العدسة – معتز أشرف
من بين جملة الانتهاكات الرائجة في دول الحصار الأربعة؛ مصر والسعودية والإمارات والبحرين، استهداف العمال وقمعهم بآليات متعددة تبدأ بالقوانين وتنتهي بالاعتقال، أو – في روايات أخرى- المقابر، وهو ما نتوقف عنده في يوم العمال العالمي، الذي ينشد فيه المجتمع الدولي حقوقًا أفضل للعمالة المضطهدة في أنحاء العالم، وهل يجد عمالًا أكثر اضطهادًا من عمال دول الحصار؟ الإجابة – وفق مراقبين- كانت: لا، وهو ما نرصده.
مصر
قانون العمل الموحد، رقم 12 الصادر سنة 2003، وقانون الخدمة المدنية الجديد رقم 81 الصادر سنة 2016، والقانون رقم 213 لسنه 2017، الخاص بالمنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي أعداء صريحة للعمالة المصرية، ولدوا من رحم نظامي مبارك والسيسي، لحصار الحركة العمالية ومطالبها، وهو ما دفع كثيرًا من القيادات العمالية إلى المطالبة بإلغائهم لإزالة ما يؤرق عمال مصر في القطاعين العام والخاص، بحسب ما قالوا، فهما -كما يرون- نموذجان لمحاباة رجال الأعمال على حساب العمال، ويضر الاقتصاد الوطني، خاصة أن تشريع قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003، كان بهدف إلغاء قانون العمل رقم 137 لسنة 1981، الذي كان يحصن العمال من جبروت رجال الأعمال، وأيضًا تشريع قانون 18 لسنة 2016، المعروف بقانون الخدمة المدنية، جاء في عهد السيسي ليكمل المنظومة المجحفة ويهدر حق عمال بالدولة ويعمل على تسريح العمال، كما أن القانون رقم 213 لسنه 2017، الذي صدق السيسي عليه في 18 ديسمبر 2017، اعتبرته غالبية الهيئات النقابية المستقلة انتهاكًا صارخًا لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية.
اللافت للنظر، أنه رغم تقديم اتحاد العمال الحكومي لورق مطالب للسيسي وفي مقدمتها تعديل قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، والذي أطلق العمال عليه “قانون سيئ السمعة”، بحسب وصف الاتحاد الحكومي في بيان له، حيث إن القانون يعطي لصاحب العمل حق فصل العامل حتى ولو صدر حكم قضائي بإعادته إلى عمله، وهو ما يترتب عليه أن صاحب العمل يستند إلى ما نص عليه القانون بصرف تعويض للعامل المفصول تقدر قيمته بأجر شهرين عن كل سنة خدمة، بمعنى أن العامل الذي عمل لمدة 10 سنوات يحصل على أجر 20 شهرًا، وبالتالي، ينضم إلى طابور العاطلين، ولا يحق له الحصول على المعاش لكونه لم يسدد اشتراكات تأمينه عن 20 سنة خدمة إلا أن السيسي كافأ العمال بقانون 18 لسنة 2016 سيئ السمعة.
منظمة العمل الدولية كانت حاضرة في قلب الأزمات برفضها الدائم لانتهاكات السيسي ضد العمالة المصرية، وفي عام 2016 قال مديرها جاي رايدر، أثناء لقائه أعضاء وفد «النقابات المستقلة»، المشارك بمؤتمر العمل الدولي رقم «١٠٥» بجنيف، إنه يتابع عن كثب وضع الحريات النقابية في مصر، معربًا عن قلقه الشديد مما يحدث من انتهاكات وتجاوزات إزاء النقابيين وممثلي العمال فى مصر، وهو ما جعله يرسل خطابًا رسميًّا موجهًا منه إلى “السيسى” ليؤكد له ضرورة احترام الحكومة المصرية لمعايير العمل الدولية، ولاسيما الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر، وإتاحة جميع الحقوق النقابية للعاملين وممثليهم من النقابات المستقلة.
وفي تقرير حديث لدار الخدمات النقابية والعمالية في تقريرها نصف السنوي، خلال 6 أشهر؛ من 1 يونيو حتى 31 ديسمبر 2017، رصدت الدار “تنكيل وفصل تعسفي، واتهامات بإتلاف المنشآت الصناعية، ووقف المئات عن العمل، وإحالة قيادات عمالية لمحاكمات بتهم التخريب؛ بسبب المطالبة بتحسين الأوضاع الوظيفية والدفاع عن الحريات من أجل حياة كريمة”، مؤكدة أن الـ6 أشهر الأخيرة من 2017، شهدت ممارسات تعسفية ضد عمال ونقابيين بلغ عددهم 399؛ تنوعت بين أحكام بالحبس بسبب الاعتصام أو الإضراب، وإخضاع عمال لمحاكم عسكرية، وحبس احتياطي، وفصل تعسفي، ووقف عن العمل، ونقل تعسفي.
السعودية
وفي ديار الأمير الطائش الذي يتطلع للعرش بأي ثمن محمد بن سلمان، تواترت التقارير الحقوقية عن أن وضع العمال الأجانب بالسعودية مثل “الرقيق”، ويقول المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن العمال الأجانب في السعودية يعيشون بظروف تشبه “حياة الرقيق”، وندد كثيرًا بتجاهل السلطات للانتهاكات المرتكبة ضدهم، وطالبها بإصلاح قوانينها العمالية.
واعتبر المرصد، الذي يتخذ من جنيف مقرًّا له، أن السلطات السعودية “تتقاعس في إعمال قوانينها العمالية للتصدي لعدد من الانتهاكات غير الإنسانية بحق العمال الأجانب الذين باتوا يرزحون تحت وطأة ظروف أشبه بحياة الرقيق، كما أن الأعباء المتزايدة المفروضة على العمال، مثل الضرائب على الخدمات والمساكن والمرافقين، تزيد من سوء أوضاعهم المعيشية وتجبر عشرات الآلاف منهم على المغادرة، لاسيما أنه لا يستثني القادمين من اليمن وسوريا، كما انتقد المرصد “نظام الكفالة” معتبرًا أنه يحاصر العمال في ظروف مسيئة ويعاقب الذين يهربون من الانتهاكات الناتجة عن معاملة الكفيل وقسوة ظروف العمل مما يعرضهم للاستغلال، كما تحدث المرصد عن انتهاكات بحق العمالة المنزلية – وأغلبها من النساء- مثل الإفراط في العمل، وتقييد الإقامة وعدم سداد الأجور والحرمان من الطعام والأذى النفسي والبدني والجنسي، وقال إن من يتقدم بشكوى تتم ملاحقته قضائيًّا بموجب “اتهامات مضادة” بالسرقة و”السحر” من قبل الكفيل.
في السياق ذاته، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن العمال الأجانب، الذين يشكلون ثلث تعداد سكان المملكة العربية السعودية، يواجهون صنوف التعذيب وأساليب انتزاع الاعترافات منهم قسرًا والمحاكمات الجائرة، عندما يتهمون بارتكاب الجرائم؛ وقد وثقت المنظمة حرمان الأجانب المعتقلين في السعودية من زيارات ممثلي قنصلياتهم، وإرغامهم على توقيع اعترافات لا يستطيعون قراءتها، ويتضمن التقرير حالات أعدم فيها المدانون بقطع رءوسهم، ولم تبلغ السلطات السعودية سفارات بلدانهم ولا عائلاتهم إلا بعد إعدامهم، وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة “هيومن رايتس ووتش”: “ما اكتشفناه من انتهاكات لحقوق العاملين الأجانب يظهر المثالب المروعة التي تشوب نظام القضاء الجنائي في مجمله، لقد وجدنًا رجالًا ونساءً يرزحون تحت وطأة ظروف أشبه بحياة الرقيق؛ وتظهر الحالة تلو الأخرى أن السعوديين يغضون الطرف عن الانتهاكات المنهجية المرتكبة ضد العمال الأجانب”.
الإمارات
في بلاد الديكتاتور محمد بن زايد التي قالوا أن فيها حكومة السعادة فالمعاناة تفوق الوصف، ما دفع الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات مؤتمرها الدولي الأول في الهند، في فبراير الماضي لمناقشة حقوق العمال الآسيويين في الإمارات، حيث أكد عضو البرلمان الهندي جافيد خان أن انتهاكات حقوق الإنسان للعمال في الإمارات أصبحت شائعة، كما أوضح شاشي جاها المسؤول القانوني بمؤسسة سكوير يارد انتهاك الإمارات للمعاهدات من خلال سلب حقوق العمال في ساعات عمل كافية وحدود دنيًّا من الأجور وغيرها، أما كيكي سنج المدافع الشهير عن حقوق العمال والمسؤول السابق في المجلس الإقليمي في نيوديلهي فتحدث عن نظام الكفالة والعنصرية الإماراتية ضد العمال بشكل عام، خاصة الهنود مشيرًا إلى أن الإمارات فشلت في حفظ حقوق العمال المكفولة دوليًّا، كما وصفت الحملة الانتهاكات ضد حقوق العمال في الإمارات بأنها ممارسات للعبودية تمارسها الشركات الإماراتية في ظل وجود نظام الكفالة الرجعي واحتجاز جوازات العمال، وغياب قوانين تضمن عدم استغلال الشركات للعاملين في الإمارات.
وبحسب منظمات حقوقية بارزة، فإن العديد من العمال المهاجرين ذوي الأجور الزهيدة معرضين لظروف العمل الجبري، رغم بعض الإصلاحات، في ظل العمل بمرسوم وزارة العمل المشبوه الذي يحدد قواعد إنهاء العمل ومنح تصاريح عمل للموظفين الجدد حيز التنفيذ في 2016، والذي يتجاهل حقوق عاملات المنازل.
البحرين
ورغم ما قيل عن إصلاحات في البحرين فإن انتهاك حقوق العمال المهاجرين لازال الأعلى صوتًا وقهرًا، وهو ما وثقته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، حيث أكدت أن مئات الآلاف من العمال المهاجرين الذين يأتي أغلبهم من جنوب آسيا يواجهون الاستغلال والتمييز وانتهاك الحقوق في البحرين، رغم الإصلاحات الحكومية التي قُصد بها حمايتهم، والتي منها قانون 2012 لعمال القطاع الأهلي (الخاص) الذي استبعد عاملات المنازل!، ولازالت انتهاكات العمالة حاضرة في الصراع السياسي بالبلاد، حيث أكد القيادي في جمعية الوفاق البحرينية مجيد ميلاد، أن انتهاكات حقوق العمال لازالت مستمرة في البحرين، مشيرًا إلى تورط كبار المسؤولين فيها، كما أعلنت الإدارة الأمريكية في 2013، عن نيتها إجراء مباحثات مع السلطات البحرينية حول انتهاك حقوق العمال، وأعربت عن قلقها من انتهاك حقوق العمال في البحرين.
اضف تعليقا