العدسة – منصور عطية:

لا صوت في مصر وأرجاء عديدة بالعالم الآن يعلو فوق صوت “محمد صلاح” اللاعب المحترف في صفوف نادي ليفربول الإنجليزي، بعد إنجازات غير مسبوقة قاد فيها ناديه إلى اقتراب اللعب على لقب بطل دوري أبطال أوروبا (الشامبيونزليج) بعد حصوله على جائزة أفضل لاعب في الدور الإنجليزي لكرة القدم (البريمييرليج) هذا العام.

ولاقى “صلاح” إشادات من أساطير الكرة العالمية وأعظم لاعبين أنجبتهم الملاعب على مدار عقود، وصلت إلى حد المطالبة بحقه في الحصول على الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم هذا الموسم.

ولم يقتصر الفخر والاحتفاء بـ”أبو مكة” على المصريين والعرب، بل أصبح “مو” معشوق مشجعي النادي الإنجليزي، وباتوا يتنافسون على التغني بحبه.

مصريًا، توازت حملة الإشادة والدعم والفخر والاعتزاز التي حفلت بها وسائل الإعلام الموالية للسلطة، مع حملة تجريح وإساءة وترويج للاتهامات بحق لاعب الأهلي ومنتخب مصر السابق محمد أبو تريكة، الذي يخوض معركة قضائية تتهمه الدولة فيها بالإرهاب والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.

ليلة لا تنسى وأرقام قياسية

في ليلة لن تُنسى على ملعب “آنفيلد”، قاد صلاح نادي ليفربول لسحق ناديه السابق روما الإيطالي بخمسة أهداف مقابل هدفين في ذهاب الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا، وسجل هدفين وصنع مثلهما.

وأحرز اللاعب المصري 43 هدفا في 47 مباراة خلال الموسم الحالي، متفوقا على أبرز نجوم الكرة العالمية مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو ونيمار.

وبفضل هذا الأداء الاستثنائي، رشح كثيرون صلاح للحصول على جائزة أفضل لاعب في العالم وإنهاء احتكار ميسي ورونالدو على تلك الجائزة على مدى السنوات العشر الماضية.

من حيث الأهداف، سجل صلاح 43 هدفًا في كل المسابقات هذا الموسم، مقارنة بـ 42 لرونالدو و40 لميسي و28 لنيمار، ومن حيث صناعة الأهداف، صنع صلاح 13 هدفا مقارنة بـ 8 لرونالدو و18 لميسي و16 لنيمار.

وكان صلاح قد انتقل لليفربول قادما من روما مقابل 34 مليون جنيه استرليني.

بعد مباراة روما حقق صلاح أرقامًا قياسية وبات على عتبة تحقيق المزيد منها، حيث:

-أصبح أول لاعب إفريقي يسجل أكثر من 9 أهداف في نسخة واحدة من دوري أبطال أوروبا.

-أحرز أهدافا في خمس مباريات متتالية في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم ليعادل الرقم المسجل باسم لاعب ليفربول السابق ستيفن جيرارد خلال الفترة بين أكتوبر 2007 وفبراير 2008.

-يحتل صدارة الهدافين في جميع المسابقات من بين جميع لاعبي الدوريات الخمس الكبرى، مسجلا 43 هدفًا.

-كسر الرقم المسجل باسم روجر هانت كثاني أكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في تاريخ ليفربول في موسم واحد (42 هدفًا)، ليصبح اللاعب المصري على بعد أربعة أهداف فقط من كسر الرقم القياسي لأكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في تاريخ النادي في موسم واحد والمسجل باسم إيان راش (47 هدفا).

-سجل 10 أهداف في النسخة الحالية من دوري أبطال أوروبا، ليصبح أكثر لاعب في تاريخ ليفربول يسجل في موسم واحد من هذه البطولة، بالتساوي مع زميله البرازيلي روبرتو فيرمينيو.

-أصبح خامس لاعب في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز يشارك بصورة مباشرة في أكثر من 40 هدفا في موسم واحد (سجل 31 هدفا وصنع 9 أهداف).

أبو تريكة ومعترك السياسة

رغمًا عنه كان صلاح لاعبًا أساسيًا في معترك السياسة من باب الأحداث المأساوية المرتبطة بالرياضة، حين ارتدى شارة سوداء في إحدى مباريات فريقه الأسبق فيورينتينا الإيطالي، حدادا على أرواح مشجعي نادي الزمالك في أحداث ستاد الدفاع الجوي في فبراير 2015، كما غرد مطالبًا بالثأر لدماء الشهداء أولا قبل الحديث عن عودة الجماهير إلى الملاعب.

علاقته بأبو تريكة كانت مدخلا آخر لمعترك السياسة، لكن رغما عنه، حيث زج به الإعلام المصري الموالي للسلطة في مقارنة لا ناقة له فيها ولا جمل تسعى بشتى الصور إلى إحلاله محل أبو تريكة كأحد رموز الكرة المصرية أخلاقا وسلوكا قبل اللعب، تحت شعار اتهامه بالإرهاب والانتماء للإخوان.

ومن أبرز النماذج على تلك المحاولات التي تسيء إلى أبو تريكة وتقلل من شأنه ربما أكثر من الإشادة بمحمد صلاح، ما شهده برنامج الإعلامي المقرب من السلطة أحمد موسى في أعقاب حصول صلاح على جائزة أحسن لاعب في إنجلترا.

“موسى” قال إنه فى حالة مقارنة أبو تريكة، بما فعله صلاح فلن يحصل “تريكة” على أكثر من لقب أفضل مولد كهرباء فى رابعة، وادعى أن من يساندون أبو تريكة، من “جماعة الإخوان الإرهابية”، كانوا يطالبون على جميع مواقع التواصل العالمية، بمساندة لاعب آخر غير محمد صلاح.

الإعلامي “محمد الغيطي” كان صاحب واقعة أخرى بهذا الشأن، حيث فاجأه طلاب أكاديمية أكتوبر بالهتاف لأبو تريكة، أثناء مشاركته في احتفالية الأكاديمية، بسبب هجوم الغيطي عليه.

ليس هذا فحسب، بل حاول الإعلامي انتزاع لقب أمير القلوب الذي اشتهر به أبو تريكة لصالح محمد صلاح، حين قال للطلاب: “محمد صلاح أمير القلوب”، ليهتف الطلاب مرة أخرى “أبو تريكة.. أبو تريكة”.

كان “الغيطي” قد وصف في برنامجه أبو تريكة بأنه إرهابي، وهاجم الجمهور، قائلا: “فيه معاتيه ودروايش لأبو تريكة وأي واحد بيدافع عن أبو تريكة أكيد أبو تريكة بيبعتله شيك من قطر علشان يشتغله بوق”.

“يكفي القول إن الرمز الرياضي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين أتى محمد صلاح لفرمه، طبعًا فرمه، ولا يمكن النظر لهذا الأمر على أنه شأن رياضي فقط؛ لأنه له بعد سياسي هام وهام جدًا”.. هكذا قالت الإعلامية “لميس الحديدي” في برنامجها، عقب تأهل مصر لنهائيات كأس العالم في روسيا 2018.

الحلقة التي كانت مخصصة للحديث عن فرحة المصريين بالتأهل وبمحمد صلاح، سيطرت عليها محاولات الطعن في أبو تريكة وتشويه تاريخه ناصع البياض مع النادي الأهلي ومنتخب مصر.

حالة الغيظ التي انتابت ضيوف الاستديو من غير الرياضيين كان أساسا بسبب الهاشتاج الذي دعا فيه ملايين المعجبين بأبو تريكة لمشاركته في كأس العالم، وهو الهاشتاج الذي اعترف أبوتريكة نفسه بعدم موضوعيته، شاكرًا جمهوره على تلك المشاعر النبيلة، خاتمًا حديثه بأنه لا يسرق مجهود الآخرين.

هؤلاء الإعلاميون وغيرهم تناسوا ما يعترف به صلاح نفسه بالدور المؤثر الذي لعبه ولا يزال يلعبه أبو تريكة في مسيرة حياته الكروية، وما تشهده مواقع التواصل من علاقة ودية تربطهما.

صحيفة “ماركا” الإسبانية، نشرت تقريرًا عن دور أبو تريكة أسطورة الكرة المصرية في النجاحات التي يحققها محمد صلاح خلال رحلته الاحترافية.

ووفقا لما نشرته الصحيفة فإن “أبو تريكة دائما ما ينصح صلاح في كل ما يتعلق بكرة القدم، هو بمثابة أبيه الروحي والمستشار الأكبر له في لحظاته الصعبة. صلاح والكثير من اللاعبين المصريين يحصلون على النصيحة من أبو تريكة في كل ما يتعلق بكرة القدم”.

وأضافت الصحيفة: “أبو تريكة نال العديد من الجوائز والبطولات، ويعتبر بطلا قوميا حين عاد للعب مرة أخرى بعد التوقف بسبب حادثة استاد بورسعيد. هناك علاقة رائعة تربط صلاح بأبو تريكة، حيث ينظر الأول للأخير على أنه المرجع في كل شيء يخص كرة القدم، كما يعد مستشارا للجيل الجديد الذي أعاد المصريين لكأس العالم”.

رحلة صعود وارتباط بالجذور

ولد “محمد صلاح حامد غالي طه” في 15 يونيو 1992 في قرية “نجريج” التابعة لمدينة بسيون في محافظة الغربية بشمال مصر، وفضل الانضمام لمعهد اللاسلكي بعد تخرجه من المدرسة الفنية الصناعية ببسيون، التي أطلق عليها محافظ الغربية اسمه تكريما له عقب مساهمته في وصول المنتخب إلى المونديال.

انضم اللاعب المصري إلى نادي “المقاولون العرب”، وتدرج في صفوف الناشئين حتى تم تصعيده إلى الفريق الأول ولعب لموسمين بالنادي، ثم اتجه للاحتراف الخارجي في أوروبا، وانضم خلال مسيرته إلى العديد من الأندية الكبيرة في أوروبا مثل بازل السويسري وتشيلسي الإنجليزي وفيورنتينا وروما الإيطاليين وناديه الحالي ليفربول الإنجليزي.

حقق شهرة واسعة واختير كأفضل لاعب مصري محترف بالخارج، وأصبح لاعباً أساسياً في صفوف منتخب مصر الوطني.

ارتبط صلاح بقريته “نجريج” بالغربية كثيراً، وكان يردد دائماً بأن أهالي قريته البسيطة كانوا يمثلون له الدافع القوي نحو التألق والنجومية، سواء مع منتخب مصر أو الأندية التي انضم لها.

ارتباط اللاعب المصري بقريته ومسقط رأسه تمثل في حرصه الدائم على قضاء إجازاته الخاصة فيها، وقضاء الأعياد مع أهلها، وحرصه على مشاركه أبنائها أفراحهم وأحزانهم، فلم يتأخر عن ذلك، وقتما كانت تسمح ارتباطاته مع أنديته أو مع المنتخب.

وتمثل ارتباط اللاعب ببلدته وعشقه لها في تبرعه بالملايين من أجل تحسين الخدمات بها، وتخفيف الأعباء عن أهلها فقد توالت تبرعات اللاعب حيث تبرع بـ8 ملايين جنيه لإنشاء حضانات أطفال لمستشفى قريته، وتبرع بـ4 ملايين لاستكمال إنشاء المعهد الديني بالقرية، وتبرع بعدد من المشاريع الخيرية داخل القرية، كان أبرزها تجهيز مستشفى القرية بأفضل الأجهزة الطبية ووحدة تنفس صناعي، كما تبرع بـ5 ملايين جنيه لعدد من دور الأيتام في المحافظة، إضافة إلى تبرعه بإنشاء وحدة إسعاف بقريته “نجريج”.

وفي يناير الماضي وقبل مشاركة المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية بالجابون تبرع اللاعب بـ5 ملايين جنيه لصندوق “تحيا مصر”، واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسي.

لم يقتصر الأمر على ذلك بل كان اللاعب وفي كل مباريات المنتخب الوطني بمصر يتكفل بنفقات شراء تذاكر وتوفير أتوبيسات لنحو 150 من أبناء قريته لحضور المباريات وتشجيع منتخب بلادهم.

حصل محمد صلاح على جائزة “أفضل لاعب عربي” في جائزة “غلوب سوكر” لعام 2016، وأفضل لاعب صاعد في إفريقيا 2012 وتم اختياره ضمن “فريق العام” في إفريقيا في 2016.

نال صلاح جائزة “أفضل لاعب” في دوري السوبر السويسري عام 2013 و”أفضل لاعب” في نادي روما، ويعد أغلى لاعب عربي وأفريقي عبر التاريخ حيث تكلف انتقاله إلى نادي ليفربول 42 مليون يورو.

احتل محمد صلاح المركز 65 في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم لعام 2016، التي أعلنت عنها صحيفة “الجارديان” البريطانية، كما اختارته صحيفة “ديلي ستار” ضمن قائمة أفضل 50 لاعبا في العالم في 2016.