العدسة _ ربى الطاهر

يساهم الاكتئاب في إصابة الإنسان بأمراض بدنية عديدة تؤثر على الجسم بأكمله، وقد يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض القلب، بخلاف ما يسببه من اختلال عمل الجهاز المناعي، وتصل المشكلة في نهاية الأمر -إذا لم يتم تلقي العلاج المناسب- إلى التفكير في الانتحار.

ويقع عدد كبير من سكان العالم تحت تأثير مرض الاكتئاب الذي يتخطى مجرد المشاعر بالحزن أو الألم النفسي، فهو مرض معقد، يقع تحت تأثيره -بحسب الإحصائيات- أكثر من 121 مليون شخص حول العالم، وكشفت الأبحاث الطبية الحديثة أن الاكتئاب مرض ينشأ عن نقص أو عدم اتزان في المواد الكيميائية الموجودة بالمخ، بل وفي الجسم بالكامل، وهذه المواد الكيميائية تسمى نويروترانسميترات “عبارة عن ناقلات كيمائية عصبية مثل سرطونين، ونورابنفرين ودوبامين”.

وتقع النساء فريسة للاكتئاب أكثر من الرجال فقد أشارت الإحصائيات إلى أن نسبة الإصابة بين النساء تتراوح ما بين 15% – 25%، في حين أنها لا تتجاوز ما بين 10% – 15% بين الرجال.

ولكي يحارب مرضى الاكتئاب هذا المرض، فهم يحاصرونه بالأدوية التي لا تقضي عليه نهائيًّا في معظم الأحيان، وإنما فقط تبقيه تحت السيطرة، لذلك فقد أثبتت دراسة حديثة أن التغييرات الجينية بإمكانها المساهمة في التوصل لعلاج ناجح للاكتئاب، وتفتح المجال لاكتشافات أفضل في عالم علاج هذا المرض المعقد.

وقد تمكن عدد من الباحثين الدوليين من اكتشاف 44 نوعًا من الجينات التي قد تزيد من التأثير السلبي الخطير لمرض الاكتئاب، وأكد العلماء أن كل البشر دون استثناء يحملون بعضًا من هذه الجينات، كما أوضحت كذلك نتائج الأبحاث الأسباب التي تقف وراء عدم استجابة بعض المرضى لمضادات الاكتئاب المتاحة في عالم الصيدلة الآن، إلا أن هذه التفسيرات قد ساهمت في التمهيد للوصول إلى أدوية جديدة فعالة.

ورآى الباحث جيروم برين، من جامعة كينجز كوليدج في لندن، وهو أحد أعضاء الفريق البحثي، أن ما تم التوصل إليه من تلك المتغيرات الجينية يمكن أن تغير مسار العلاج النفسي للاكتئاب بشكل كبير، فقد توصل العلماء في هذه الدراسة، والتي تعتبر الدراسة الأكبر من نوعها إلى أن هذه الجينات المسببة بالأساس للاكتئاب هي نفسها الجينات التي تسبب بعض الاضطرابات النفسية الأخرى، مثل الفصام، وهذا الاكتشاف يفتح المجال أمام التوصل للمزيد من العلاجات الجديدة ذات الفاعلية الأقوى.

ويعتبر الاكتئاب الذي يصنف بـ”الشديد”، الذي يؤثر على 14 % من سكان العالم، هو أعلى أسباب حدوث العجز على المدى البعيد إلا أن حوالي 50 % فقط منهم هم من يستجيبون لمضادات الاكتئاب الموجودة حاليًا.

واعتمدت هذه الدراسة التي نشرت في دورية (نيتشر جينيتكس) على بيانات لأكثر من 135 ألف مريض بالاكتئاب الشديد، وذكرت خبيرة في جامعة كينجز كوليدج في لندن، وهي الباحثة كاثرين لويس، وهي من أعضاء الفريق البحثي، أن هذه الدراسة تعتبر مجرد درجة في سلم المزيد من الاكتشافات، حيث إنها تسلط الضوء على الدور الذي تلعبه الجينات في التسبب في الاكتئاب، وتابعت: إن هذا الاكتشاف الحديث في حاجة إلى المزيد من الأبحاث للكشف عن نتائج أوسع في مجال الأسس الجينية ومحاولة التوصل إلى كيفية آلية عمل الجينات والضغوط البيئية سويًّا، وتأثيرها في زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.

مشاهير أنهى الاكتئاب حياتهم

وهذه نماذج لبعض المشاهير في العديد من المجالات، والذين لم ينتشلهم النجاح أو الشهرة أو الأضواء من براثن الاكتئاب، ولم يشفع حب الناس لهم في إبعادهم عن تلك المشاعر السلبية، حتى وصولوا إلى نقطة النهاية التي حددوها لأنفسهم، واختاروا لأنفسهم التخلص من كل ما يحملونه بين صدورهم من آلام إلى تلك النهاية التي لا عودة منها مرة اخرى إلى الحياة.

 

داليدا

أقدمت المغنية المصرية ذات الأصول الإيطالية على إنهاء حياتها بالانتحار، بعد أن تمكن منها الاكتئاب، وهو ما عبرت عنه في تلك الرسالة التي تركتها قبل أن تنتحر، وكتبت فيها “سامحوني.. الحياة لم تعد تحتمل”، وقد تناولت الفنانة جرعة زائدة من الأقراص المهدئة لتضع بها حدًّا نهائيًّا لحياتها في عام 1987، وقد أقيم لها تمثال بنفس حجمها الطبيعي، وتم وضعه على قبرها، ويعتبر هذا التمثال من أبرز المنحوتات التي تم صنعها للمشاهير.

  روبن ويليامز

أما الممثل الكوميدي الأمريكي، روبن ويليامز، فقد قرر قطع شريان يده اليسرى، ثم شنق نفسه بحزام، بعد أن سيطر عليه الاكتئاب، نظرا لتلك المشاكل المالية التي لم يعد بمقدوره مواجهتها، بالإضافة إلى إدمانه الكحول، ومعاناته من بدايات مرض باركنسون، إلا أن أحدًا لم يجزم بالسبب الحقيقي الذي دفع بالنجم السينمائي الحاصل على جائزة الأوسكار إلى الإقدام على الانتحار في عام 2014.

فرجينيا وولف

كما انتحرت الروائية فرجينيا وولف، بعد أن تركت نفسها فريسة للاكتئاب الذي كاد أن يصل بها إلى حد الجنون، على حد تعبيرها، فقد ربطت في ملابسها حجرًا ثقيلا واتجهت إلى أحد الأنهار، وألقت بنفسها فيه، ولم تظهر جثتها إلا بعد ثلاثة أيام، ولم تمهل الكاتبة الإنجليزية نفسها حتى ترى آخر أعمالها الروائية بعد نشرها، ولكنها قررت الرحيل، وقد تركت خلفها رسالة إلى زوجها تقول فيها: “عزيزي، أنا على يقين بأنني سأجن… لذا، سأفعل ما أراه مناسبًا”.

إرنست همنجواي

ولم يكن إرنست همنجواي، ذلك الروائي الذي حصل على جائزة نوبل، هو الشخص الوحيد الذي أقدم على الانتحار في عائلته، ولكن سبقه إلى ذلك والده، كما انتحرت أختاه غير الشقيقتين (أورسولا، وليستر)، ثم حذت حذوهم حفيدته مارجاوك همنجواي، وكان همنجواي -الذي أطلق على نفسه الرصاص عام 1961- يعاني من مرض وراثي انتشر في عائلته، يسبب زيادة تركيز الحديد في الدم، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تلف البنكرياس، ومن ثم يسبب الاكتئاب أو عدم الاستقرار في المخ، لذلك يرجح أن يكون هذا هو السبب الذي دفعه إلى الانتحار في النهاية خوفًا من الجنون

جيريت بيترسون

وبعدما اشتهر البطل الأولمبي الأمريكي جيريت بيترسون، في التزلج بحركة متميزة تعرف باسم “الإعصار”، يقوم خلالها بـ3 قفزات و5 التفافات، حتى لقب بـ”السريع”، ورغم نجاحه واشتراكه في الألعاب الأولمبية ثلاث مرات في 2002 و2003 و2010، لم يجد بدًّا من الإكمال في هذه الحياة التي سيطر عليه فيها الاكتئاب، وأطلق على نفسه النار في ولاية يوتا الأمريكية، ومات بيترسون في عامه الـ 29.

آرون سوارتز

وانتحر كذلك أحد أهم نشطاء الإنترنت، الذي عاش بين لغة الأرقام، وشارك في تصميم لغة تشفير جديدة “لغة ماركداون”، إنه “آرون سوارتز”، ذلك الفتى الصغير الذي لم يكن يتجاوز الـ 14 عامًا عندما عمل على نظام RSS “، وهو نظام تغذية الإنترنت، “كما أنه كان أحد مؤسسي موقع التواصل الاجتماعي ريديت، ورغم ما حققه فقد تعرض لحالة من الاكتئاب الشديد نتيجة لاتهامه بسرقة ملايين الملفات الإلكترونية، والتي كان يواجه بها حكمًا بالسجن يصل إلى 35 عامًا، وغرامة مليون دولار، ولكنه قرر التخلص من حياته قبل أن يتم عرضه للمحاكمة بشهر .

لينكن بارك

وبعد العديد من محاولات الانتحار الفاشلة، تمكن المغني الرئيسي في فرقة الروك الأمريكية “لينكن بارك”، أن ينجح في إحداها عندما كان في الـ41 من عمره بعد أن شنق نفسه، فلم يكن يجد سبيلًا للخروج من دائرة الاكتئاب التي سببتها له معاناته من إدمان المخدرات والكحول، ورغم أنه قد تزوج مرتين أنجب فيهما 6 من الأبناء لم يمنعه وجوده بينهم من إلغاء فكرة الانتحار شنقًا.