العدسة – معتز أشرف

بالتزامن مع المخاوف الحقوقية المتكررة من العودة القسرية للاجئين السوريين، أطلق مركز “كارينجي” للدراسات الإستراتيجية في الشرق الأوسط، تقريرًا واسعًا حول اللاجئين السوريين في لبنان والأردن، بعنوان: “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”، خلص التقرير إلى أنه من “اللافت أن غالبية اللاجئين، وعلى رغم تفاقم التحديات التي تواجههم، لا يرغبون في العودة ما لم يتوافر كلٌّ من انتقال سياسي يضمن سلامتهم وأمنهم، وإمكانية الوصول إلى القضاء والعدل، وحق العودة إلى مسقط الرأس”.

 مخاوف مستمرة

ظهرت مخاوف عودة اللاجئين السوريين قسريا إلى سوريا، بالتزامن مع تردد خطابات مغالطة تفيد بأن سوريا أصبح بلدًا آمنًا لأجل عودة اللاجئين في أعقاب انتصارات حكومة دمشق، وجاء في تقرير لست منظمات إنسانية بهذا الخصوص، تحذير من المجلس النرويجي للاجئين، ومنظمات إنسانية مثل “أنقذوا الأطفال” والمجلس الدنماركي للاجئين، مفاده أن الوضع في سوريا ليس آمنًا مطلقًا، وأن التشديد على عودة اللاجئين بترحيلهم من لبنان والأردن، خاصة نحو سوريا، يقوض أمنهم وكرامتهم في دول الجوار، مثل لبنان، حيث مات أناس من البرد، ما قد يدفع باللاجئين إلى العودة القسرية إلى سوريا هذه السنة، رغم استمرار أعمال العنف هناك، وتهدد عوامل عدة بضيق الخيارات أمامهم، لجعلهم يستقرون من جديد في مناطق آمنة وعبر طرق شرعية، ويذكر التقرير أن حوالي مليونين ونصف المليون سوري هربوا من منازلهم خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الماضية، وأن 37 ألفًا من الذين عادوا إلى ديارهم العام الماضي فروا من جديد.

وتقول المنظمات الإنسانية إن معظم النازحين واللاجئين يريدون العودة إلى ديارهم، ولكن عودتهم ينبغي أن يعلموا عنها، وأن تكون إرادية وآمنة وتتمتع بالحماية، كما تقول تلك المنظمات إن الحكومات الأوروبية والحكومة الأمريكية تضع حياة هؤلاء الناس في خطر، عندما تغلق أمامهم حدودها، وتجبرهم على العودة نحو التراب السوري، وجاء في التقرير أيضًا أن الولايات المتحدة والدول الأكثر ثراء في أوروبا لم تظهر تضامنها الكافي مع المنطقة، حيث استمر النظام السوري إلى أيام أخيرة في قصف مواقع للمعارضة في إدلب، وشن هجمات باستعمال غاز الكلور في مناطق تسيطر عليها المعارضة في الغوطة الشرقية ، مشددة علي أنه مع تدهور الأوضاع المعيشية للاجئين السوريين وازدياد المخاطر المحيطة بعودتهم إلى بلادهم، يتلاشى بسرعة معنى فكرة العودة الطوعية للاجئين.

 بين المطرقة والسندان!

تقرير مركز كارينجي للدراسات الإستراتيجية، الذي وصل (العدسة)، بدأ رصده الميداني مع استعادة النظام السوري السيطرة على مناطق عدّة، بالتزامن مع تصاعد الدعوات، في الدول المجاورة، المطالبة بعودة اللاجئين إلى بلادهم، لكن اللاجئين بحسب المركز يرهنون عودتهم بشروط لطالما أُهملت إلى حدّ بعيد في خضم المساعي السياسية الرامية إلى إيجاد حل للنزاع السوري، وفي سبيل فهم مواقف اللاجئين من العودة، رصد مركز “كارنيجي” للشرق الأوسط في مقابلات مخاوف من السوريين- من ذكور وإناث، وشباب ومسنّين – الذين يسعون جاهدين إلى بناء حياة ذات معنى في لبنان والأردن، وذكر أن اللافت أن غالبية اللاجئين، وعلى رغم تفاقم التحديات التي تواجههم – لا يرغبون في العودة ما لم يتوافر انتقال سياسي يضمن سلامتهم وأمنهم، والوصول إلى القضاء والعدل، وحق العودة إلى مسقط الرأس، وعلى الرغم من أن توفير الفرص الاقتصادية والسكن اللائق يُعدّ من أولوياتهم، إلاّ أنها لا تُعتبر من متطلبات العودة، وفي المرتبة الأولى، أظهرت مواقف اللاجئين بجلاء أن وجود حل سياسي مستدام وعودة جماعية وطوعية هما على السواء رهن عمليات سلام دولية تأخذ أصواتهم بعين الاعتبار.

وأوضح التقرير أنه في ظل مواجهة صعوبات اجتماعية واقتصادية متفاقمة، يشعر اللاجئون بأنهم عالقون بين مطرقة بلدان مضيفة لا ترغب فيهم، وبين سندان سوريا التي لا يسعهم العودة إليها، كما ينظر اللاجئون بتشاؤم إلى آفاق اتفاق سلام سوري، وهم يلفظون أية اقتراحات قد تؤدي إلى تضرر سوريا، ويعارضون فكرة إنشاء مناطق خفض تصعيد، ولا يثقون في المناطق الآمنة.

شروط العودة

وبحسب التقرير، شرط اللاجئين الأول للعودة يتمثّل في ضمان سلامتهم وأمنهم، لكنهم يرون أنه لا يمكن تحقيق ذلك من دون انتقال سياسي، وهم لا يعتقدون أن في مقدورهم العيش قريبًا في سوريا التي يتوقون إليها، حيث لا يثق اللاجئون باللاعبين السياسيين الضالعين في سوريا، ولا يرى جزء كبير من اللاجئين المعارضين للنظام أن المعارضة تمثّلهم فعليًّا، والنساء والشباب اليافعون هم أكثر من يخشى العودة إلى سوريا، فهم ينظرون بقلق إلى غياب الأمان، واحتمال أن يضطهدهم نظام بشار الأسد، ويخشى كثير من الشباب التجنيد العسكري الإلزامي، ومع توالي فصول الحرب وتدهور ظروف اللاجئين في البلدان المضيفة، يدرس عدد متزايد من اللاجئين إمكانية التوطّن خارج المنطقة، تحديدًا في أوروبا، لكنهم يخشون أن يعجزوا عن العودة إذا ما غادروا الشرق الأوسط.

وأوضح التقرير أن معنى فكرة العودة الطوعية للاجئين يتلاشى ببطء ، فالسياسات المقيّدة في لبنان والأردن قد تحمل اللاجئين على العودة إلى ظروف غير آمنة في سوريا، في حين قد تجعل سياسات النظام في سوريا – تحديدًا تلك المتعلقة بالإسكان وحقوق الملكية والتجنيد العسكري وإجراءات التدقيق- عودتهم عسيرة أو حتى غير محبّذة.

وتقتضي العودة الآمنة والمستدامة للاجئين بحسب التقرير إرساء إطار عمل يقرّ بالجذور السياسية للأزمة السورية، ولا يكتفي باحتساب أبعادها الإنسانية وحسب، وبأن السلام مستحيل من دون العدالة؛ ويعترف بحقّ اللاجئين في العودة إلى مسقط رأسهم، فضلًا عنه أنه لا يمكن ضمان الأمن والسلامة سوى من خلال عملية سياسية ترسي آليات حكم شاملة، وتضع حدًّا لإفلات المجرمين من العقاب، وتيسّر إعادة الدمج ونزع السلاح، وتوفر القدرة على الوصول إلى القضاء والعدل.

وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن إرساء هذه العملية يتطلّب وقتًا، نظرًا إلى أن قوات كثيرة تنشط في سوريا، حري بجهود الإعداد لعودة اللاجئين أن تبدأ الآن، وقد تشمل هذه الجهود إعداد أصحاب الكفاءة، من محامين سوريين أو مدربين في الشؤون القانونية لإطلاع اللاجئين على حقوقهم، والمساهمة في حل كثير من النزاعات المحلية المتوقّعة، وكذلك قد تشمل المساعي هذه إرساء شبكة من الوسطاء المحليين الموثوقين، ينبغي ألا يساهم تمويل إعادة الإعمار في تعزيز النظام السوري من دون قصد، لذا؛ قد يكون بدء تمويل إعادة الإعمار على نطاق ضيق في مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام، بديلًا أمثل في دعم مساعي إعادة الإعمار المحلية.

وشدد التقرير على أنه يجب أن يكون التمويل مشروطًا بعودة اللاجئين إلى منازلهم والحصول على ملكياتهم، ولابدّ من إرساء عملية تدقيق تثبت عدم ضلوع الكيانات المحلية التي تتلقى تمويلًا دوليًّا بجرائم حرب، وتتأكد من أنها ليست واجهة للنظام، وفي هذه الأثناء، يجب احترام حق اللاجئين في العودة، وفي سبيل تشجيع البلدان المضيفة على التزام سياسات توفر حاجات اللاجئين الأساسية، حري بالدعم الدولي أن يجمع بين المساعدات الإنسانية والاستثمارات الاقتصادية التي تهدف إلى خلق فرص عمل لمواطني البلدان المضيفة واللاجئين على السواء.