العدسة _ منصور عطية
مع مطلع الفترة الثانية لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، تستعد مصر للعب دور ميداني أكبر على مسرح الأحداث في سوريا، بأمر أمريكي ينتظر أن يُترجم إلى تواجد قوات مصرية بديلة لتلك الأمريكية بعد انسحابها المرتقب.
فهل يمكن أن تقبل مصر بتلك المعادلة، وما المقابل الذي يتوقع أن تحصل عليه جراء تلك الموافقة؟
بأمر ترامب
ووفق تقارير إعلامية، طلبت الولايات المتحدة الأمريكية دعمًا عسكريًا من دول عربية، بينها مصر، لإحلال الاستقرار في سوريا.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نقلت عن مصادر حكومية أنَّه من المفترض، وفقًا لهذه المطالب، أن ترسل كل من السعودية وقطر والإمارات ومصر قوات إلى شمال شرقي سوريا لتحلّ محل الوحدات الأمريكية هناك، عقب تحقيق انتصار على تنظيم الدولة “داعش”.
وأفادت الصحيفة بأنَّ مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون” تواصل مع دول خليجية ومصر من أجل المشاركة في هذه القوات وتقديم الدعم المالي لها، وتوقع مسؤولون في الإدارة الأمريكية أن تستجيب الدول العربية لطلب ترامب خصوصًا فيما يتعلق بالدعم المالي.
هذا التطور يأتي في أعقاب إعلان الإدارة الأمريكية تجميد خطة انسحاب قوات واشنطن من سوريا “حتى تحقيق جميع الأهداف المرجوة”.
وقالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، “نيكي هايلي”: “لنكن واضحين، إذا انسحبنا، ومتى سننسحب، فهذا سيكون بعد علمنا أنَّ جميع الأمور تتجه صوب الأمام”.
وحددت المندوبة الأمريكية 3 أهداف لبلادها في سوريا وهي “ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيميائية بأي طريقة من شأنها تهديد المصالح الأمريكية، هزيمة داعش، وضمان وجود نقطة مراقبة جيدة لمتابعة ما تقوم به إيران”.
تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعهده السابق بسحب القوات الأمريكية من سوريا بشكل فور، يأتي بعد تصريحات مثيرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان شدد فيها على ضرورة استمرار تواجد تلك القوات، واشتراط ترامب لذلك دفع الرياض فاتورة بقاء القوات.
حديث قديم متجدِّد
ويبدو الحديث عن تواجد القوات المصرية، تحديدًا، في سوريا ليس بالجديد منذ اشتعال الأحداث هناك في العام 2011، وخاصة بعد إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي في نوفمبر 2016 دعم القاهرة للجيش العربي السوري (جيش نظام بشار الأسد) في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
في أعقاب هذا الإعلان، كشفت مصادر مقرَّبة من النظام السوري، انضمام 18 طيارًا مصريًا إلى قاعدة “حماة” الجوية، وقالت صحيفة “السفير” اللبنانية، إنه منذ 12 نوفمبر 2016 تعمل في قاعدة حماة الجوية وحدة مصرية تضم 18 طيارًا، ينتمون إلى تشكيل مروحيات بشكل خاص.
وقالت الصحيفة، حينها: إنَّه ليس مؤكدًا أن الطيارين المصريين قد بدأوا المشاركة أم لا في العمليات الجوية، لكن انضمامهم إلى عمليات قاعدة حماة، واختيار الطيارين من بين تشكيل الحوَّامات المصرية، يعكس قرارًا مصريًا سوريًا بتسريع دمج القوة المصرية، لأنَّ الجيش المصري لا يزال يملك، برغم أمركة أسلحته الجوية الواسعة في الثمانينيات، أسرابًا من 60 مروحية روسية من طراز “مي 8″، فيما لم يتبقَّ من الخمسين مروحية سورية من الطراز ذاته، إلا النصف تقريبًا.
وفي مقر الأركان السورية في دمشق، يعمل منذ شهر يسبق هذا التاريخ ضابطان مصريان برتبة لواء، على مقربة من غرف العمليات، وأن اللواءين المصريين يقومان بجولات استطلاعية على الجبهات السورية، منذ وصولهما إلى دمشق بحسب تقارير إعلامية.
وذكرت التقارير أن مصر وعدت السوريين بإرسال قوات كبيرة إلى سوريا بعد الثالث والعشرين من يناير 2017، ولن تكتفي بتقديم المدد الجوي في قاعدة حماة.
في الشهر ذاته، نشرت وكالة “تسنيم” الإيرانية تقريرا جاء فيه أنَّ الحكومة المصرية أوفدت قوات عسكرية إلى سوريا، “في إطار مكافحة الإرهاب والتعاون والتنسيق العسكري مع الجيش السوري”.
ونقلت الوكالة عن مصادر قولها، “إن مصر أصبحت حريصة على تقديم المساعدات العسكرية وإرسال القوات إلى سوريا للمشاركة في معارك الحكومة السورية ضد الإرهابيين..”.
وكان اللواء “علي مملوك”، رئيس مكتب الأمن الوطني (المخابرات) في نظام بشار الأسد، زار أواخر أكتوبر 2016 القاهرة واتفق خلالها مع مدير المخابرات العامة المصري، حينها خالد فوزي، على “تنسيق المواقف سياسيًا بين دمشق والقاهرة، وكذلك تعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان”.
بين “مسافة السكة” و”الجيش لمصر”
ولعلَّ التساؤل الذي يتبادر إلى الذهن الآن، كيف سيكون موقف مصر من الطلب الأمريكي، هل تقبله وترسل قواتها إلى سوريا أم ترفضه، وما المقابل الذي تجنيه في حال استجابتها لطلب واشنطن؟
السيناريو الأول، وهو الأكثر ترجيحًا، يقود إلى أن ترسل القاهرة قواتها إلى سوريا استجابة للطلب الأمريكي من ناحية، ومساندة نظام بشار الأسد من ناحية أخرى، وربما إمعانًا في الكيد لتركيا التي تتمتع بنفوذ ميداني قوي في سوريا.
وعليه فإنَّ الموقف سالف الذكر بشأن دعم السيسي لجيش النظام السوري والحديث عن وجود قوات جوية هناك، وطبيعة العلاقة التي تربطه بترامب، والعداء المحتدم بين القاهرة وأنقرة، تبدو جميعها معززات لأنَّ يدخل السيناريو الأول حيز التنفيذ بالفعل.
ولا يمكن هنا التغاضي عن تصريح لافت للسيسي في فبراير 2016، استخدم خلاله تعبيرًا شهيرًا وهو “مسافة السكة” في إشارة إلى سرعة استجابة الجيش المصري للدفاع عن دول الخليج العربية، وربما ينطبق الأمر ذاته على سوريا في حال تطور الأمور.
في المقابل، فإنَّ ثمة تصريحًا آخر للسيسي يناقض إلى حد كبير هذا الموقف ويرجع إلى أبريل 2015، عندما تحدث عن تعقيد الوضع في اليمن بقوله: “الجيش المصري لمصر مش لحد تاني”.
بين مسافة السكة والجيش لمصر، يبقى موقف القاهرة مرهونًا بما يمكن أن تجنيه من مكاسب إذا استجابت للطلب الأمريكي، وما قد يلحقها من خسائر في حال الرفض.
حديث المكاسب، يبدو مسيلًا للُعَاب السيسي الباحث منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى كرسي الرئاسة في 2014، عن أقصى قدر ممكن من الأرباح والمكاسب سواء كانت تلك المادية أو العسكرية أو حتى المواقف السياسية.
ولعلَّ الدعم السياسي يبدو في مقدمة ما يمكن أن يقدِّمه ترامب للسيسي، في ظل انتقادات واسعة تلاحق نظامه بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وما قد تجلبه تلك الانتقادات من غضب أمريكي أو غربي محتمل، أو مجرد ضغوط لوقف تلك الانتقادات.
المزيد من صفقات التسليح التي يسعى السيسي وراءها على مدار الأعوام الأربعة الماضية، ربما يحصل عليها من الولايات المتحدة إذا وافق على طلبها.
اللافت أنَّ الجانب الآخر من الطلب الأمريكي يفضي إلى توفير الدعم المالي لتلك القوات من دول الخليج، الأمر الذي من شأنه أن ينسحب على ضخّ المزيد من المليارات الخليجية إلى خزينة السيسي بما يدفعه إلى إجابة الطلب الأمريكي.
أي أنَّ المعادلة التي تنسحب فيها القوات الأمريكية من سوريا، تتضمن أن تحلّ القوات المصرية محلها بتمويل خليجي، مؤكدًا أنَّ نسبة لا بأس بها منه ستذهب مباشرة إلى السيسي، الطامح إلى مزيد من “الرز”.
اضف تعليقا