كتب- باسم الشجاعي:

تعد الأجور هي حجر الزاوية فى تطبيق “العدالة الاجتماعية”، الشعار الذي رفع منذ 7 سنوات إبان ثورة 25 يناير 2011، إلا أن الحكومة المصرية الحالية تعمل على عكس ذلك.

فقد أقرَّ مجلس النواب المصري، أمس “الاثنين” 17 أبريل، مشروع قانون يقرّ زيادة في مرتبات ومعاشات رئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونائب الرئيس ورئيس مجلس النواب.

الأمر الذي أثار حالةً من الجدل بين المصريين، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي تأتي في ظل دعوة الحكومة للشعب بالتقشف، في ظل الأوضاع السياسية التي تعيشها البلاد.

وهو ما دفع الأذرع الإعلامية الموالية للنظام الحالي للدفاع عن القرارة بقوة؛ حيث حاولت المذيعة “لميس الحديدي”، على قناة “cbc” الفضائية، في برنامجهاهنا العاصمة تبرير زيادة رواتب الوزراء، قائلة: “القانون معملش المرتب 400 ألف جنيه مثلًا ده خلاه بس يساوي الحد الأقصى للأجور اللي هو 42 ألف جنيه، وده مش كتير”.

وينصّ القانون بعد أنّ أقرّه وأصدره مجلس النواب في مادته الأولى، على أن تستبدل عبارة “تحديد مرتبات نائب رئيس الجمهورية، ورئيسي مجلس الشعب والشورى، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء”، إلى “تحديد المعاملة المالية لرئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة والمحافظين ونوابهم” الواردة في عنوان القانون رقم 100 لسنة 1987. وتنص المادة الثانية، على أن يتقاضى كل من رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء شهريًا، وبحسب الأحوال، مكافأة أو مرتبًا يعادل الحد الأقصى للأجور، والذي يبلغ 45 ألف جنيه، فيما يتقاضى، بحسب المادة الثالثة، كل من نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء والمحافظين مرتبًا شهريًا يعادل الحد الأقصى للأجور.

ويبدو أنَّ حلم “العدالة الاجتماعية”، لن يتحقق في مصر على المدى القريب، خاصة وأنَّ البرلمان المصري يتجه لإقرار الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2018 /2019، قبل نهاية العام المالي الحالي في 30 يونيو المقبل، والتي تحمل العديد من الأعباء للمصريين، فضلًا عن مخالفتها للدستور للعام الثالث على التوالي، بحسب دستور 2014.

ويبقى السؤال الأهم، من أين أتت الحكومة المصرية بالزيادات التي سوف يحصل عليها رئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونائب الرئيس ورئيس مجلس النواب؟ وماذا عن باقي موظفي الدولة الذين يعانون من ارتقاع الأسعار جراء السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الدولة استجابةً لشروط صندوق النقد الدولي؟ ولماذا غاب تحقيق شعار العدالة الاجتماعية في مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن؟ وماذا عن سياسات التقشف التي طالما غنّت بها حكومة “شريف إسماعيل” في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد؟

مصدر الزيادة؟

وعن مصادر تمويل الزيادرات في مرتبات التي أقرها البرلمان، تشير أرقام الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد2018/2019، أن الدولة تسعى لزيادة قيمة الضريبة المستهدفة من السجائر والتبغ ستصل إلى 58.5 مليار جنيه (3.3 مليارات دولار تقريبا) في الموازنة الجديدة مقابل 54.7 مليار جنيه العام المالي الحالي، ليتحملها في الغالب المواطن البسيط؛ حيث تعد هذه المرة الخامسة لرفع أسعار الضريبة على السجائر 4 خلال العامين الماليين الماضيين لزيادة حصيلة الضرائب.

وتستهدف مصر زيادة إيراداتها الضريبية إلى نحو 770.7 مليار جنيه العام المالي المقبل مقابل 604 مليارات جنيه العام المالي الحالي.

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومة بالحد من الإعفاءات الضريبية في القوانين المختلفة لزيادة مساهمة الضرائب في الناتج المحلي.

كما أن هناك اتجاهًا داخل الحكومة المصرية لزيادة أسعار الوقود والكهرباء قبل بداية العام المالي المقبل الذي يبدأ في شهر يوليو، وذلك تزامنًا مع الزيارة المقررة لبعثة صندوق النقد في مايو المقبل في إطار مراجعة الصندوق لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري وللبتّ في الموافقة على الشريحة الجديدة من قرض الصندوق.

وزيادة أسعار الكهرباء الجديدة ربما تصل إلى ما بين 30 و46%، وأنّ من المتوقع تقسيمها إلى 7 شرائح، ويتوقع أن ترتفع أسعار الكثير من السلع ووسائل النقل؛ حيث تتزامن الزيادة المقررة على الكهرباء مع زيادات في أسعار الوقود مع بداية السنة المالية الجديدة 2018-2019، وهو ما يؤثر على معيشة فئات كثيرة من المصريين.

خلل في الأوليات

قرار زيادة رواتب الوزراء، يؤكّد أن الدولة لديها خلل في الأولويات في الفترة الحالية، هذا ما أكده النائب في مجلس الشعب المصري، “هيثم الحريري”؛ حيث طالب بمراعاة الأولويات، بإعطاء الأولوية لزيادة الحد الأدني للأجور، ومناقشة قوانين أخرى بشأن معاشات المواطنين.

ولفت “الحريري”، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “يحدث في مصر”، المذاع عبر فضائية “MBC مصر”، مساء أمس “الاثنين”، إلى ضرورة النظر إلى “المريض الموجود في العناية المركزة”، وهو الشعب المصري، الذي يمر بظروف صبعه أيضا.

تعمد مخالفة الدستور

الغريب في الأمر أن البرلمان الذي برر في قرار زيادة رواتب الوزاراء أنه ملتزم بنص الدستور؛ يتجه لإقرار الموازنة العام للدولة للعام المالي الحالي المعروضة عليه، والتي تيشر الأرقام الأولية يخالف نصوص المواد (18) و(19) و(21) و(23) من الدستور، للعالم الثالث على التوالي، وخاصة في الأمور المتعلقة بالتزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3% من الناتج القومي لقطاع الصحة، و4% للتعليم، و2% للتعليم العالي، و1% للبحث العلمي، بحسب ما كشفت عنه بنود الموازنة الجديدة للدولة (2018/2019).

فبحسب الموازنة المقدمة من الحكومة للبرلمان أخيرًا، فإنّ مخصصات وزارة الصحة، ومديريات الشؤون الصحية بالمحافظات، والمستشفيات العامة، مجتمعة، اقتصرت على 61 مليارًا و810 ملايين جنيه، ارتفاعًا من 54 مليارًا و922 مليون جنيه في الموازنة الجارية، عوضًا عن النسبة الدستورية المحددة بنحو 156 ملياراً و642 مليون جنيه.

وتنص المادة (18) من الدستور المصري على أن” تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.

فيما رفعت الحكومة مخصصات التعليم من 107 مليارات و75 مليون جنيه إلى 115 ملياراً و668 مليون جنيه، بزيادة محدودة لم تصل إلى 8 %، متضمنة وزارتي التعليم، والتعليم العالي، ومديريات التعليم بالمحافظات، والجامعات، والهيئة العامة للأبنية التعليمية، وصندوق تطوير التعليم، وذلك عوضًا عن 312 مليارًا و50 مليون جنيه مستحقة دستوريًا، بواقع 208 مليارات و335 مليون جنيه للتعليم (4%)، و104 مليارات و167 مليون جنيه للتعليم العالي (2%).

وتنصّ المادة (19) من الدستور على أن “تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالى، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”، كما تنص المادة (21) على أن “تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.