا أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة “الكيماوية”، وهو ما شكّل جريمة ضد الإنسانية، كما شددت تركيا على أن النظام السوري يمارس الظلم على شعبه بالأسلحة التقليدية والكيماوية، منذ أكثر من 7 أعوام، ولديه سجل ثابت في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فيما دعت المجتمع الدولي، وخاصة أعضاء مجلس الأمن الدولي، إلى التفاهم حول الخطوات المشتركة التي من شأنها ضمان معاقبة مستخدمي الأسلحة الكيماوية.
وفي المقابل، كان رد إيران ساخنًا كعادتها، وبرز تصريح الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في واجهة الغضب، حيث قال إن الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على سوريا، يوم السبت، جريمة ولن يحقق أية مكاسب، وأضاف في كلمة نقلها التليفزيون الإيراني: “لن يحقق حلفاء أمريكا أية إنجازات من وراء الجرائم في سوريا.. مهاجمة سوريا جريمة.. إن الرئيس الأمريكي ورئيسة الوزراء البريطانية ورئيس فرنسا مجرمون”، لكن بالتوازي كان هناك تصريح يتوعد برد من الحرس الثوري الإيراني، حيث قال يد الله جواني، مساعد قائد الحرس الثوري للشؤون السياسية، لوكالة “فارس للأنباء”: “بعد هذا الهجوم… سيصبح الموقف أكثر تعقيدًا وستتحمل الولايات المتحدة بالتأكيد كلفة هذا، وستكون مسؤولة عن تداعيات الأحداث القادمة في المنطقة، والتي لن تكون قطعًا في مصلحتها، دون أن يوضح التكاليف المرتبة على الضربة الثلاثية، وفي نفس السياق أدان “حزب الله” الضربة الثلاثية، زاعمًا أنها انتهاك صارخ للسيادة السورية، رغم السماح -في ذات الوقت- لروسيا باختراق مجالات طهران ودمشق للدفاع عن بشار الأسد.
أما روسيا؛ فتماشت وسائل إعلامها مع وسائل إعلام بشار الأسد، وأطلقت على الضربة: “العدوان الثلاثي”، في إشارة إلى عدوان الكيان الصهيوني وفرنسا وبريطانيا على مصر في العام 1967، وقال نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية لدى مجلس “الدوما” الروسي اليكسي تشابا، إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت مرغمة على ضرب سوريا، حفاظًا على ماء وجهها، زاعمة أن هذه الدول، حشرت نفسها في طريق مسدود بعد إطلاقها تصريحات مدوية مشبعة بالتهديد والاتهامات ضد الحكومة السورية، وأضاف “تشابا”: “بعد هذه التصريحات الكثيرة، كانوا مضطرين ليقوموا بعمل محدد كي لا يضيعوا نهائيًّا ماء وجوههم”، وهذا ما يسوغ العدوان الثلاثي على سوريا على حد تعبير موقع روسيا اليوم .

دعم واسع

التأييد العربي والعالمي كان واسعًا للضربة الثلاثية خاصة أنها استهدفت مواقع عسكرية يشتبه فيها قيامها بجريمة السبت الأسود في دوما، حيث أعلنت دولة قطر تأييدها للضربات الغربية، وقالت الخارجية القطرية: “استمرار استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية والعشوائية ضد المدنيين، وعدم أكتراثه بالنتائج الإنسانية والقانونية المترتبة على تلك الجرائم، يتطلب قيام المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية لحماية الشعب السوري وتجريد النظام من الأسلحة المحرمة دوليًّا”، غير أن قطر أعلنت في ذات الوقت “دعمها” كافة الجهود الدولية الرامية للتوصل إلى حل سياسي يستند إلى بيان جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبما يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري الشقيق في الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة سوريا الوطنية”، كما أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، تأييده للضربات، وقال: “إن بلاده تؤيد قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا باتخاذ إجراءات ضد قدرة نظام الأسد على إطلاق أسلحة كيماوية ضد شعبه، مؤكدًا إدانة كندا استخدام الأسلحة الكيماوية في هجوم الغوطة الشرقية، مؤكدًا ضرورة تقديم المسؤولين عن ذلك إلى العدالة.
كما أعلن الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، تأييده للضربات العسكرية التي تقودها واشنطن، وأعربت الحكومة الأسترالية عن دعمها للضربات، موضحة أن الضربات الجوية “ردٌّ شديد على استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في دوما 7 أبريل الجاري، “كما أكدت الحكومة أن قصف الأهداف السورية هو “رسالة واضحة إلى النظام السوري وداعميه، روسيا وإيران، بأنه لن يكون هناك تسامح مع استخدام السلاح الكيماوي”.
واحتفت وسائل الإعلام السعودية الرسمية بالضربة الثلاثية، وتحت عنوان ” ترامب ينفذ وعده.. تأديب بشار” قالت صحيفة “عكاظ” الرسمية، وأعلن رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك، دعم الاتحاد للضربات التي وصفها بأنها أظهرت للنظام السوري وروسيا وإيران بأنهم لن يواصلوا ارتكاب مأساة إنسانية دون دفع ثمن لذلك على الأقل، وقال: “الاتحاد الأوروبي يقف مع حلفائه، أي مع الحق”.

تداعيات الضربة

تصدر التداعيات التي خالطها التهديد نداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى كل الدول الأعضاء إلى “ضبط النفس”، والامتناع عن كل عمل من شأنه أن يؤدي إلى تصعيدٍ بعد الضربات الغربية في سوريا، بالتزامن مع إعلان أمريكا انتهاء الضربات بأهدافها المحددة مسبقًا، وتصريحات في روسيا عن وصف الضربة بأنها لحفظ ماء الوجه، وهو ما يمكن فهمه باقتصار الأمر على التهديد، وترحيل أي رد عسكري مناهض لوقت آخر مع بقاء الأمر على ما هو عليه.
في هذا الإطار يمكن قراءة تصريح وزير الدفاع البريطاني جافين وليامسون، حيث قال إن الضربات الصاروخية على سوريا، يوم السبت، كان لها تأثير كبير على ما يمكن أن تفعله حكومة الرئيس بشار الأسد في المستقبل، وردًّا على سؤالٍ عما إذا كان الغرب الآن في حرب باردة مع روسيا، قال “وليامسون”، إن العلاقات مع موسكو عند مستوى منخفض، لكنه يطلب من الكرملين ممارسة نفوذه على الأسد لإنهاء الحرب الأهلية السورية، ما يعني أن الضربة الثلاثية وجهت رسالة محددة الأهداف، وتهدف إلى التركيز على إنهاء الحرب في سوريا في المرحلة التالية، وفق مراقبين.
بُعدٌ ثالث للتداعيات يمكن أن يشكل محطة عمل دولية في الفترة المقبلة للخروج من الضربات بنتيجة عملية، وهو البعد الذي طرحه المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، حيث دعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف مشترك بهدف الحيلولة دون وقوع هجمات كيماوية في المستقبل مشددًا على أن الجهود الرامية لتدمير الأسلحة الكيماوية فقط لن تكون كافية لإنهاء الفوضى في المنطقة، وأن الهدف هو إنهاء الحرب في سوريا، ومنع جميع المجازر المرتكبة بالأسلحة التقليدية والكيماوية مرتبط بتحقيق الحل السياسي بسوريا في أسرع وقت”.
تبقي التهديدات في صدارة التداعيات؛ فبجانب التهديد الإيراني، وهو مرتبط دومًا بالطبيعية الثورية للجمهورية في خطاباتها التعبوية، اعتبر السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنتونوف، أن الضربات تشكل “إهانة للرئيس الروسي”، وستكون لها عواقب، وقال السفير في بيان: “حذرنا من أن تصرفات كهذه ستكون لها عواقب”، مضيفًا: “لقد تم تجاهل تحذيراتنا”، وهو ما يمكن انتظاره!