العدسة _ باسم الشجاعي

قالت “مؤسسة حرية الفكر والتعبير”، إن عملية إقصاء المرشحين المحتملين في رئاسيات مصر 2018، والتي حسمت لصالح “السيسي”، سواء بممارسة ضغوط عليهم، أو اتخاذ إجراءات ضدهم، كانت الحدث الأبرز، والذي يمكن من خلاله قراءة انتهاكات حرية التعبير للربع الأول من العام الجاري.

وأشارت المؤسسة في تقرير مفصل عن فترة الانتخابات الرئاسية في مارس الماضي، الذي صدر “الأحد” الماضي، إلى أن كثيرًا من الانتهاكات والتطورات مرتبطة بحرية التعبير في مصر.

وأوضحت أن فترة الانتخابات الرئاسية في مصر، في شهر مارس الماضي، تزامنت مع حملات موسعة ضد حرية الصحافة والمشتغلين في الحقل الصحفي.

وذكر التقرير أن الحبس هو عقوبة ممارسة مهنة الصحافة بالنسبة للمصريين، وأما غير المصريين فإن الترحيل هو العقوبة التي وقعت على صحفيين أجانب، كحالة “بيل ترو” صحفية جريدة الـ”تايمز” الإنجليزية.

وانقسم التقرير، الذي اطلع عليه موقع (العدسة)، إلى ثلاثة أقسام؛ الأول، يتناول قراءة عامة لحالة حرية التعبير، والتطورات الأخيرة على مستوى سياسات السلطة الحالية، والثاني، يعرض إحصائيات أعدتها وحدة الرصد والتوثيق بالمؤسسة لانتهاكات حرية التعبير، ثم ينتقل التقرير في قسمه الثالث إلى تحليل أنماط هذه الانتهاكات.

وخلص التقرير إلى أن المجلس الأعلى للإعلام في مصر، هي الجهة الأكثر انتهاكًا لحرية الإعلام بعدد 13 انتهاكًا، يليه الجهات الأمنية، التي ارتكبت 12 انتهاكًا، من إجمالي 33 انتهاكًا رصدها التقرير في حرية الصحافة والإعلام.

وأشار إلى أن الشرطة المصرية أخفت أربعة صحفيين شبانًا قسريًّا قبل أن تعرضهم على نيابة أمن الدولة، وقد قامت الأخيرة بحبسهم احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، فضلًا عن تزايد وتيرة حبس الصحفيين في قضايا النشر خلال الفترة المصاحبة للانتخابات الرئاسية، إلى جانب أن النيابة العامة المصرية أمرت بحبس آخرين نتيجة لمشاركتهم في إنتاج أفلام تسجيلية عن الوضع السياسي في مصر في قضيتين مختلفتين، وأن عدم القيد في النقابة لا يزال سيفًا مسلطًا على رقاب شباب الصحفيين، وتهمة جاهزة في تلفيق محاضر ضدهم.

وكان أبرزهم الصحفي بموقع “هاف بوست عربي”، “معتز محمد شمس الدين”، والشهير بـ”معتز ودنان”، على خلفية إجرائه حوارًا مع المستشار “هشام جنية”، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات “سابقًا” وأحد معاوني الفريق “سامي عنان”، والذي أعلن عن نيته خوض انتخابات الرئاسة، قبل أن يتم القبض عليه من قبل الشرطة العسكرية وإحالته للنيابة العسكرية، تناول الحوار بعض المعلومات حول امتلاك الفريق سامي عنان لوثائق تهدد بعض القيادات الحالية للدولة، وأحيل الصحفي لنيابة أمن الدولة، ووجهت إليه اتهامات من بينها الانضمام لجماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة.

لم يكن و”دنان” الصحفي الوحيد الذي تم اتهامه بتلك الاتهامات بل وجهت إلى “مصطفى أحمد” الشهير بـ”مصطفي الأعصر”، والصحفي المتدرب بجريدة الشروق “حسن البنا مبارك”، والذين تم القبض عليهما بعد توقيف سيارة كانت تقلهما بمحيط شارع فيصل بالجيزة في 4 فبراير الماضي، إلا أن السلطات الأمنية أنكرت القبض عليهما. وظل الصحفيان قيد الاختفاء القسري، إلى أن ظهرا بنيابة أمن الدولة طوارئ، على ذمة القضية التي تحمل رقم 441 لسنة 2018 أمن دولة، وتم اتهامهما بالانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون ونشر أخبار كاذبة.

وفي نفس السياق ألقت قوات الأمن بمحافظة الإسكندرية القبض على الصحفية بجريدة “البيان” الإماراتية “مي الصباغ” وزميلها المصور الصحفي “أحمد مصطفى”، أثناء تصويرهما تقريرًا عن تاريخ الترام بالإسكندرية؛ حيث حُرر ضدهما محضر حمل رقم 5768 جنح العطارين، وتم إحالتهما للنيابة العامة، التي وجهت لهما اتهامات بحيازة وسائل تصوير، ونشر أخبار كاذبة بهدف زعزعة الاستقرار وتكدير السلم والأمن العام، وأمرت النيابة بحبسهما، ثم أفرج عنهما لاحقًا.

ولفت التقرير إلى أن القوانين المصرية لا تزال مكتظة بمواد قانونية يمكن من خلالها حبس الصحفيين لم يتم تعديلها، وتتجلى هذه الخطورة بعد صدور حكم بتغريم الصحفي “حسام محفوظ”، 300 جنيه، لاتهامه بمزاولة مهنة صحفي من دون ترخيص، في 7 مارس الماضي، وهو ما أكده “محفوظ” في شهادة له عبر صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك”، رغم أنه أكد حصوله على خطاب من نقابة الصحفيين يؤكد أنه مُمارِس للمهنة، ومُتقدِّم للقيد، وحاصل على الدورات التدريبية بنقابة الصحفيين، باعتبارها الجهة الإدارية الوحيدة التي من حقها توجيه الاتهام له في حال ثبت أنه منتحل صفة صحفي.

واستمرت السلطات المصرية في التوسع في ممارسة الرقابة على الإنترنت، خلال الربع الأول من العام 2018، حيث حجبت 35 موقعًا، منهم موقع صحيفة الأخبار اللبنانية، وموقع الخليج الجديد الإخباري، واللذين ارتبطا توقيت حجبهما مع نشرهما أخبارًا عن إقالة مدير المخابرات العامة، وذلك قبل أن يتم تأكيد هذا الخبر من خلال الصحف المصرية بشكل مقتضب للغاية.

وفيما يتعلق بانتهاكات حرية الإبداع، رصد التقرير 19 انتهاكًا، خلال الربع الأول من العام 2018؛ حيث أحيل 6 فنانين إلى القضاء العسكري، على خلفية عرض مسرحي، وجهت له انتقادات من قبل صحفيين وإعلاميين مؤيدين لـ”السيسي”، وعقب على ذلك قائد الانقلاب في أحد خطاباته، معتبرًا أن إهانة الجيش والشرطة خيانة للوطن.

الممارسات القمعية أيضًا بحسب التقرير، طالت كذلك أربعة من النشطاء الطلابيين؛ حيث تم وضعهم على قوائم الإرهاب، بشكل مفاجئ، وكان اللافت أن قرار الإدراج عرف الطلاب وفق مناصبهم في الاتحادات الطلابية، وجاء ذلك بالتزامن مع استهداف قيادات وأعضاء من حزب “مصر القوية”، بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها رئيس الحزب “عبدالمنعم أبوالفتوح” لـ”السيسي”، واتهمه بالرغبة في حكم البلاد من خلال القمع.

واستنكر التقرير إصادر النائب العام المصري، في 28 فبراير 2018، قرار تكليف المحامين العامين ورؤساء النيابات بالاستمرار في متابعة وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، لضبط ما يصدر بها من أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة للدولة، وكذلك خاطب القرار الجهات المسؤولة عن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لإبلاغ النيابات بهذه البيانات.

وكان قرار النيابة العامة تزامن مع الفترة التي تجرى فيها الانتخابات الرئاسية، وبالترامن مع عدة تصريحات للرئيس السيسي توعد فيها ما أطلق عليها “قوى الشر”، واعتبر أن حرية الرأي لا تشمل تناول المؤسسات الأمنية في الإعلام والثقافة بما وصفها “باﻹساءة”.

وأوضح التقرير أن القرار وما تلاه من إتاحة أرقام النيابات، يجعل من كل تعبير عن الرأي جريمة محتملة، وأن النيابة كجهة تحقيق، تجاوزت دورها المحدد قانونًا؛ بحيث تقوم بدور جهات الضبط والتحري.

وألمح  التقرير إلى أن القرار يمثل بداية لشرعنة ممارسات مراقبة مستخدمي التواصل الاجتماعي، والتفتيش في آرائهم، سواء من قبل جهات أو مواطنين، فالقرار بمثابة محكمة تفتيش على أفكار وضمائر المواطنين، وخاصة ممن يوجهون انتقادات للسلطة الحالية، ومن يقومون بتعويض القصور الكبير في المعلومات الرسمية المتاحة حول كثير من قضايا الشأن العام.