العدسة – معتز أشرف:
احتضنت إسطنبول الجمعة الإعلان عن إنشاء أول محفظة استثمارية تعمل بشكل متوافق مع الشريعة الإسلامية، تحمل اسم “مقاصد”، بمشاركة مستشار رئيس الوزراء التركي، عمر فاروق قورقماز، وسط اهتمام تركي بارز بالمجالات الإسلامية الاقتصادية، وهو ما يطرح تساؤلا هاما في ظل الاتهامات الواسعة لتركيا بإعادة الإمبراطورية العثمانية: هل هذا تعزيز للاقتصاد الإسلامي بمساندة تركية؟!
اهتمام بارز
اهتمام تركيا بدراسة التمويل والاقتصاد الإسلامي واضح في الفترات الأخيرة وجسّده إعلان “مقاصد”، وهو ما أفرز تواجدًا جديدًا في الساحة التركية ما كان يتواجد في غير حكومة أردوغان، وتستحوذ خمسة مصارف إسلامية، على قطاع التمويل الإسلامي في تركيا، وهي “كويت ترك”، و”البركة”، و”تركيا فاينانس”، والبنكان الحكوميان “الزراعة” و”وقف”، ويعمل في تركيا 52 مصرفًا، تتوزع بين 3 بنوك حكومية، و10 خاصة، و21 بنكا أجنبيا، و13 مصرفا استثماريا، و5 بنوك إسلامية، وتقوم جامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، إضافة إلى جامعة إسطنبول، وجامعة العالمية للتجديد (ماليزية تفتح شعبة لها في تركيا)، بتدريس تخصص التمويل والاقتصاد الإسلامي، وبحسب اتحاد البنوك الإسلامية في تركيا، شكل مجموع الأصول في المصارف الإسلامية نحو 5.10 %، من نسبة جميع البنوك في داخل البلاد، ونمت أصول المصارف الإسلامية في تركيا بنسبة 15.3% عام 2015، لتصل إلى 120 مليار ليرة تركية (39.036 مليار دولار)، وبلغت قيمة أصول المصارف الإسلامية في 2014 نحو 104 مليارات ليرة تركية (33.83 مليار دولار أمريكي)، في المقابل، بلغت قيمة أصول جميع البنوك في تركيا نحو 2.357 ترليون ليرة تركية (766.732 مليار دولار).
وصعد صافي أرباح البنوك الإسلامية العاملة في تركيا، بنسبة 80% خلال العام الماضي 2017، مقارنة مع العام الذي سبقه وحققت البنوك الإسلامية التركية، صافي أرباح وصل إلى نحو 1.6 مليار ليرة تركية (419 مليون دولار أمريكي)، في العام 2017، صعودا من 888.7 مليار، وفقًا للقوائم المالية التي صدرت حديثًا عن البنوك الإسلامية في تركيا، عن السنة المالية الماضية، وحقق “بنك كويت ترك” أعلى نسبة في صافي الأرباح خلال السنة الماضية، بقيمة إجمالية بلغت 673 مليونا و991 ألف ليرة تركية (180 مليون دولار)، فيما حقق بنك “تركيا فينانس” أرباحًا صافية (بعد الضرائب) بلغت 375 مليونا و360 ألف ليرة تركية (99.8 مليون دولار)، خلال العام نفسه، وحصل بنك “البركة ترك” على المركز الثالث في حصته من الأرباح، إذ بلغت 237 مليونا و93 ألف ليرة تركية (62.8 مليون دولار)، كما بلغت أرباح بنك “زراعة التشاركي” نحو 158 مليونا و902 ألف ليرة تركية (41.8 مليون دولار)، فيما حقق بنك “وقف التشاركي أرباحًا بلغت نحو 138 مليونا و132 ألف ليرة تركية (34.6 مليون دولار)، أما بنك “وقف التشاركي” (حكومي) سجل نسبة صعود في صافي الأرباح بلغت 626 %، مقارنة بالعام الذي سبقه، تلاه بنك “زراعة التشاركي” الذي ارتفع صافي أرباحه بنسبة 418 %، وحقق “تركيا فينانس” ارتفاعا في صافي الأرباح بنسبة 26.7 %، وفيما يتعلق بالأصول، حققت المصارف الإسلامية ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بـ 2016، وصلت نسبتها 20.5 %.
داراسات واسعة
وبحسب تقارير تركية رسمية، فإنه رغم مرور أكثر من 35 عاما على افتتاح أول بنك إسلامي في تركيا (كويت ترك)، إلا أن الدراسات الأكاديمية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، بدأت تنتشر منذ نحو عامين فقط في عموم البلاد بشكل واسع، بحيث يشكل التمويل الإسلامي 5 % من إجمالي السوق المصرفية التركية، ولكن الحكومة التركية سبق أن أعلنت خطة رفع حصة التمويل الإسلامي إلى 20 % بحلول 2023.
وكانت البداية بافتتاح جامعة صباح الدين زعيم (أهلية)، أول قسم لدراسة الاقتصاد والتمويل الإسلامي في 2015، وفي 2016، انطلق معهد التمويل والاقتصاد الإسلامي ليكون من أهم أهدافه تأهيل العاملين في قطاع السوق المصرفي الإسلامي للعمل في المؤسسات التمويلية الإسلامية، وفق الضوابط الشرعية المقررة، لم تتجاوز أعداد الطلبة في 2015 أكثر من 30 طالبا وطالبة في مجال التمويل الإسلامي في عموم الولايات التركية، ومن نحو 7 دول إسلامية، لكن بنهاية العام الماضي، تجاوز العدد 600 طالب وباحث في التمويل والاقتصاد الإسلامي، من أكثر من 80 دولة حول العالم، يتصدرهم الطلبة الأتراك، يليهم الطلبة العرب المقيمون في البلاد والوافدون إليها.
توجه رسمي
مراقبون يؤكدون أن هناك محاولات من قبل الحكومة التركية لتكون إسطنبول مركزا للتمويل الإسلامي، لذلك هناك بعض المصارف التشاركية والتي تعتبر فروعا لمصارف حكومية، بالإضافة إلى المصارف الإسلامية الموجودة في تركيا منذ العام 1984″، مشيرين إلى أن “كل محاولات جعل إسطنبول مركزًا للتمويل الإسلامي تحتاج إلى جهد أكاديمي لخدمة هذه الأنشطة، لتكون مساعدة للحكومة في ذات السياق، في ظل الخطة التي وضعتها الحكومة التركية لعام 2023، ومن أهم الأهداف الاقتصادية لتلك الخطة، التوسع بحجم أصول التمويل الإسلامي في الجمهورية التركية”، ما يجعل مستقبل دراسة التمويل الإسلامي في تركيا جيدًا، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على المصارف الإسلامية هنا، لأن أغلب الشعب التركي مسلم، والحياة الاقتصادية المتوافقة مع الدين سترضيهم أيضًا.
ويقول “إسماعيل أوغلو“، مدير إدارة الرقابة والتدقيق الشرعي لدى بنك “كويت ترك”: إن مستقبل المؤسسات المالية الإسلامية في تركيا يسير نحو الأفضل، لا سيما بعد اعتماد قانون الهيئات الشرعية، مضيفا أن قانون الهيئات الشرعية يلزم كل مؤسسة إسلامية بتأسيس هيئة شرعية وإدارة رقابة للتحقق من مدى الالتزام بفتاوى وتعليمات هيئة الفتوى الشرعية، كما من شأنه أن يفتح الباب أمام المستثمرين الأجانب لدخول السوق التركية والاستثمار في القطاع، خصوصاً بعد إعلان الحكومة عزمها جعل اسطنبول مركزاً للتمويل الإسلامي.
في هذا السياق يمكن قراءة افتتاح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أول فرع لبنك حكومي إسلامي في تاريخ البلاد بمدينة إسطنبول في 2015 لتدخل البلاد بذلك المرحلة العملية من تطبيق خطة توسيع دور التمويل الإسلامي بالبلاد واعتماده من قبل البنوك الكبرى المملوكة من الحكومة، خاصة أن أردوغان وصف الحدث خلال حفل افتتاح الفرع الإسلامي من بنك الزراعة، بأنه “خطوة تاريخية” داعيًا سائر البنوك المملوكة للحكومة إلى السير على خطى بنك الزراعة، في إشارة منه إلى المصرفين الحكوميين اللذين سبق لهما الحصول على رخص للعمل الإسلامي، وهما “بنك الوقف” و”بنك خلق”، وتزامن هذا الافتتاح مع تحرك “صندوق التأمين وضمان الودائع” التركي لوضع يده على “بنك آسيا”، أكبر البنوك الإسلامية في تركيا، بشكل كامل.
اضف تعليقا