العدسة – معتز أشرف:

في تحليل حديث لمركز كارينجي للدراسات الاستراتيجة في الشرق الأوسط تناول تصريحات محمد بن سلمان الأخيرة حول إسرائيل، وذهب إلى أنها ترمي إلى تقديم صورة أكثر حداثة عن المملكة العربية السعودية وعن الأمير نفسه للفوز بالعرش فضلًا عن تقديم السعودية تقاربًا خاصًا نحو إسرائيل؛ لأنهما تتشاركان عدوًا واحدًا هو إيران، بحسب ما يرون.

كلام قديم!

في بداية تحليل المركز الذي وصل العدسة، وجاء تحت عنوانما عناه الأمير أكد أن تصريحات الأمير الطائش محمد بن سلمان الأخيرة حول إسرائيل أشبه بنبيذٍ قديمٍ في زجاجات جديدة؛ حيث كان حديث الأمير عن إسرائيل، في مقابلة أجراها معه مؤخرًا جيفري غولدبيرج من مجلة “ذي أتلانتك”، موضع تعليقات كثيرة، حرص فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على تقديم صورة أكثر حداثة عن المملكة العربية السعودية وعن نفسه، وإلى تعزيز دعم الولايات المتحدة له للوصول إلى العرش في نهاية المطاف.

وأضاف أنَّ التصريحات التي نسبها غولدبيرج إلى الأمير الكثير من الاهتمام، حيث جاء فيها: “في الواقع، حين سألتُ [الأمير] إذا كان يؤمن بأن للشعب اليهودي الحق في إنشاء دولة- أمة، في جزء على الأقل من أرض أسلافه، قال: “أعتقد أن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش بسلام في بلده. أؤمن بحق الفلسطينيين والإسرائيليين في امتلاك أرضهم الخاصة”..

ويرى غولدبيرج أنَّ هذا التصريح يحمل جديدًا، وعزّز هذه الرؤية المفاوض الأمريكي السابق في عملية السلام، دينيس روس، إذ اوضح قائلاً: “لطالما دار كلام القادة العرب المعتدلين حول وجود إسرائيل كواقع، لكن الاعتراف بأي نوع من “الحق” في أرض أسلاف اليهود كان خطًّا أحمر لم يتجاوزه أي منهم حتى الآن”، وقد يكون ما يقولانه في محلّه، لكن يبدو، عند استقراء ردّ محمد بن سلمان، أن غولدبيرج وروس ربما يبالغان في التفسير، فغولدبيرج هو من صاغ السؤال صياغةً ذكر فيها أرض أسلاف اليهود، في حين أنَّ الأمير أجابه بما يبدو أنه صيغة عامة، مُستخدمًا العبارة النافلة “في أي مكان”، للإشارة إلى حق اليهود والفلسطينيين في العيش بسلام في دولة خاصة بكل منهما، فضلًا عن أن  الأمير قال لغولدبيرج حين سُئل إن كان لديه اعتراض ديني على إسرائيل: “لدينا مخاوف دينية حول مصير المسجد الأقصى في القدس وحول حقوق الشعب الفلسطيني. هذا ما لدينا. لكن لا اعتراض لدينا على أي شعب آخر”.

أكثر انتهازية

وأوضح مركز كارينجي للشرق الأوسط في تحليلة أنَّ موقف المملكة العربية السعودية اليوم أكثر تصالحية تجاه إسرائيل مما كان عليه الحال في السابق، لكنها لاتزال تحرص في تصريحاتها الرسمية على عدم معارضة الإجماع العربي حول فلسطين حيث انتهجت السعودية مقاربة مختلفة إزاء إسرائيل، لأنهما تتشاركان عدوًا واحدًا هو إيران، ولم يعد السعوديون يثقون في الولايات المتحدة لمساعدتهم في احتواء الجمهورية الإسلامية، لكن، في حين أنَّ كثيرين يرَوْن في هذا الموقف خطوة أولى نحو تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، يُرجَّح أن يسعى السعوديون ببساطة لتحقيق مصالحهم السياسية، بأقل قدر من الأضرار عليهم.

ويري المركز  أن من يريد أن يصدّق أن ثمة ما هو أكثر من انتهازية سعودية في هذا الموقف، عليه الرجوع إلى تقارير صدرت مؤخرًا، تتحدّث عن مصادقة السعوديين على مسودة خطة سلام أمريكية بين الإسرائيليين والفلسطينيين تُرجّح كفة إسرائيل أكثر بكثير من كفة الفلسطينيين، ورغم أنَّ السعوديين أنكروا ذلك، لكن ثمة شكوكًا كثيرة بأن المملكة كانت على علم بقرار إدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ولم تعارضه، وهذا محتمل، فمصالح المملكة تقتضي أن تُجاري الإسرائيليين وأن تبدو مُقنعة في ذلك، وكذلك، عرف السعوديون أن دونالد ترامب متشبّث بقراره حول القدس، ورأوا أنّ من غير المُجدي إبداء استيائهم من هذه الخطوة وإبعاد ترامب وإسرائيل عنهم، فيما شغلهم الشاغل هو بناء تحالف ضد إيران.

المبادرة العربية

ويضيف المركز في تحليله أنَّ من المنطقي أكثر إدراج تصريحات الأمير محمد بن سلمان في سياق مبادرة السلام العربية التي وافقت عليها الدول العربية في قمّتها في بيروت في مارس 2002، حيث تتعارض هذه المبادرة مع مواقف السعوديين المزعومة من مشروع السلام الفلسطيني– الإسرائيلي الذي تقترحه الولايات المتحدة، حيث لا تخرج تصريحات الأمير لغولدبيرج عن الخطوط العريضة للمبادرة العربية، التي كان أول من قدّمها قبل عقد ونصف العقد ولي العهد عبدالله آنذاك، الذي صار لاحقاً ملكاً، ومعروفٌ أن مبادرة السلام العربية تذكر في مقدّمتها اقتراح عبدالله حول صيغة سلام على إسرائيل..

وقد طُرح الاقتراح أولاً في مقابلة مع توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز، حيث دعا عبدالله إلى انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية المحتلة منذ يونيو 1967، وفق قرارَي مجلس الأمن الدولي 242 و338، اللذين أعاد مؤتمر مدريد التأكيد عليهما في العام 1991، ومبدأ الأرض مقابل السلام. وفي المقابل، توافق الدول العربية على اتفاق سلام شامل مع إسرائيل، أما في ما يتعلق بالانسحابات الإسرائيلية، فتعيد المبادرة العربية صياغة القرار 242 من دون أن تذكره تحديدًا، وتدعو إلى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين استنادًا إلى قرار مجلس الأمن الرقم 194، وإلى دولة فلسطينية سيدة مستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 4 حزيران/يونيو 1967، أي في الضفة الغربية وغزة، تكون القدس الشرقية عاصمة لها.

وفي المقابل، يعتبر العرب النزاع مع إسرائيل منتهيًا، ويبرمون اتفاقات سلام توفّر الأمن لكل دول المنطقة، وتحثّ المبادرة الإسرائيليين على قبول هذه الشروط، بما يمكّن الدول العربية وإسرائيل “من العيش بسلام جنبًا إلى جنب، ويوفّر للأجيال المُقبلة مستقبلًا آمنًا يسوده الرخاء والاستقرار”.

ويؤكد المركز أنه كما قد يبدو واضحًا فلم يتباين، على وجه التحديد، أي من تصريحات الأمير محمد لغولدبيرج مع المبادرة العربية، ومع تسليطه الضوء على حقوق الإسرائيليين والفلسطينيين المتبادلة في العيش الآمن في دولتيهما، وتتردّد في كلام الأمير أصداء ما قيل في العام 2002، أي عن المساواة بين الجانبين، أو بعبارة أخرى، تعاود أقوال الأمير محمد الإعلان عن سياسات سعودية سابقة، لكن تقدّمها بحلة مختلفة بعض الشيء.

ويشير المركز إلى أنّ طريقة التقديم مهمة في العلاقات السعودية- الإسرائيلية، لكن مبادرة السلام العربية تنطوي على ما هو أهم من ذلك، فهي تعبّر عن حسن نية العرض العربي للسلام الذي ضمنه السعوديون في مقابل المعارضة الأوّلية المتعنّتة لبعض الأطراف العربية، الا أنه يلفت الانتباه الي أنه لم يعد أحد يذكر مبادرة السلام العربية، حتى حين يعير البعض أهمية مُفرطة لكلام الأمير محمد بن سلمان!