العدسة _ جلال إدريس

جدل واسع أثاره موافقة البرلمان المصري، على مشروع قانون تنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال جماعة الإخوان المسلمين، الذي قدمته حكومة شريف إسماعيل ووافق عليه برلمان عبدالعال.

وبرغم استيلاء حكومة السيسي على مدار السنوات الماضية وتحفظها على أموال المئات من أفراد جماعة الإخوان المسلمين ومعارضي السلطة، إلا أن التحفظ كان يتم بحكم قضائي يسهل الطعن عليه، غير أن القانون الجديد يقنن عملية السطو والاستيلاء على أموال المعارضين دون رادع أو رقيب.

وينظم القانون الجديد فرض وتنظيم الإجراءات القانونية للتحفظ على أموال جماعة الإخوان، بموجب حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، التي يثار الكثير من علامات الاستفهام حول دورها المشبوه في إصدار العديد من الأحكام المسيسة ضد حقوق الشعب المصري.

التحفظ من البداية

بدأ سيناريو التحفظ على أموال الإخوان المسلمين للمرة الأولى في مصر،  في سبتمبر 2013، حين أصدرت “محكمة القاهرة للأمور المستعجلة” حكماً بـ”حظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأية مؤسسة متفرعة عنها، أو تابعة لها، والتحفظ على جميع أموالها العقارية والسائلة والمنقولة”.

وبناءً على هذا الحكم القضائي، شكّلت الحكومة المصرية في يناير 2014، لجنة لإدارة الأموال والشركات والجمعيات المملوكة للجماعة تحت مسمى “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية”.

وفي يناير 2016، أعلنت اللجنة المذكورة أنها تتحفظ في الوقت الراهن على 62 شركة و1125 جمعية أهلية تابعة للجماعة، وأموال 1370 شخصًا، والتحفظ على 19 شركة صرافة، بإجمالي أموال بلغت 5 مليارات و556 مليون جنيه مصري (نحو 311 مليون دولار).

ومنذ ذلك التاريخ، أصدرت اللجنة عددًا من قرارات التحفظ، دون بيانات إجمالية عن حجم الموجودات والأموال التي تتحفظ عليها.‎

وفي أكثر من مرة، نفت جماعة الإخوان المسلمين على لسان قياداتها، اتهامات بـ”الفساد أو ارتباطها بالعنف والإرهاب”.

وشددت على أن “لجنة حصر أموال الإخوان غير مختصة ولا تعترف بها، ولم تثبت فساد أحد من الإخوان أو نهبهم لأموال أحد”.

فيما وصف معارضون عمليات التحفظ التي استمرت على أموال الجماعة بإنها “عملية انتقامية”، مؤكدين على أن “الأموال التي تمت مصادرتها هي أموال شخصية لرجال أعمال مصريين معروفين بأسمائهم في الاقتصاد المصري، وأموالهم كانت خاضعة للرقابة بشكل يفوق غيرهم، وقرارات التحفظ ما هي إلا إجراءات انتقامية، لمجرد رفض الانقلاب على الديمقراطية، أو حتى لعدم الدوران في فلك العسكر ومؤسساته، التي تحتكر كافة مجالات العمل في مصر بما فيها الاقتصاد”.

تفاصيل القانون الجديد

ينص القانون الجديد على “إنشاء لجنة مستقلة ذات طبيعة قضائية تختص دون غيرها باتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة باعتبار جماعة أو كيان أو شخص ينتمي التي جماعة إرهابية”؛ وخاصة إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموالهم.

وتتشكل اللجنة، وفق البيان ذاته، من 7 قضاة يرشحهم وزير العدل المصري، ويَصدر بانتدابهم قرار من رئيس الجمهورية لمدة عام قابل للتجديد، وتعقد اجتماعاتها في مقر محكمة الاستئناف، وسط القاهرة، لحين توفير مقر مستقل لها.

ووفقا لوكالة الأنباء المصرية الرسمية، فإن مشروع القانون الجديد الذي وافق عليه البرلمان بثلثي أعضائه، سيقوم بتنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، وفقًا للمشروع.

وستحل اللجنة القضائية محل اللجنة الحكومية التي تشكلت مطلع 2014 تحت اسم “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية”.

وبينما كانت اللجنة القديمة معنية بحصر وإدارة أموال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فقط، فإن اللجنة المستحدثة ستكون معنية بالشأن ذاته، لكن لكل من يصنفه القضاء كـ”إرهابي أو ككيان إرهابي”.

وحتى يدخل القانون المذكور حيز التطبيق، يتطلب الأمر تصديقه من رئيس البلاد ونشره في الجريدة الرسمية، وهي إجراءات شكلية.

الغرض من القانون

ويرى مراقبون أن الغرض من القانون الجديد هو إعطاء تعريفات جديدة للأشخاص والجماعات والكيانات الإرهابية أكثر عمومية من التعريفات المنصوص عليها في قانون الكيانات الإرهابية رقم 8 لسنة 2015؛ حيث عرفها بأنها: “أى شخص اعتباري يصدر حكم قضائي باعتباره إرهابيًّا”.

هذه التعريفات، وفقا لمشروع الجديد، ستوسع بطبيعة الحال دائرة المشمولين بهذا القانون، ليمتد الأمر لكافة المعارضين، وتتوسع الحكومة في السيطرة والاستيلاء على أموال الشعب المصري.

كما أن القانون سيمنع المتحفظ على أموالهم من الطعن أمام القضاء، حيث إنه قبل ذلك القانون كان من يصدر ضده قرار بالتحفظ، يلجأ أو يتظلم أمام محكمة القضاء الإداري، وهذا ما قام به اللاعب محمد أبو تريكة، حيث ألغت المحكمة قرار التحفظ على أمواله.

أما القانون الجديد، فقد جعل لجنة التحفظ تُصدر قرارها بناءً على الأحكام التي تصدر من محكمة الأمور المستعجلة، باعتبار شخص أو جهة ما إرهابية، إضافة التي أنه جعل المحكمة مختصة أيضًا بنظر التظلمات على قرار التحفظ، وهذا تناقض واضح وصريح.

تقنين لسرقة المعارضين

من جانبها، رأت جماعة الإخوان المسلمين أن ما صدر عن برلمان السيسي بحق أموال وممتلكات المنتسبين لجماعة الإخوان هو استمرار لجريمة بدأت بإصدار قرارات “الببلاوي” و”محلب” (رئيسا حكومة سابقان)، التي مهدت لإتمام السرقة بقانون ساقط مجافٍ لمبادئ العدالة.

وبحسب بيان صادر عن المتحدث الإعلامي للمكتب العام بجماعة الإخوان المسلمين، فإن ما يحدث “يتم في سياق أكبر، سمح بسرقة مقدرات الوطن، وبيع أراضيه وثرواته، وتحصين سرقتها بقوانين فاسدة، عن طريق برلمان انقلابي مستأجر لتغطيتها؛ فبيع تيران وصنافير، وحقول المتوسط وسيناء، وصولا التي فرض ضرائب على أقوات الغلابة”، مشيرًا التي أن “هذه عصابة لصوص سرقت الوطن ولا تزال تسرقه، يوم أن استولت على الحكم، وانقلبت على الشرعية”.

وذهب بالقول التي أن “ما صدر هو قانون ساقط لا يساوي الحبر الذي كتب به، وفِي ظل أي نظام قضائي عادل (غير موجود بمصر الآن) تلغى كل هذه الأحكام، وتعاد الحقوق لأصحابها”، لافتًا التي أنه يجب الانتباه لأمرين؛ الأول: أن الأموال المستولى عليها هي أموال شخصية مملوكة لأفراد لهم ذمم مالية مصونة، ووضعهم على قوائم الإرهاب- فوق كونه ظالمًا جائرًا- فقد تم بمعايير سياسية بحتة في خصومة واضحة، وذلك لا يُسقط حقهم في أموالهم بأي حال”.

وتابع: “الأمر الثاني: أن من يرحبون بهذا القانون اليوم قد تنطبق عليهم شروطه وضوابطه غدًا، ويصبحون بين عشية و ضحاها إرهابيين، ومن ثم الاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم، فهذا الانقلاب يتحرك بالرغبة والحاجة، وما أكثرها، وفق نظام يتغذى على الجباية، ويعيش على السرقة والاستدانة”.

التفاف على أحكام القضاء

وبحسب المحامي والحقوقي عمرو عبدالسلام، نائب رئيس منظمة الحق الدولية لحقوق الإنسان، فإن ذلك القانون مشبوه شكلًا ومضمونًا بشبهة عدم الدستورية، إضافة التي أنه يُعد التفافًا على أحكام القضاء الإدارى وينزع الاختصاص من محكمة الجنايات بتوقيع العقوبات التكميلية ويُحيلها التي لجنة إدارية غير قضائية ويتناقض مع قانون الكيانات الإرهابية رقم 8 لسنة 2015.

ولفت نائب رئيس منظمة الحق الدولية، التي أن المشروع الجديد جاء ليبعد ملف التحفظ عن ساحة القضاء الإداري تمامًا، حيث تنص المادة السادسة على أن «يتظلم كل ذي مصلحة من قرار اللجنة، خلال 8 أيام من تاريخ إعلانه، أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، وعلى المحكمة الفصل في التظلم خلال 30 يومًا من تاريخ قيده أمامها، بالإجراءات المعتادة، وللمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ القرار أو تأييده أو إلغائه»، وإذا لم يرتض صاحب المصلحة الحكم فيجوز له أن «يستأنف على الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة، خلال 8 أيام من تاريخ الإعلان، وعلى المحكمة أن تفصل في الاستئناف، خلال 30 يومًا، ويعد قرارها نهائيًّا ولا يجوز الطعن عليه».

ونوه بأن ما يؤكد عدم دستوريته، أن التظلم من القرارات التي تصدرها لجنة التحفظ هي قرارات إدارية بحته، وليست قرارات قضائية؛ لأنها لم  تصدر من محكمة قضائية، ومن ثم ينعقد الاختصاص بإلغاء أو تأييد تلك القرارات قضاء مجلس الدولة وحده دون منازع له من أية جهة قضائية أخري.

مخالف للدستور ومهدد بالطعن

وبِرأي “عبدالسلام”، فإن ذلك القانون الجديد خالف كل الدساتير والقوانين الجنائية والمواثيق الدولية، التي تكفل المحاكمة الجنائية العادلة في ظل توافر الضمانات الحقيقية التي تضمن عدالة المحاكمة أمام القاضي الطبيعي للمتهم، ومن ثم فإن اختصاص اللجنة المختصة بالتحفظ على الأموال بتوقيع عقوبة قضائية لا تصدر إلا من محكمة قضائية مشكلة وفقًا للقانون.

وأوضح “عبدالسلام” أن «القانون مُهدد بالطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا فور نشره بالجريدة الرسمية؛ لما انطوى عليه من شبهات عدم الدستورية».

فيما أكد خبراء قانونيون، أن هذا التشريع يخالف السنة العامة للتشريع؛ لأن القانون هو مجموعة من القواعد القانونية المجردة، وكان على المشرع أن ينأى بنفسه عن سن قوانين لظروف استثنائية، تُحمل على أنها توجه لعقاب أو لردع المعارضين للنظام.