العدسة – منصور عطية
قرار مفاجئ للرئيس السوداني عمر البشير بإقالة وزير خارجيته إبراهيم غندور، لم تعلن معه الوكالة الرسمية للأنباء سبب الإعفاء أو حتى البديل الذي سيحل محل الغندور.
هذا الغموض فتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول السبب الرئيس حول قرار البشير الإطاحة بغندور، الذي تولى منصبه منذ يونيو 2015 بعد أن شغل منصب مساعد رئيس الجمهورية لعام ونصف.
بطل الهجوم على مصر
وخلال الفترة الأخيرة وتحديدًا عام 2017 كان غندور هو نجم الشباك في الأزمة التي عصفت بعلاقات بلاده مع مصر، بسبب قضايا خلافية على رأسها مثلث حلايب وشلاتين الحدودي المتنازع عليه، وسد النهضة الإثيوبي.
ودوما ارتبطت التصريحات المهاجمة لمصر على نحو دبلوماسي أو حتى تلك الخارجة عن نطاق السيطرة بالرجل، إلى الحد الذي اتهم فيه بالإساءة إلى العلاقات بين البلدين وتأزيم الموقف أكثر، خلافًا للرغبة السودانية بالتهدئة لا التصعيد.
أحدث تلك المواقف خطاب الوزير المقال أمام البرلمان السوداني الأربعاء 18 أبريل الجاري، والذي كانت الأزمة مع مصر حاضرة فيه بقوة من بين ملفات أخرى جعلت منه خطاب وداع.
“غندور” أعلن خلال الخطاب أن بلاده قدمت 3 شكاوى منفصلة ضد مصر، إلى مجلس الأمن الدولي، في الآونة الأخيرة، تضمنت الأولى احتجاجا على ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، عقب ضم جزيرتي تيران وصنافير لحدود المملكة في أبريل 2016.
وتتعلق الشكوى الثانية بإنشاء مصر ميناءين للصيد في شلاتين وأبو رماد، ضمن مثلث حلايب، في فبراير الماضي، فيما جاءت الشكوى الثالثة ردا على إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية في مثلث “حلايب وشلاتين وأبو رماد”، مشددا على رفض بلاده لأي استفتاء أو “تمصير” لحلايب.
قبلها بأيام قال غندور، إن اجتماع الخرطوم الأخير بشأن سد النهضة وضع تفاهمات لضمان عدم تضرر أي طرف من السد، وأن يكون إعلان المبادئ هو الفيصل في كل ما تختلف الدول عليه، لكنه أضاف في حوار نشرته “الأهرام“ أن ما وصفها بـ”نقطة الخلاف الصغيرة” التي بقيت في اجتماع الخرطوم تتعلق بتحفظ إثيوبيا على اتفاقية مياه النيل الموقعة بين مصر والسودان عام 1959، وتمنح القاهرة 55.5 مليار متر مكعب سنويا من مياه نهر النيل، بينما تحصل الخرطوم على 18.5 مليار متر مكعب.
تلك التصريحات تعضد ما صرَّح به المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية “ملس ألم”، الأسبوع الماضي حيث حمّلت بلاده مصر المسؤولية عن فشل اجتماع الخرطوم الثلاثي في التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة.
المتحدث قال: “إثيوبيا تعتبر أن هذه الاتفاقية لا تعنيها، طرح تلك الاتفاقية يعتبر خطًا أحمر، ولا يمكن أن تتفاوض أديس أبابا حولها، فلا يمكن أن نتحدث عن اتفاقيات لم نكن طرفًا فيها”.
لكن نظيره المصري “أحمد أبو زيد” نفى تلك الاتهامات، مؤكدا أن “مصر شاركت في اجتماعات الخرطوم بكل إيجابية ورغبة جادة في التوصل لاتفاق يكسر حالة الجمود الحالية في المسار الفني الخاص بالسد”.
وربما لا ينسى كثيرون التصريح الذي أدلى به غندور في نوفمبر الماضي، حينما قال: إن مصلحة بلاده في سد النهضة تتمثل في أنه “يحافظ على حصة مياه السودان التي كانت تذهب إلى مصر”.
وفي حوار مع تلفزيون “روسيا اليوم“، من العاصمة السودانية الخرطوم أوضح غندور أن سد النهضة الإثيوبي من شأنه إعادة حصة السودان من المياه إليه، والتي كانت مصر تحصل عليها من قبيل “السلفة”.
وتابع: “مشكلة السودان كانت ومازالت في أنه لم يستخدم نصيبه في مياه النيل التي منحتها لها اتفاقية 1959 والتي كانت تذهب لمصر طوال السنوات الماضية”.
وفي ديسمبر الماضي، شهد السودان تقاربًا غير مسبوق مع تركيا – خصم القاهرة العنيد – في أعقاب الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم وتخصيص جزيرة سواكن في البحر الأحمر لأنقرة، وما أثير بشأن نيتها إقامة قاعدة عسكرية في تلك المنطقة الاستراتيجية القريبة من مصر.
بطبيعة الحال لم يسر القاهرة هذا التقارب وأزعجها كثيرا بشكل انعكس على الإعلام الموالي للسلطة في مصر، والذي هاجم السودان بضراوة، ليرد “غندور” بتصريح استفز المصريين أكثر.
وأعقب استغرابه “لردود بعض أجهزة الإعلام المصري” على هذا التقارب بقوله الشهير: “ليمت بغيظه من يمت وليفرح بسعدنا وفرحنا من يفرح”.
وربما لا يتسع المجال لذكر جميع التصريحات التي هاجم فيها غندور مصر، لكن تبقى مواقفه تلك كفيلة بأن تكون سببًا متوقعًا في الإطاحة به، بفرضية أنها تخالف التوجُّه السوداني الرسمي.
إنقاذ الدبلوماسية السودانية وتدخلات القصر!
بعيدًا عن مصر، لكن في سياق جلسة البرلمان سالفة الذكر، فإن ثمة قضية أخرى أثارها الوزير المقال قد تكون سببًا مرجحًا في إعفائه من منصبه.
“غندور” دعا البرلمان إلى متابعة ملف رواتب الدبلوماسيين بعد أن كشف أن البعثات الدبلوماسية السودانية في الخارج لم تتلقَّ المرتبات ولم تسدد الإيجارات، لمدة سبعة أشهر، واصفا الوضع بـ”المأساوي”.
كما كشف أن عددا من سفراء السودان بالخارج طلبوا العودة، بسبب هذه الظروف التي يعيشونها هم وأسرهم، واتهم غندور جهات في الحكومة، لم يسمها، بأنها “تعتقد أن البعثات الدبلوماسية في الخارج ليست ذات أولوية”.
وطالب غندور البرلمان بالتدخل لحل أزمة رواتب الدبلوماسيين السودانيين في الخارج، والتي وصلت متأخراتها إلى 30 مليون دولار.
وأشار إلى أنه تواصل مع محافظ بنك السودان المركزي، لكنه فشل في دفع رواتب الدبلوماسيين، مضيفًا “لو لم يصبح الوضع خطرًا لما تحدثت عنه في العلن”.
وتداولت أوساط سودانية ومواقع إخبارية محلية أن غندور كان قد تقدم باستقالته في يناير الماضي وقبلها الرئيس البشير وعيّن سفير السودان في جوبا سابقًا، مطرف صديق، بدلًا منه قبل أن يتراجع غندور عن استقالته.
وتحدثت صحف معارضة عن الوزير الذي شكا مرارًا من تداخل المهام الدبلوماسية بين وزارة الخارجية وبعض المناصب الدستورية المقربة من القصر.
وكانت تلك الأوساط ذكرت أنّ غندور عزى سبب تقديم الاستقالة إلى ما وصفه بـ” تدخل مباشر” في عمله من قيادات في الدولة التي تمارس مهمات مشابهة، في إشارة إلى إسناد البشير ملف العلاقات مع مجموعة دول مجموعة “البريكس” التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وكذلك ملف العلاقات مع تركيا إلى مساعده عوض الجاز، ونفت الجهات الرسمية هذه الأنباء واعتبرتها مجرد شائعات.
اضف تعليقا