العدسة – معتز أشرف:

بالتزامن مع احتفاء مصر بعيد تحرير سيناء، كشف تقدير موقف حديث للمرصد السياسي التابع لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى -المعبر عن السياسات الأمريكية في المنطقة، كتبه اللواء (المتقاعد) شلومو ‘سامي’ ترجمان، زميل عسكري زائر في معهد واشنطن، والقائد السابق للمنطقة الجنوبية في “جيش الدفاع الإسرائيلي”- عن وجهة نظر الكيان الصهيوني بحق سيناء، ورؤيتها للفترة المقبلة، والمفاجأة المدوية والخطيرة، أنه تحدث عن الجيش المصري كقوات عدو، وأوصى بضرورة استمرار النظام المصري في الحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل على الدول المجاورة.

المعضلة الأمنية

وصف تقدير الموقف الصهيوني، الذي وصل (العدسة)، جيش مصر بـ”العدو”، قائلا في معرض تناول للمعضلة الأمنية: “بالإضافة إلى ملاءمة منطق بَلَد مهدد من قبل قوات برية تابعة للعدو، فإن تجريد سيناء من السلاح قد عزز أيضًا قدرة إسرائيل على الدفاع ضد الصواريخ والقذائف، وبطبيعة الحال، استمر الجيش المصري في تطوير قدراته الصاروخية على مر السنين، لذلك فإن وجود منطقة محظورة ضخمة تبلغ مساحتها 61 ألف كيلومتر مربع يشكل حاجزًا مهمًّا ضد هذا التهديد المحتمل، مما يحسن من قدرة “الجيش الإسرائيلي” على اعتراض الصواريخ القادمة إذا ما اندلعت أعمال عدائية، وباختصار، شكّل الجيش المصري مَصْدر القلق الأمني الرئيسي لإسرائيل على حدودها الجنوبية بعد الاتفاقات، وبالتالي، فإن تجريد سيناء من السلاح كان حلًّا جيدًا، كما أن هذه المقاربة مكّنت إسرائيل من خفض حجم قواتها وميزانية دفاعها بشكل كبير، نسبة إلى “الناتج المحلي الإجمالي””.

تقدير الموقف سلط الضوء أيضًا على المعضلة الأمنية في سيناء، بحسب وجهة النظر الصهيونية، حيث أكد أنها معضلة أوسع نطاقًا من أي تصور، وبدأت إسرائيل التصدي لها قبل أن يدخل تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى مسرح الأحداث، مشيرًا إلى مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، في فبراير الماضي، حيث كتب ديفيد كيركباتريك، أن إسرائيل نفّذت مائة ضربة على الأقل، ضد عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء منذ عام 2015، فضلًا عن أنه ينظر إلى “سيناء” كمطقة عازلة مؤكدًا أنه منذ العصور القديمة، شكلت سيناء منطقة عازلة تفصل مصر عن الشعوب التي تعيش شرقها بحسب زعمه، حيث احتل “الجيش الإسرائيلي” شبه الجزيرة خلال “حرب 1967″، الأمر الذي وفّر عمقًا إستراتيجيًّا لبلد صغير محاط بأعداء، بحسب وصف التقدير الصهيوني، في حين أنه عندما التقى المفاوضون لإجراء محادثات سلام في “كامب ديفيد” عام 1978، بعد خمس سنوات من حرب أكتوبر، أصرت إسرائيل على حل قضايا الأمن القومي قبل موافقتها على إعادة شبه الجزيرة إلى السيادة المصرية.

وَوفقًا للملحق الأول من “اتفاقيات كامب ديفيد”، بحسب التقدير، تم إنشاء نظام من الترتيبات الأمنية، الأمر الذي مكّن إسرائيل من الانسحاب من سيناء دون تعرضها لمخاطر جسيمة، كما تم وضع قيود شفافة على الأنشطة العسكرية المصرية وعمليات الانتشار في المنطقة، وكان الأساس المنطقي واضحًا وهو أنه إذا ما تغيّر موقف القاهرة تجاه إسرائيل نحو الأسوأ، فسوف تستمر سيناء في تشكيل حاجز بين القوات المصرية والحدود الإسرائيلية، وإذا ما أرسلت القاهرة أية قوّة برية كبيرة أو طائرات مسلحة إلى شبه الجزيرة، فإن ذلك سيشكل انتهاكًا واضحًا للاتفاقات، وسينذر بنوايا عدوانية، وإذا ما اندلعت الحرب، فسوف تكون خطوط الإمداد المصرية الطويلة في سيناء معرّضة لهجمات خاصة من قبل “سلاح الجو الإسرائيلي”، ومن أجل وضع التجريد من السلاح موضع التنفيذ، اتخذت الولايات المتحدة إجراء استثنائيًّا بتأييدها نشر قوات دولية دائمة في شبه الجزيرة عام 1982، وقد عُرفت تلك القوات باسم «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين»، وكُلّفت بمراقبة الوجود الأمني المصري في سيناء لضمان الامتثال للاتفاقيات، وما زالت «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» قائمة وتواصل عملها حتى يومنا هذا.

التمرد الجهادي

وتحت وصف “التمرد الجهادي” أضاف تقدير الموقف، أن عقودًا من التمييز السياسي والاقتصادي والاجتماعي لحكومة “مبارك” أدت إلى خلق أرض خصبة للتطرف في سيناء، حيث استغلت المنظمات الإرهابية تدريجيًّا استياء السكان من السلطات لتحقيق أهدافها الخاصة، بحسب التقدير الذي أضاف أنه خلال العقد الماضي، عانت شبه الجزيرة من سلسلة من الهجمات الإرهابية الملفتة للأنظار، وفي الآونة الأخيرة، وخلال ما يسمى بـ”الربيع العربي”، دخلت ثانية الاضطرابات المناهضة للحكومة إلى شبه الجزيرة، في حين جددت الجماعات والعصابات الإرهابية عملياتها، وبسبب تدفق الأسلحة – التي يُزعم أنها هُرّبت من ليبيا في حقبة ما بعد “القذافي” – تطورت أهم هذه الجماعات، «أنصار بيت المقدس»، بسرعة إلى فرع محلي لتنظيم «القاعدة»، ثم أصبحت لاحقًا «ولاية سيناء»، أو تنظيم «الدولة الإسلامية ولاية سيناء»، وسرعان ما أصبح العنف في سيناء يهدد استقرار مصر بأسرها، حيث كانت البلاد في خطر فعلًا بعد اندلاع الثورة عام 2011 والإطاحة بـ”مبارك”، وبالتزامن مع الاضطرابات في شبه الجزيرة، بدأت الهجمات تزداد في وادي النيل أيضًا، ومنذ ذلك الحين، وضع تنظيم «الدولة الإسلامية ولاية سيناء» القيام بعمليات ضد الحكومة المصرية على رأس أولوياته، حيث ركز هجماته على ثلاثة أنواع من الأهداف: المسؤولين المدنيين وأفراد الأمن في سيناء، والسكان المحليين الذين يعارضون أنشطة التنظيم، والأهداف الإستراتيجية التي تؤثر على اقتصاد مصر، ونتيجةً لذلك، استمر تدهور الوضع في سيناء.

وأوضح تقدير الموقف الذي كتبه القائد السابق للمنطقة الجنوبية في “الجيش الإسرائيلي”، أنه في الوقت نفسه، أظهر تنظيم «الدولة الإسلامية ولاية سيناء» مرارًا نواياه المعادية لإسرائيل، رغم أن أهدافه الرئيسية – والغالبية العظمى من عملياته – لا تزال تُركز على إلحاق الأذى والضرر بمصر، وقد بقي هذا هو الحال حتى وسط الضربات الإسرائيلية العديدة التي تم وصفها في مقالة كيركباتريك في صحيفة “نيويورك تايمز”، وإذا كانت التقديرات المتعلقة بهذه الضربات صحيحة، فمن المعقول أن نفترض أن قادة تنظيم «الدولة الإسلامية ولاية سيناء» يدركون الدور المتنامي لـ”الجيش الإسرائيلي” في سيناء، لكنهم لم يغيروا حتى الآن سياستهم تجاه إسرائيل.

وأبرز التقدير اتجاهين حديثين يشكلان تحديًا خاصًّا لـ “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل، وهما: اقتناء القاهرة أسلحة متطورة من الخارج، وليس فقط من الولايات المتحدة، وتوقيع صفقات الأسلحة الأمريكية مع دول أخرى في الشرق الأوسط إلى أبعاد هائلة، فمهما كانت الأغراض الجغرافية الإستراتيجية الأوسع لمثل هذه المبيعات، فإنها تهدد “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل.

المأزق والتوصيات

ووفق التقدير، قامت إسرائيل بالموافقة على تعديلات مؤقتة على الترتيبات الأمنية لـ”اتفاقات كامب ديفيد”، ولم ينف ما قاله محلّلون غربيون أن القاهرة في المقابل منحت “الجيش الإسرائيلي” الحرية المطلقة لاستهداف المقاتلين في سيناء بواسطة طائرات مأهولة وغير مأهولة، وعلى الرغم من أن مساعدة القاهرة هو أمرًا في غاية الأهمية، إلا أن هذا الهدف لا يلغي المفهوم الأمني الأساسي الذي تستند إليه اتفاقية “كامب ديفيد” والملحق العسكري، أي الحفاظ على سيناء كحاجز منيع ضد أية أعمال عدائية مستقبلية من مصر، وقد أوضحت الأحداث الثورية خلال “الربيع العربي” – ولاسيما اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة عام 2011، وما أعقب ذلك من انتخاب مصر لحكومة «الإخوان المسلمين» بعد بضعة أشهر – مدى عدم استقرار الوضع، ومدى أهمية إبقاء شبه الجزيرة مجردة من السلاح على المدى الطويل بحسب التقدير.

وبالتالي، تشكّل سيناء معضلةً للسياسة الإسرائيلية؛ فمن جهة، ينبغي توفير أكبر قدر ممكن من المساعدة للقاهرة لإعادة ترسيخ سيادتها ومنع الصدمات المزعزعة للاستقرار، ومن جهة أخرى، يؤدي القتال المستمر إلى احتمال قيام عدم استقرار، لذلك يجب أن تكون إسرائيل مستعدة لأي سيناريو، ومن ثم، فبمجرد إلحاق الهزيمة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية ولاية سيناء»، يتعين على إسرائيل أن تطالب القاهرة على وجه السرعة بأن تقلل من انتشارها العسكري في سيناء إلى حدٍّ يقارب ما هو منصوص عليه في “اتفاقات كامب ديفيد”.

أما بالنسبة لمسار العمل الذي تنتهجه إسرائيل وفق التقدير، فإن معضلة سيناء تتطلّب سياسةً متوازنة وحذرة على المدى القريب، لذا يتعين على إسرائيل وحلفائها التركيز على هدفين رئيسيين؛ إعادة التجريد من السلاح إلى شبه الجزيرة، من خلال هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية ولاية سيناء»، والحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل على الدول المجاورة، وهو ما تحتاج القاهرة لتحقيقه إلى مساعدة تحالفٍ دولي واسع للتغلّب على تنظيم «الدولة الإسلامية ولاية سيناء»، لذا يتعين على إسرائيل والبلدان التي تشاطرها الرأي أن تقوم بتجهيزها بالأدوات المناسبة لهذه المهمة عبر ثلاث أدوات وهي الجهود الدفاعية، والجهود الهجومية بنهج استباقي يتضمّن عمليات هجومية مستمرّة من قبل وحدات خاصة تستند إلى استخبارات دقيقة مع الجهود الاستخبارية، وجهد أكبر لتحسين مستويات معيشة سكان شبه جزيرة سيناء.