العدسة – ربى الطاهر

أعلنت حكومة ميانمار أنها أعادت أول أسرة مسلمة من أقلية الروهينجا، والتي كانت قد نزحت مع 700 ألف من الروهينجا الآخرين إلى بنجلاديش، وجاء ذلك ضمن التحضيرات التي تعدها الحكومة لإعادة اللاجئين، وسط تحذيرات من الأمم المتحدة التي أعربت عن قلقها إزاء عودة غير آمنة.

وكانت الروهينجا قد لجات إلى النزوح لبنجلاديش، عبر الحدود مع ميانمار، هربًا من تلك الحملات العسكرية الوحشية التي تعرضت لها منذ شهر أغسطس الماضي، ورأت الولايات المتحدة، والأمم المتحدة كذلك، أن ما يحدث مع أقليات مسلمي الروهينجا في ميانمار – التي تعرضت القرى الخاصة بهم بأكملها للحرق – تطهير عرقي، في الوقت الذي حاولت حكومة ميانمار نفي ذلك بادعاء أنها كانت تقاتل متطرفين إسلاميين.

وكانت السلطات قد أعدت ما أطلقت عليه “مخيم العودة إلى الوطن” الذي تقول إنها أعادت أليه أسرة مكونة من خمسة أفراد تم تأمينها من قبل الحكومة بالإمدادات المعيشية الضرورية وبطاقات الهوية.

وبذلك يعتبر أفراد هذه الأسرة – إذا صح ما ذكرته السلطات- أول مجموعة من مسلمي الروهينجا تعود إلى ميانمار منذ بداية الحرب عليهم.

وكانت حكومة ميانمار قد نشرت صورًا لخمسة أفراد تصفهم بأنهم أسرة “مسلمة” – حيث لا تستخدم الدولة وصف “روهينجا” في الإشارة إلى هذه الأقلية- وهم يتسلمون بطاقات التحقق الوطنية، والتي قد رفض تسلمها  زعماء الروهينجا في معسكرات اللجوء ببنجلاديش في وقت الأزمة، لأن تلك البطاقات لا تمنح الجنسية.

إلا أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كانت قدر حذرت من عودة  أسر الروهينجا – قبل يوم واحد من إعلان الحكومة عن إعادة هذه الأسرة – في ظل تلك الأوضاع التي لا تضمن عودة أسر الروهينجا إلى بيئة آمنة في ميانمار تستقر فيها معيشتهم وتضمن الحفاظ على كرامتهم واستمرار بقائهم في البلاد.

وأوضحت أن هذه التحذيرات جاءت بناء على تأكيدات اللاجئين في بنجلاديش أن العودة إلى ميانمار خطوة لابد أن يسبقها تحسين أوضاعهم، سواء كان ذلك على المستوى القانوني أو الأمني أو حتى حصولهم على الجنسية، بالإضافة إلى مدى الحرية الممنوحة لهم لممارسة حقوقهم الأساسية في ولاية راخين التي يستقرون بها.

تقاعس الأمم المتحدة عن نصرة الروهينجا

وفي الوقت الذي تقف فيه الأمم المتحدة لمنع عودة أسر الروهينجا إلى ميانمار، لاعتبارات الحفاظ على حقوقهم أولا، كانت في وقت سابق قد تسربت المعلومات إلى جهات إعلامية بأن الأمم المتحدة قد تقاعست عن الدفاع عن حقوق الروهينجا في ميانمار، بل إن مسؤولة الأمم المتحدة سعت لوقف مناقشة القضية الخاصة بحقوق مسلمي الروهينجا مع حكومة ميانمار، وأغلقت التحقيق العلني الخاص بهذه القضية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن رئيسة البعثة الأممية في ميانمار حالت دون زيارة مجموعة من الحقوقيين لمناطق الروهينجا الهامة، في الوقت الذي هاجمت فيه قوات الجيش المناطق التي يعيشون فيها، ما دفع ما يزيد عن 500 ألف من الروهينجا إلى الهرب لمخيمات بنجلاديش، التي تشترك معهم في الحدود بذلك الحين.

كما قامت كذلك بعزل كل من حاول الإشارة إلى احتمالية وقوع تطهير عرقي من العاملين، وظلت ريناتا لوك-ديسالين، رئيسة فريق الأمم المتحدة في ميانمار وهي كندية خلال خلال أربع سنوات قبل وقوع الأزمة تعمل على فتح المجال للحديث عن هذه القضية.

وكانت إحدى العاملات بالإغاثة، والتي كانت من المتابعين لقضية راندا قبيل جرائم الإبادة الجماعية نهاية 1993 ومطلع 1994، وتدعى كارولين فاندينابيل، قد لاحظت أوجه التشابه بين ميانمار وما حدث في رواندا، وأن هناك مؤشرات لوقوع تطهير عرقي ضد المسلمين هناك.

وشغلت كارولين منصبًا هامًّا في بعثة الأمم المتحدة إلى ميانمار، حيث تولت رئاسة مكتب ما يعرف بـ”المنسق المقيم”، وهو أعلى منصب للأمم المتحدة في البلاد في الفترة ما بين 2013 و2015، والذي شغلته فيما بعد المسؤولة الكندية ريناتا لوك-ديسالين.

وكانت الاشتباكات التي وقعت بين مسلمي الروهينجا والبوذيين في ولاية راخين في عام 2012، قد أسفرت عن مقتل وتهجير ما يزيد عن 100 ألف مسلم في مخيمات حول مدينة سيتوي، عاصمة الولاية، ومنذ ذلك الحين تحولت الاشتباكات إلى شكل دوري وتشكلت حينها مجموعة مسلحة تتبع الروهينجا لمواجهة البوذيين الذين يمنعون قوافل تسليم المساعدات للمسلمين أو يجبرونها على العودة أو يهاجمونها أحيانًا أخرى.

وهو ما أدى إلى تشكيل معضلة أمام وكالات الإغاثة، وكذلك الأمم المتحدة، حيث لا يمكن أن تؤدي دورها إلا من خلال مساعدة الحكومة والمجتمع البوذي لتوفير المساعدات الأساسية للروهينجا، وفي نفس الوقت فقد أدركت تلك المنظمات أنه لا مجال للحديث عن منح الروهينجا الجنسية فالحديث عن أية حقوق للإنسان سيؤدي إلى انزعاج البوذيين.

ولم تتوصل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى أي قرار سوى بالتخطيط  لإستراتيجية طويلة الأمد، تعتمد على التنمية طويلة المدى في راخين، آملة أن يؤدي الازدهار التنموي لتخفيض المشاحنات ما بين المسلمين والبوذيين.

وهذا الموقف لم يكن له إلا معنًى واحد بالنسبة لموظفي الأمم المتحدة، وهو وقف الحديث عن أزمة الروهينجا، وبالفعل خرجت العديد من البيانات الصحفية التي أصدرتها الأمم المتحدة عن ولاية راخين، لم تستخدم فيها كلمة الروهينجا على الإطلاق بالإضافة إلى أن حكومة بورما نفسها لا تستخدم هذه الكلمة أيضًا، بل إنها تطلق على تلك المجموعة اسم “البنجاليين”.

إستراتيجية الإنماء طويل المدى

وتسربت المعلومات من داخل الاجتماعات المغلقة رفيعة المستوى في ميانمار، والتي كانت تجريها الأمم المتحدة أنها لم تتطرق للحديث عن أية مطالبات للحكومة البورمية باحترام حقوق الروهينجا الإنسانية.

وذكرت كارولين فاندينابيل، أن فتح الحديث عن مشاكل الروهينجا أو إبداء المخاوف من حدوث تطهير عرقي  أصبح حديثًا غير مقبول، بل ومن المحرمات، وأصدرت الأمم المتحدة تقريرًا تحت عنوان “المنحدر الزلق: مساعدة الضحايا أو دعم نظم التعسف”، في عام 2015، واتضح منه أن الأمم المتحدة قد راجعت أولوياتها في راخين، فقد كان التقرير يدين الإستراتيجية التي اتبعها فريق الأمم المتحدة في ميانمار.

وقد احتوى على فقرة تقول: “تركز إستراتيجية فريق الأمم المتحدة في ميانمار، فيما يتعلق بحقوق الإنسان، تركيزًا شديدًا على أمل بسيط للغاية، وهو أن يؤدي الاستثمار الإنمائي نفسه إلى الحد من التوترات، مع إغفال أن الاستثمار في هيكل عنصري تديره جهات عنصرية فاعلة في الدولة، سيعزز على الأرجح العنصرية أكثر من تغييرها”.

كما توصلت وثائق أخرى لنفس النتائج، وطلب الأمين العام الجديد للأمم المتحدة فى نيويورك، أنطونيو جوتيريش، كتابة تقرير لفريقه من عضو سابق في الأمم المتحدة، في أبريل العام الماضي، وكشف هذا التقرير الذي حمل عنوان “إعادة تحديد موقع الأمم المتحدة” أن أداء بعثة الأمم المتحدة في ميانمار كان -كما تم وصفه- “مختلًا بشكل صارخ”.

وعقب صدور هذا التقرير، خرجت تصريحات للوسائل الإعلامية من الأمم المتحدة، أنه سيتم استبدال ريناتا لوك-ديسالين، إلا أنه  في نفس الوقت أكدت أن هذا الإعفاء من المنصب ليس بسبب أدائها.

ويذكر أن إحدى محاكم ميانمار قد قضت -منذ وقت قصير خلال هذا الشهر- بسجن سبعة جنود من الجيش، لثبوت تورطهم في مقتل عشرة من مسلمي الروهينجا.

ويعتنق أغلب الروهينجا الديانة الإسلامية، إلا أن الدولة لا تعترف بأحقيتهم في المواطنة، حيث تعتبر هؤلاء الأقلية مجرد مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش.