العدسة – معتز أشرف:

نسلط الضوء على جدوى اللقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونظيره الأمريكي في ظل إنهاء دونالد ترامب لكافة القرارات المتوقعة في النقاش لاسيما الملف الإيراني والعلاقات التجارية بين أوروبا وأمريكا وملف الصراع العربي الصهيوني ليبدو في الأفق تطلعات خاصة بـ”ماكرون”، في أن يكون رقمًا في المعادلة في الشرق الأوسط وبديلًا عن بلاد العم سام وهو ما نرصده.

نقاط الخلاف

في أول “زيارة دولة” في عهد “ترامب” منذ وصوله إلى السلطة، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في البيت الأبيض، وسط ملفات خلافية تطغى على أجواء الزيارة تجعلها تأتي في الوقت الضائع، لكن يأمل فيها “ماكرون” أن يتوصل إلى إقناع “ترامب” بعدم التخلي عن الاتفاق النووي لعام 2015، كأولوية للقاء الذي استبقه تجهيز هدايا غير تقليدية من الطرفين، تخفف من توتر اللقاء المحتمل.
إيران تأتي في طليعة النقاط الخلافية خاصة أن وزير الخارجية الإيراني لوح السبت، بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم إذا تخلت واشنطن عن هذا الاتفاق، ومواقف الرئيسين على طرفي نقيض في العديد من الملفات، من إيران إلى البيئة مرورًا بالتبادل الحر والملف السوري، إلا أنهما غالبًا ما يذكران بقاسم مشترك يجمعهما، وهو أن كليهما حقق انتصارًا انتخابيًّا لم يكن أحد يتوقعه، لكن “ترامب” لم يقدم حتى الآن أدنى تنازل في المواضيع الأساسية.

ملف الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني يهيمن على المحادثات، قبل أن يبت “ترامب” بمصيره خلال ثلاثة أسابيع، حيث تعهد الرئيس الأمريكي، خلال الحملة الانتخابية، بـ”تمزيق” هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة استمرت سنوات بهدف منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، وأمهل الجهات الموقعة الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) حتى 12 مايو لتشديد شروط الاتفاق، وإلا فهو سيطبق وعيده ويعيد فرض العقوبات على طهران، في المقابل، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، الأحد، عدم امتلاكه لخطة بديلة عن الاتفاق النووي مع طهران، وحذر من تعاظم الوجود الإيراني في منطقة الشرق الأوسط في حال انسحبت فرنسا والولايات المتحدة بشكل مبكر من سوريا، وفيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، قال “ماكرون”: “علينا ألا نبدو أبدًا ضعفاء” أمام “بوتين”.

ومن الاستحقاقات الهامة أيضًا، والتي تثير الكثير من التوتر بين ضفتي الأطلسي، مسألة قرار إعفاء دول الاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية على الصلب، والذي تنتهي مدته في الأول من مايو، أما بالنسبة لسوريا، فإن واشنطن ولندن وباريس نسقت ضربات عسكرية ردًّا على هجوم كيميائي مفترض في دوما قرب دمشق، اتهم نظام الرئيس بشار الأسد بتنفيذه، وتباهى الرئيس الفرنسي عندها بأنه “أقنع” الرئيس الأمريكي بـ”البقاء لفترة طويلة” في سوريا، وهو ما نفاه البيت الأبيض بعد ساعات مذكرًا بأن “ترامب” ما زال متمسكا بـ”عودة القوات الأمريكية إلى البلاد في أسرع وقت ممكن”، أما بالنسبة إلى اتفاق باريس حول المناخ الموقع في 2015، والذي كان “ماكرون” لا يزال يأمل في الخريف في إقناع “ترامب” بالعودة إليه، فيبدو أنه لم يعد في طليعة الاهتمامات.

أزمة إعلان القدس، لها تواجد بحسب البعض، خاصة أن “ماكرون”، أكد في وقت سابق أن قرار نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، كان خطئًا حقيقيًّا؛ لأنه لم يسهم في حل المشكلات القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

تطلعات “ماكرون”

وبغض النظر عن نجاحه في إقناع “ترامب” بأي شيء، فإنه منذ تنصيبه رئيسًا لفرنسا يعمل “ماكرون” على تصدير الحلبة الدولية لنشاطه للداخل الفرنسي والخارج أيضًا، حيث أعلنها بوضوح: “إن العالم بحاجة إلى بلاده أكثر من أي وقت مضى”، وهو ما يفسر بحسب البعض تحركه السريع لحضور أقوى في نزاعات الشرق الأوسط، وبحسب صحيفة دويتشه فيله الألمانية البارزة، فإنه مع صعود إيمانويل ماكرون إلى رئاسة فرنسا تزايد هذا الحضور، من خلال زياراته وتحرّكاته الكثيفة، وهو ما ظهر في حل الأزمة التي واجهها لبنان، بعد إعلان رئيس حكومته سعد الحريري الاستقالة بشكل مفاجئ من العاصمة السعودية الرياض، انتهاء بمشاركته في الضربة الثلاثية لسوريا بسبب الأسلحة الكيماوية، كما اعتمد “ماكرون” لغة مغايرة تمامًا عمّا عُرف به سلفه فرانسوا أولوند من تحفظ، ففي أول حضور له في الأمم المتحدة، وصف “ماكرون” الرئيس السوري بشار الأسد بأنه “مجرم”، كما تحدث عن أن فرنسا ستكون “صوت الضعفاء”، وأن عليها الاعتراف بـ”مسؤوليتها عن غياب النظام في ليبيا، وبالتالي، عليها الآن المساهمة في البناء”.

“ماكرون” منذ اللحظة الأولى كذلك خلال سباق الرئاسيات، أحدث حضورًا بارزًا في الجدل الدولي بقوله إن “الاستعمار الفرنسي للجزائر يعدّ جريمة إنسانية”، كما أنه عقب توليه زمام السلطة، كان “ماكرون” أول مسؤول يعلق على الاحتجاجات في شمال المغرب من القصر الملكي، عندما أجاب على سؤال بالقول: “إن الملك محمد السادس مُنشغل بالاحتجاجات التي تجري في منطقة الريف”، كما رعى “ماكرون” لقاءً بين الزعيمين الليبيين خليفة حفتر وفايز السراج، تمخض عنه أول اتفاق بينهما على وقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات، ثم جاءت تحركاته إبان الأزمة الخليجية، قبل أن ينتقل التوتر إلى لبنان ويتدخل فيه.

بديل أمريكا

“ماكرون” سعى بقوة إلى أن يكون بديلًا لأمريكا في أكثر من مكان، وعمل على توطيد علاقات بلاده مع الكثير من الدول حول العالم منذ وصوله للسلطة، حيث قام بجولات في إفريقيا وآسيا، خاصة منطقتي الشرق الأوسط والساحل الإفريقي حيث الحروب الأهلية وحروب مكافحة الإرهاب لا تزال قائمة منذ سنوات عديدة، وخلال 2016 و2017، كانت فرنسا مصدرًا رئيسيًّا لصادرات السلاح للدول العربية على الأخص مصر ودول الخليج العربي، وحرب اليمن القائمة منذ أكثر من ثلاث سنوات كانت ساحة أخرى حاولت فيها فرنسا بسط قرارها، ووفق البعض يمكن قراءة تطلعات “ماكرون” كذلك في سياق لفت أنظار الداخل الفرنسي دائمًا إلى الخارج والحلبة الدولية، وهو ما أكدته إذاعة مونت كارلو، مشيرة إلى أن “ماكرون” مصمم على مواصلة مشروع الإصلاح الاقتصادي الداخلي، ويعيد دور فرنسا إلى الحلبة الدولية، فرغم الخلافات الاجتماعية التي تشهدها البلاد ازدادت شعبية الرئيس الفرنسي وسجل ارتفاعًا بنسبة 3% في أبريل 2017، بحسب ما أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “بي في آ”

مراقبون يرون أن التحركات الفرنسية ونشاطها على الساحة الدولية تأتي استغلالًا لتراجع الدور الأمريكي وانسحابه رويدًا رويدًا من قضايا المنطقة، بل فقدان واشنطن دور الوسيط في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف بلاده بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو ما جعل “ماكرون” يفكر بجدية أن يجعل “فرنسا تريد أن تلعب دورًا مختلفًا عن الدور الذي تلعبه أمريكا”.

وبحسب وكالة الانباء الفرنسية الرسمية، فقد اتسمت العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا على مر عقود من الزمان بالتقارب والتحالف في بعض الأحيان وبالتعارض في أحيان أخرى، كما قال الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عام 1995: “العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا كانت وستظل دائمًا متعارضة وممتازة”، وهي مقولة لا تزال صالحة بعد أكثر من عشرين عامًا، كما أن الرئيسين اللذين سبق أن اجتمعا مرات عديدة، تربطهما علاقات جيدة رغم الخلافات الكثيرة، ووفق مراقبين، فإنه بوسع إيمانويل ماكرون أن يأمل في تغيير مواقف دونالد ترامب في كل هذه الملفات، غير أن النتائج الملموسة كانت محدودة جدًّا حتى الآن.