العدسة _ إبراهيم سمعان

الضربات العسكرية الثلاثية التي شنتها فرنسا بمشاركة أمريكا وبريطانيا، السبت، في سوريا أسفرت عن ضحية إضافية جديدة.. إنه “الدفاع الأوروبي”، في ظلّ تحرك بريطانيا للخروج نهائيًا من الاتحاد، ورفض ألمانيا استخدام القوة خارج الحدود الأوروبية.

 

تحت هذه الكلمات نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية تقريرًا عن مشاركة باريس في الضربات العسكرية على سوريا، مشيرة إلى أنها أظهرت أن الاتحاد الأوربي ما زال غائبًا عندما يتعلق الأمر بالعمليات القتالية.

 

وقالت: تبقى فرنسا والمملكة المتحدة، اللتان شاركتا في التفجيرات إلى جانب الولايات المتحدة، القوتين الوحيدتين القادرتين على استخدام القوة خارج الحدود الأوروبية بسرعة وكفاءة وفعالية.

 

وأضافت: “في الوقت الذي تستعد فيه لندن، في غضون أقل من عام، لمغادرة الاتحاد الأوروبي، يُترك هذا الأمر لفرنسا لوحدها لتحمل على أكتافها ثقل الدفاع الأوروبي في المستقبل المنظور”.

 

الرفض المفاجئ الذي أعربت عنه أنجيلا ميركل، وذلك قبل يومين من الغارات في سوريا، حول مشاركة الجيش الألماني في العملية المقترحة، حتى ولو بصورةٍ رمزيةٍ أو مشروطة، أظهر غموض مشروع إيمانويل ماكرون حول بناء دفاع أوروبي مع برلين.. توضِّح المجلة.

 

وأشارت إلى أنَّ فرنسا أصبحت، منذ الاتفاقات الفرنسية البريطانية عام 1998 وخاصة منذ قمة شيراك- بلير في لو توكيوت عام 2003، تعتمد على المملكة المتحدة في أية عملية صغيرة في الخارج، كما حدث على سبيل المثال في ليبيا عام 2011، حيث انشقت ألمانيا بالفعل.

 

هذا الزوجان- الفرنسي والبريطاني – اللذان أثبتا كفاءة عسكرية سيختلفان مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمقرر في نهاية مارس 2019، فكيف يمكن إذًا بناء دفاع أوروبي من قلب فرنسي بريطاني، إذا كان أحد المشتركين لم يَعُد جزءًا من الاتحاد؟ وكيف يمكن الاستمرار في بناء أوروبا حول الزوجين الفرنسي الألماني، إذا كان موضوع الدفاع الأساسي لا يمكن معالجته بطريقة موثوقة؟ تتساءل “لوبوان”

 

وأكّدت أن محاولات تطوير نواة فرنسية ألمانية للدفاع مخيبة للآمال حتى الآن، فحجر الزاوية في الرغبة بالتعاون بين باريس وبرلين، اللواء الفرنسي الألماني، بعد حوالي ثلاثين سنة من إنشائه، ليس أكثر من مجرد رمز.

 

ولفتت إلى أنَّه في مالي، تم إشراك بعض الوحدات الألماني منذ العام الماضي ولكن بشكل منفصل، الجنود الفرنسيون يخدمون في عملية بركان، التي تحارب الجماعات الجهادية المسلحة، والألمان هم جزء من فرق الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تحافظ على السلام والتدريب وهي مهام ليست قتالية.

 

78٪ ضد المشاركة في ضرب سوريا

 

وبيّنت المجلة أنه بعد انتخاب دونالد ترامب ووصوله للبيت الأبيض أواخر عام 2016، تخيل بعض المحللين بالفعل أن المستشارة الألمانية هي الزعيم البديل لليبرالية والديمقراطية في العالم الغربي، لكن موقف برلين في الأزمة المفتوحة تجاه هجوم الكيماوي السوري يوم 7 أبريل في دوما أثبت عدم جدوى هذه الآمال.

 

قد تكون ألمانيا أول قوة اقتصادية وديموجرافية للاتحاد الأوروبي، ولا تزال مركزيته تعززها سياسة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تكتب لوبوان” لكنها تعمل وفق المفاهيم السلمية التي تكبل يديها.

 

وأضافت أنَّ ضبط النفس الذي أعربت عنه المستشارة هو موضوع توافق واسع بين عدد كبير من الألمان؛ حيث أظهر استطلاع للرأي نشره تلفزيون ZDF يوم الجمعة أن 78٪ من الألمان الذين شملهم الاستطلاع كانوا ضد اشتراك بلادهم في ضرب سوريا.

 

إضافة إلى ذلك، ألمانيا لا تحترم التزامها، الذي صدر عام 2014 في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي، لتخصيص 2 ٪ من ثروتها الوطنية كل عام لميزانية الدفاع الخاصة بها، وما زال هذا الرقم 1.25 ٪ فقط، فبعد تقسيمها، فضّل ائتلاف يسار اليمين في السلطة ذو الأغلبية تجاهل هذه القضية في برنامج الحكومة الذي تبناه الشهر الماضي.

 

ويقول زكي العيادي، أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية بباريس “النقطة الأساسية هي أنَّ المانيا لا تريد اللجوء، وربما لن تلجأ أبدًا إلى القوة باستثناء أي اعتداء على الأراضي الأوروبية، وإنَّ الألمان لا يعتبرون أنفسهم ضمنًا للأمن”؛ لأن هذا الدور قد لعب منذ الحرب العالمية الثانية من قبل الولايات المتحدة، لذا “لا توجد إرادة سياسية حقيقية” للتدخل طالما أنَّ ألمانيا ليست تحت تهديد مباشر.

 

ويربط العيادي الصعوبة الكبيرة التي تواجهها برلين في المشاركة بالعمليات العسكرية مع تحفظاتها على المشروع الماكروني الخاص بتعزيز الاتحاد الاقتصادي والنقدي في منطقة اليورو. ويؤكّد أنه في كلتا الحالتين، هذا الأمر يعكس نفور ألمانيا من المخاطرة بقوة، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية.