العدسة _ ربى الطاهر

أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إعلانها عن فوز المصور الصحفي المصري محمود أبو زيد، وهو الآن قيد الاعتقال، جائزة اليونسكو الدولية لحرية الصحافة لعام 2018.

وكان المصور الصحفي محمود أبو زيد، والمعروف باسم “شوكان”، قد تعرض للاعتقال من قبل السلطات المصرية، في 14 أغسطس 2013، أثناء تغطيته لأحداث فض اعتصام أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بمحيط مسجد رابعة العدوية، وهو حتى الآن لا يزال في أحد السجون المصرية.

وعلى الرغم من تصريح ماريا ريسا، رئيسة اللجنة المسؤولة عن اختيار الفائز بالجائزة، بأن ترشيح “شوكان” لنيل الجائزة إنما اعتمد بالأساس على تقديرات خاصة بشجاعته ومقاومته والتزامه بحرية التعبير، فإن الخارجية المصرية أبدت استياءها من هذا الاختيار لـ”شوكان” المتهم في “جرائم جنائية”، ورأت في الترشيح “استخفافًا بدولة القانون وتسيسسًا للمنظمة الدولية”!.

إلا أن “اليونسكو” لم تعدل قرارها، وأعلنت تثبيت اختيارها لمحمود أبو زيد، الذي ستمنحه الجائزة، والتى تقدر بـ 25 ألف دولار، في الثاني من مايو، حيث الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة.

كما أصدرت المنظمة الأممية بيانًا أوضحت فيه أن اللجنة التي تشرف على التحكيم مؤلفة من عدد من الإعلاميين على مستوى العالم، وهي لجنة مستقلة، ووقع اختيارها على “شوكان” لكي يحصل غلى الجائزة التي خصصتها لحرية الصحافة خلال هذا العام، وأضاف البيان أن الفريق المكون للجنة التحكيم وصف احتجاز “شوكان” بأنه “تعسفي”.

ووصفت رسالة نشرها مصور صحفي زميل له على مواقع التواصل الاجتماعي، مدى الإحباط الذي وصل إليه “شوكان” -المصور الصحفي في وكالة “ديموتكس”- كان قد أرسلها له وتم تداولها بعد خبر منحه الجائزة قال فيها وهو تحت الاعتقال من قبل السلطات المصرية: “إن اليأس قد توغل إلى كرات دمي الحمراء ووصل إلى كبدي”.

وأعلنت المنظمة أنه سيتم تسليم الجوائز في يوم 2 مايو، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وستمنح الجوائز للأشخاص أو المنظمات أو المؤسسات التي قامت بدور بارز تجاه قضية حرية الصحافة والدفاع عنها، وتصل قيمة الجائزة إلى 25 ألف دولار.

الخارجية تعرب عن أسفها

وكانت الخارجية المصرية قد زعمت أن المصور الصحفي محمود أبو زيد الشهير بـ”شوكان”، المرشح للجائزة متهم في قضايا تحمل الطابع الجنائى، وهو ما أثار استياءها، حيث إن هذه القضايا لا علاقة لها بأية دوافع سياسية مثلما يعتقد البعض، ولا علاقة لها بمهنة الصحافة أو حرية التعبير.

وصرح بذلك المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، الذي أعرب عن أسفه الشديد حيال اعتزام منظمة “اليونسكو” منح المدعو محمود أبو زيد جائزة دولية لحرية الصحافة، وقال إن “شوكان” متهم في أعمال إرهابية وجرائم جنائية، وقال إن منها جرائم القتل العمد، والشروع في القتل، والتعدي على رجال الشرطة والمواطنين، وإحراق وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة.

ولم تكتف الخارجية المصرية بالتعبير عن استيائها لمنح “شوكان” الجائزة، بل إنها كما ذكر “أبو زيد” قامت بتكليف مندوب مصر الدائم لدى “اليونسكو” في باريس، بتسليم ملف خاص بـ”شوكان” إلى سكرتارية المنظمة، يضم كافة الاتهامات المنسوبة إليه، واتهم كذلك منظمة “اليونسكو” بعدم الحيادية لاختيارها تكريم شخص متهم بارتكاب أعمال إرهابية وجرائم جنائية وخاصة!.

وأوضح أن تحريات الوزارة أشارات إلى أن عددًا من المنظمات غير الحكومية هي من يقف وراء ترشيح “شوكان” لاستحقاق الجائزة، واتهم دولة قطر في تحريك هذه المنظمات، والتي اشتهرت بالدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين، معلقًا على ذلك بقوله: “لم يكن من المتصور أو المقبول أن تتورط منظمة في مكانة ووضعية “اليونسكو” في تنفيذ أجندة دول بعينها، وأن تقع أسيرة لفخ التسييس والمحاباة والانجراف بعيدًا عن ولايتها ورسالتها، خاصة وأنها النافذة الثقافية والواجهة الحضارية للعالم”.

وحاول التأكيد على تحويل “اليونسكو” مسارها وتورطها في التسييس في واقعة أخرى تخص الجائزة أيضًا خلال هذا الشهر، عندما أصدر وزير التعليم العالي ومندوب مصر الدائم لدى “اليونسكو”، يوم 9 أبريل الجاري، بيانًا خاصًّا بهذا الأمر حذر فيه “اليونسكو” من التدخل في قضايا سياسية، وهو الأمر الذي يتنافى مع المبادئ التي أنشئت من أجلها المنظمة، ملمحًا إلى ذلك التعاون بين سكرتارية المنظمة وبعض الجهات الغير حكومية، ووصفتها الخارجية بأن بعضها مدرج على قوائم المنظمات الإرهابية، وادعت أن ذلك بدون موافقة من الدول الأعضاء، وكذلك دون التدقيق في هوية هذه الكيانات.

كما حاول المتحدث النيل من نزاهة المؤسسة بالتشكيك في أحداث عملية انتخاب مدير عام المنظمة في أكتوبر الماضي، قائلًا إنه تمت ممارسة أساليب لم تكن مناسبة من منظمة تتخذ من مبادئ التربية والعلوم والثقافة منهجًا وسبيلًا- على حد تعبيره- وأضاف أن منظمة “اليونسكو” بحاجة إلى أن تراجع أسلوب عملها بشكل كامل في المرحلة القادمة، مشيرًا إلى الرئيس الجديد للمنظمة، وقال إن مصر لن تسير خلف أية جهة إلا بعد التدقيق في المقترحات والأفكار فيما هو مطروح.

حبس “شوكان” مخالف للقانون!

أما كريم عبدالراضي، محامي “شوكان”، فقد نفى ما جاء في بيان الخارجية فيما يخص “شوكان” قائلًا، إن ما ذكرته الخارجية إنما هو استباق لما سيحكم به القضاء.. وبدلًا من أن تفخر الخارجية المصرية بأحد أبنائها الذين حصلوا على جائزة عالمية فهي تصر على اتهامه بجرائم ارتكاب العنف!.

وأضاف عبدالراضي: بدلًا من التشكيك في المنظمة الأممية كان من الأفضل مراجعة موقف “شوكان” الذي تعرض للظلم، وظل تحت الحبس الاحتياطي لمدة تتجاوز الخمس سنوات بما يخالف القانون المصري، الذي حدد أقصى مدة للحبس الاحتياطي بما لا يزيد عن السنتين، مؤكدًا أن “شوكان” لا يدينه في هذه القضية أي دليل، مضيفًا أن هناك قاعدة قانونية تقول: ” إن المتهم بريء حتى تبث إدانته”.

وأبدى “عبدالراضي” تعجبه من اعتراض الداخلية على حصول “شوكان” على الجائزة، ليس لشيء سوى لكونه متهمًا في قضية مسجون فيها احتياطيًّا لمدة خمس سنوات، لم يصدر فيها حكم.

وتفيد منظمات المجتمع المدني المحلية، أن عدد الصحفيين الذين واجهوا الحبس على خلفية تُهَمٍ عديدة ملفقة في الكثير من الأحيان، قد ازداد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وتواجه مصر العديد من الانتقادات في هذا الشأن، حيث يصل ترتيب مصر في القائمة التي أعدتها منظمة “مراسلون بلا حدود” في 2017 بالترتيب رقم 161 من بين 181 دولة، وتشير تلك المنظمة إلى أن هناك 31 صحفيًّا على الأقل معتقلا بالسجون المصرية.

كما جاء في تقرير للجنة حماية الصحفيين، أن مصر احتلت المركز الثاني بعد الصين في قائمة أعلى الدول التي يسجن بها أعداد من الصحفيين، حيث تم إحصاء 23 صحفيًّا مسجونًا بها حتى نهاية ديسمبر 2015.

وعلى الرغم من التصريحات الرنانة التي يصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي، بأن مصر تشهد حرية إعلام غير مسبوقة، والنفي الدائم لوجود أية ضغوط تمارس على حرية التعبير، فإن العديد من المنظمات الحقوقية تتهم نظام الرئيس السيسي باضطهاد كافة أطياف المعارضة ومحاولة إسكاتها، بل والقضاء على حرية الرأي والتعبير.

ويذكر أن النيابة العامة طالبت بتنفيذ أقصى عقوبة لعدد يصل إلى 700 متهم في هذه القضية، ومن بينهم “شوكان” وهي “الإعدام شنقًا”، حسبما أفادت منظمة “مراسلون بلا حدود”، مما استدعى تنظيم حملة تضامن معه تم إطلاقها في العاشر من أبريل.