العدسة _ ربى الطاهر

بعد تعرض الحكومة الهندية لانتقادات قاسية لأدائها المتقاعس في منع حوادث الاعتداء الجنسي والاغتصاب، والتي لم تقف عند حدود النساء، بل طالت كذلك عددًا كبيرًا من الأطفال، حيث وقعت حوادث مروعة بالآونة الأخيرة أثارت الغضب بالمجتمع الهندي ووجدت اهتمامًا واسعًا؛ فقد أصدرت الحكومة الهندية تعديلًا قانونيًا يقضي بتطبيق عقوبة الإعدام على مغتصبي الأطفال، وقد اختص هذا التعديل في قانون العقوبات الهندي بمرتكبي هذه الجرائم في حقوق الأطفال الاقل من سن الثانية عشرة.

وربما كانت الحادثة الأخيرة التي ارتكبت في حق فتاة لم تكمل أعوامها الثمانية بعد من اغتصاب جماعي ثم القتل، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث تم تسجيل ما يزيد عن 19 ألف حالة اغتصاب في الهند بالعام 2016، أي أن هناك أكثر من 50 حالة  اغتصاب تقع يوميًا، وهو ما دفع لتأجج الاحتجاجات التي خرجت في مختلف أرجاء الهند على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وينص قانون العقوبات الهندي على الإقرار بعقوبة الإعدام، ولكن في جرائم أخرى، وليس من بينها جريمة اغتصاب الأطفال.

وفي جلسة خاصة لمجلس الوزراء الهندي برئاسة ناريندرا مودي تم الإقرار بتعديل نص قانون العقوبات؛ حيث سمح هذا التعديل بتوقيع عقوبة الإعدام على أي شخص يرتكب جريمة اغتصاب في حق طفل أقل من سن 12 عامًا، وفي بند آخر تم رفع الحد الأدنى للأحكام بالسجن فيما يخص مغتصبي الفتيات الأقل من سن 16 عامًا، وكذلك النساء، إلا أن هذا التعديل لم يتطرق إلى الجوانب الخاصة بالاعتداء على الصبيان والرجال.

حوادث حركت المياه الراكدة

وعلى الرغم من انتشار حوادث الاغتصاب في بلد مثل الهند دون أن يثير ذلك أي تحركات على أي مستوى منذ فترات طويلة، إلا أن عددًا من حوادث الاعتداء الجنسي التي تعرضت لها البلاد في الآونة الاخيرة كانت أقل ما توصف به أنها صادمة.

ومن هذه الحوادث ما تعرضت له فتاة مسلمة تبلغ من العمر ثمانية أعوام على يد عدد من الرجال الهندوس في شهر يناير  الماضي، ووقع الحادث ببلدة كاثوا الواقعة في الجزء الهندي من إقليم كشمير، وبعدما كشفت الشرطة عن تفاصيل الحادث، خرجت الاحتجاجات للمطالبة بالحد من وقوع مثل هذه الحوادث.

وفيما يخص هذا الحادث كانت التحقيقات قد كشفت أن الطفلة تم تعرضها لاغتصاب جماعي ثم القتل، ووقع ذلك بعد أن تم خطف الطفلة وتخديرها ليتناوب عليها ثمانية رجال بالاعتداء الجنسي ليتم فيما بعد العثور على جثة الطفلة التي تنتمي لقبيلة بدوية تهيم في جبال كشمير، إلا أن بطء التحقيقات والاسترخاء في البحث عن الجناة وتقديمهم للعدالة جعل الناشطين يصعدون من حملاتهم ضد الشرطة وزاد من قوة الاحتجاجات.

كما زادت حدة الغضب بعد انتشار خبر اتهام عضو بالحزب الحاكم “بهاراتيا جاناتا”، باعتدائه الجنسي على فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا الأسبوع الماضي، في ولاية أوتار براديش شمالي البلاد.

وربما ما جعل الغضب يتأجج وأشعل فتيله بالآونة الأخيرة هو كشف مدى ضعف التعامل الأمني بالهند تجاه هذا السجل، وأبرز ذلك الحادث الذي تعرضت له طالبة في ولاية نيودلهي عام 2012  عندما كانت تستقل حافلة وتعرضت أثناء ذلك إلى حادث اغتصاب جماعي ثم قتل، فاشتعلت الاحتجاجات التي عمّت البلاد، وكانت السبب في تحرك الحكومة الهندية في اتجاه إدخال التعديلات في قانون الاغتصاب بالهند.

وبالرغم من قوة الاحتجاجات إلا أن شيئًا لم يتغير فاستمرت وتيرة وقوع حوادث الاعتداءات الجنسية ضد النساء والأطفال كما هي وفي أنحاء الهند كافة، واستمرّت البلاغات للشرطة التي لم يتغير نهجها عما مضى.

فقد سجلت التقارير الشرطية كذلك وقائع اغتصاب وحشي وقتل لطفلة في ولاية جوجارات غرب الهند، في نفس الوقت الذي لم تتوقف فيه الاحتجاجات على الأداء المتخاذل للسلطات الهندية تجاه التحقيقات التي تخص هذا السجل وللحوادث المشابهة التي وقعت فيما مضى، وهو الأمر الذي تصاعد بعد أنباء ترددت عن اعتقال عضو في البرلمان ينتمي للحزب الحاكم على خلفية حادثة اغتصاب وقتل طفلة أخرى.

 

وقال أحد رجال الشرطة في مدينة سورات بولاية جوجارات، إنه قد تم تسجيل حادثة وقعت في الخامس من أبريل الحالي حيث تم العثور على جثة لفتاة تعرضت لاعتداء جنسي وقتل، حسب تقارير طبية لتشريح الجثة وتركت بجانب الطريق السريع قبل يوم من العثور عليها.

واتضح فيما بعد ان الجثة تخص طفلة لم يتجاوز عمرها إحدى عشر عامًا، ولم يتم التوصل إلى أية بيانات خاصة بها، ولم يتعرف عليها أحد إلى الآن، إلا أن إدارات الشرطة في الولايات المجاورة لجوجارات كانت قد تلقت العديد من طلبات المساعدة للوصول إلى أسرة هذه الطفلة.

ثقافة الاغتصاب

وقد أفادت التقارير التي قدمتها الأمم المتحدة بأن نسبة الحوادث التي تم الإبلاغ عنها في الهند تقلّ عن نسبة الحوادث المسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، وأشارت إلى أن هذا أمر بالتأكيد إنما يعود إلى الضغط الاجتماعي الذي يمنع الكثيرات من الإبلاغ عما تعرضن له، حيث إن بلدًا كالهند يتجاوز عدد سكانه المليار نسمة تواجه فيه النساء ثقافة الاغتصاب بقدر عالٍ من تهوين المشكلة، ولا يتمكن النساء فيه من استقلال وسائل المواصلات العامة بقدر من الأمان دون عدم التحرش بهن، بل إن الأمر يمتد إلى الشوارع والمرافق العامة أيضًا، وأضاف التقرير أن الأزمة الحقيقية تكمن في الوعي الجمعي بمكانة المرأة وتقديرها، حيث إن النساء هناك يتعرضن حتى داخل المنازل إلى العنف والمعاملة السيئة.

واعتبر التقرير أن تغيير القوانين الخاصة بعقوبات جرائم الاغتصاب والتحرش أمر بسيط يسهل تنفيذه، إضافة إلى زيادة القوة الأمنية من رجال الشرطة بالطرقات… إلا أن هذا لا يمثل حلًا حقيقيًا، وإنما الحل يكمن في تغيير المفاهيم الخاصة بهذه السلوكيات لدى الأفراد والفكر الجمعي.

ويؤكد النشطاء أن المجتمع الهندي في حاجة ماسة إلى التركيز على التعليم والعمل على تخفيف الفقر حتى يتم اتخاذ خطوات على طريق تغيير الوعي بمثل هذه المشكلة، والتي ترتبط بشكل مباشر بتغيير النظرة إلى المرأة.

كما طالب راهول غاندي، زعيم حزب المؤتمر الوطني المعارض في الهند، وحفيد رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي “1984 ـ 1917”- مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في الهند- بالإسراع من إجراء المحاكمات التي تخص قضايا الاغتصاب وخاصة اغتصاب الاطفال التي ازدادت معدلاتها في الآونة الأخيرة.

هل سينفذ الحكم بالإعدام حسب التعديلات ؟

يعتبر تنفيذ حكم الإعدام على أرض الواقع في الهند أمرًا مشكوكًا في تنفيذه كثيرًا؛ حيث ما تم تسجيله من تنفيذ لهذه العقوبة لم يتجاوز الثلاث حالات فقط خلال هذا العقد، فعلى الرغم من أن الرجال الأربعة الذين أدينوا في قضية حافلة نيو دلهي حكم عليهم جميعًا بالإعدام إلا أنّ هذا الحكم لم يتم تنفيذه إلى وقتنا هذا!.

وصرح القاضي فيما يخص تلك الواقعة بأن هذا الحادث يقع تحت تصنيف “أندر الحالات” والتي يتحتم بوقوعها الحكم بالإعدام في بلد مثل الهند؛ حيث ينص قانون العقوبات فعليًا، على النطق بحكم الإعدام في قضايا الاغتصاب الجماعي.

ويتم الإعدام هناك شنقًا والذي يعتبر الطريقة الرئيسية في تنفيد الإعدام، إلا أنّ آخر شخص تم تنفيذ حكم الإعدام بشأنه هو ذلك الشخص الذي اتهم بتمويل تفجيرات مومباي الدموية عام 1993، وطبق عليه الحكم في عام 2015 في الهند.