العدسة – معتز أشرف:
سقط الديكتاتور سيرج سركيسيان، حليف روسيا في أرمينيا بحراك شعبي لم يتوقف بعد مراوغة بقايا حكومة المخلوع للمحتجين الذين يقودهم النجم الصاعد في سماء العاصمة يريفان، نيكول باشينيان، ما جعل السلطات الأرمنية التي حاولت المزايدة بورقة أحداث 1915 في آتون الغضب ضدها في مواجهة تركيا فسقطت في دوامة غضب لا ينتهي، نرصد مشاهدها.
التصعيد مستمر!
في تطور لافتٍ عقب استقالة رئيس الوزراء الأرمني سيرج سركيسيان من منصبه الاثنين على خلفية احتجاجات المعارضة على انتخابه رئيسًا للحكومة من قبل البرلمان، والتي استمرت 10 أيام، أعلنت المعارضة في أرمينيا عن إلغاء المفاوضات مع الحكومة التي كان من المقرر أن تجري الأربعاء؛ حيث كان من المقرر إجراء مفاوضات بين القائم بأعمال رئيس الوزراء الأرمني كارين كارابيتيان وقائد الاحتجاجات، البرلماني المعارض نيقول باشينيان، وطالبت المعارضة مناقشة انتخاب “مرشح من الشعب” في منصب رئيس الوزراء، وتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ما أشعل التظاهرات بكثافة مرة أخرى، ليردّ رئيس جمهورية أرمينيا أرمين سركيسيان في بيان قال فيه إنَّه سيبدأ مشاورات من اليوم 25 أبريل مع ممثلين عن القوات البرلمانية والقوات غير البرلمانية لمناقشة الوضع في أرمينيا وسبل الحلول، حسبما ذكره المكتب الرئاسي.
ودخلت الأزمة السياسية في أرمينيا منعطفًا جديدًا، بحسب مراقبين، الأربعاء مع مشاركة آلاف المتظاهرين في احتجاجات جديدة غداة اتهام نيكول باشينيان الحزب الحاكم برفض التفاوض في انتقال للسلطة، وسط تحذيرات من قيادات الحراك من إمكانية الاشتباك مع السلطات إذا لم يتم التوصل لحل الأزمة بسرعة، كما أكّد المسؤول في حزب “المعاهدة المدنية” المعارض تيجران أفينيان أن “المفاوضات يمكن أن تدور فقط حول تلك المسائل التي تم الإعلان عنها، وعلى جدول الأعمال انتقال السلطة”، مضيفًا أنّه “لا يمكن التفاوض حول أي أجندة أخرى”، فيما دعا رئيس الوزراء بالنيابة كارين كرابيتيان، إلى الوحدة بعد الاضطرابات السياسية، مؤكدًا أنّه “لن يكون هناك ثأر سياسي” فيما يتعلق بسركيسيان.
مشيرًا إلى أنّ إلغاء المفاوضات المتفق عليها جاء بعد أن قدم زعيم المعارضة “مطالب جديدة” بخصوص المباحثات المقترحة قائلًا: “هذه ليست مفاوضات أو حوار، لكنه (باشينيان) ببساطة يروِّج لأجندته الخاصة”.
واتهم المحتجون سركيسيان الذي أنهى لتوِّه ولايته الرئاسية الثانية، بالتمسك بالسلطة من خلال حمل النواب على انتخابه رئيسًا للوزراء، وفيما يمنع الدستور الرئيس من شغل أكثر من ولايتين، حمل سركيسيان النواب على التصويت في 2015 على إصلاح مثير للجدل يمنح رئيس الوزراء صلاحيات موسعة.
وفي السياق نفسه قالت الهيئة العليا للحزب الاتحاد الثوري الأرمني- الطاشناك في أرمينيا في بيان لها “من الضروري تشكيل جدول أعمال سياسي مع الحوار وتشكليل جدول زمني للإصلاحات السريعة وخارطة طريق للبلاد، مع مواصلة الطبيعة السلمية للحركة الشعبية في موازاة ذلك، ومع مراعاة ضرورة إقامة حياة طبيعية في البلاد يجب أن تستمر الحركة الشعبية لمنع أي تدخل خارجي في حياتنا الداخلية وتوفير الظروف لحل المشاكل القائمة في الساحة السياسية”.
النجم الصاعد
زعيم المعارضة في أرمينيا، نيكول باشينيان بات النجم الأول في المشهد السياسي الأرميني، يبلغ من العمر (42 عامًا)، وهو صحفي سابق ومعارض منذ فترة طويلة ونائب وقبع في السجن فترة قصيرة بعدما شارك في حركات احتجاج ضد سيرج سركيسيان في 2008 وأسفرت عن 10 قتلى، وبناء على دعوة باشينيان، تواصلت التظاهرات في الأيام العشرة الأخيرة، واحتشد عشرات الآلاف من الأشخاص أيضًا في ساحة الجمهورية في وسط العاصمة، قبل وغداة فشل الحوار.
باشينيان كشف أوراقه المستقبلية سريعًا الثلاثاء باستعداده” لقيادة البلاد، عقب استقالة رئيس الوزراء، سيرج سركيسيان..
وقال ردًا على سؤال خلال مؤتمر صحفي، عما إذا كان مستعدًا لتولي قيادة الحكومة: “نعم بالطبع نحن مستعدون لقيادة البلاد، إذا كلفني الناس بهذه المسؤولية، فإنني مستعد لتحمل المسؤولية”، كما دعا باشينيان إلى انتخابات برلمانية مبكرة “في أقرب وقت ممكن (…) خلال شهر أو اثنين”.
وخلال هذا المؤتمر الصحفي الأول منذ انتصار حركة الاحتجاج، دعا زعيم المعارضة باشينيان الذي تحدث بالروسية والإنجليزية إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع روسيا، “الدولة الشقيقة، وقال: “لكن إذا قال أحدهم إنني موالٍ للغرب أو مؤيد لروسيا فسيكون هذا خطأ، أنا مؤيد للأرمن”.
وبقيادة باشينيان سار آلاف المتظاهرين عبر وسط يريفان الأربعاء احتجاجًا على عدم رغبة الحزب الجمهوري الحاكم في تسهيل انتقال السلطة بعد تنحي سركيسيان من منصبه الجديد في مطلع الأسبوع، وظهر باشينيان بقميصه المميز باللون الكاكي حاملًا مكبر صوت، فيما ردَّد المحتجون “ميكول رئيسًا للوزراء” و”نحن أسياد بلادنا”.
وقال باشينيان، إنَّ الحزب الجمهوري الحاكم لا يرغب في تسليم السلطة، داعيًا أنصاره إلى مزيد من الاحتجاجات، وأكد في فيديو بالبثّ الحي مساء الثلاثاء “لا يمكننا السماح للحزب الجمهوري بمواصلة حكم البلاد”، واتهم السلطات بمحاولة الدفع بمرشح للحزب الجمهوري لشغل منصب رئيس الوزراء، محذرًا من أن المعارضة ستقاطع انتخابات برلمانية مبكرة في هذه الحالة.
ترقب ومطالب
المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أعرب عن أمل الكرملين في الحفاظ على الاستقرار السياسي الداخلي في أرمينيا، بعد الإطاحة بحليفه الأبرز سركسيان، فيما رفض بيسكوف مقارنة الأحداث في أرمينيا بالأحداث التي شهدتها أوكرانيا، مشيرًا إلى أنَّ الحالتين مختلفتين تمامًا قائلًا: “أنا لا أقارن؛ لأنَّ الحالة مختلفة تمامًا، بالطبع سيترتب علينا تحليل الوضع، وأكرر مرة أخرى، نحن نراقبه عن كثب”.
وأضاف بيسكوف، أن “الكرملين يأمل أن يتم الاتفاق بين مختلف القوى السياسية في أرمينيا، وأن تتضح تركيبة القوى السياسية في هذا البلد في المستقبل القريب، وحتى الآن نحن نرى أنَّ الوضع، فلنقل، لا يسير بأي شكل في طريق زعزعة الاستقرار، ما يدعو إلى الرضى. بالأمس قلنا إنَّ كل ما يحدث في يريفان هو شأن داخلي يخص أصدقاءنا الأرمن، ولكن نأمل في الحفاظ على النظام والاستقرار، وأن تتضح في المستقبل القريب، الخطوط العريضة للتركيبة السياسية التي ستكون محل توافق لكل القوى السياسية التي تمثل الشعب الأرمني”.
وفي باكو، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأذربيجانية، حمكت قادجيف: إنه بعد “رحيل الديكتاتورية العسكرية لسيرج سركسيان”، فإن باكو تأمل في “موقف بنّاء” من الحكومة المستقبلية بشأن حقها في إقليم قره باخ المنطقة التي احتلتها أرمينيا ضمن 20% من الأراضي الأذرية، والتي تضمّ إقليم قرة باغ، وسبعة ولايات مجاورة منذ عام 1993، وهو الموقف التركي الذي يؤكّد أن تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا لا يتحقق إذا لم يتحرر إقليم قرة باغ الأذربيجاني المحتل من قبل أرمينيا.
من جانبها أعلنت الخارجية الألمانية، أنها تتابع تطورات الوضع في أرمينيا بعناية فائقة وبقلق متزايد، وأضافت أنّ الشعب الأرميني يمارس حقه في التظاهر السلمي وحريته في التعبير، وأنّه يتعين على السلطات الحكومية توفير المجال لهم، مؤكدةً أن الحكومة الأرمينية يقع على عاتقها التصرف بشكل معتدل ومتوازنٍ في حالات انتهاك القوانين فزيادة التوتر لن تنفع أيًا من الطرفين، كما أصدرت السفارة الأمريكية في أرمينيا بيانًا حول الاضطرابات المستمرة في يريفان شجعت فيه الشرطة والمتظاهرين على الالتزام بالوسائل السلمية والقانونية لحرية التجمع كما هو منصوص عليه في الدستور الأرميني، مؤكدة أنَّ الحل السلمي يتطالب إجراء حوار سياسي مفعم بحسن نية”.
فقر وفساد
أرمينيا هي ثاني أكبر دولة من حيث الكثافة السكانية من الجمهوريات السوفيتية السابقة، بسبب صغر حجمها، وتبلغ نسبة البطالة في أرمينيا حتى العام الماضي 18%.
وتقول المعارضة، إن نحو 290 ألف شخص غادروا البلاد منذ تولي سركيسيان السلطة العام 2008، وتوصف بأنها بلد فقير في تقارير متواترة، التي تشير إلى زيادة معدلات الفقر والفساد، في ظلّ سيطرة مجموعات قليلة على اقتصاد البلاد، فضلًا عن أن العلاقات الوثيقة في الأوساط السياسية والتجارية تثير مخاوف بشأن المحسوبية والتأثيرات لا المسوغ لها، وفي 2015 رفضت الحكومة الأرمينية التراجع عن قرار مثير للجدل بزيادة تسعيرة الكهرباء، ما أثار موجة غضب في البلاد التي يبدو أنها في 2018 علي مشارف إجبار الحكومة الأرمينية على ما فشلت فيه في عام 2015.
اضف تعليقا