إبراهيم سمعان
اعتبرت مجلة “نيويوركر” الأمريكية، أن إقدام السعودية على اغتيال القيادي الحوثي، ورئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، “صالح الصماد”، يزيد الطين بلة، ويفاقم الأوضاع المتدهورة بطبيعة الحال، في الصراع اليمني.
وقالت المجلة في تقرير ترجمه (العدسة بوست)، إن القوات الجوية السعودية عرضت الأسبوع الماضي، مقطع فيديو تم تصويره في 19 أبريل الماضي، وثق لحظة اغتيال “الصماد” في شارع مجهول، وبعد أيام من عرض المقطع أكدت جماعة الحوثي أن الضربات استهدفت رئيس المجلس السياسي الأعلى.
وأشارت المجلة إلى أن الرياض تقود، منذ مارس 2015، تحالفًا مكونًا من 9 دول عربية وإفريقية لمهاجمة جماعة الحوثي في اليمن، لافتة إلى أن واشنطن ولندن تزودان هذا التحالف بأدوات الاستهداف، والمعلومات الاستخباراتية، والدعم اللوجستي والأسلحة .
وأضافت أن هناك حوالي 50 مستشارًا عسكريًّا أمريكيًّا في المملكة العربية السعودية يقدمون خدماتهم لمساعدة هذا التحالف، فيما أكد متحدث باسم البنتاجون أن القوات العسكرية الأمريكية لم تشارك في الضربات التي استهدفت “الصماد”.
وأوضحت المجلة أن اغتيال “الصماد” يأتي وسط تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، بينما يخطط الرئيس الأمريكي للإعلان عن مصير الاتفاق النووي يوم 12 مايو، مشيرة إلي أن “الصماد” – الذي سبق أن عمل مدرسًا – كان أهم قائد مدني حوثي، وكان يحتل المرتبة الثانية بقائمة المطلوبين لدي السعودية ووضعت مكافأة 20 مليون دولار للقبض عليه .
وأردفت المجلة أن “الصماد” كان ينظر إليه باعتباره قوة معتدلة نسبيًّا في القيادة العليا الحوثية، حيث قيل إنه أيد محادثات السلام السرية التي أجريت بين الحوثيين والسعوديين في عمان، لكنه أيضًا عرف بخطبه الحادة، فقبل أسابيع قليلة من وفاته، هدد بشن هجمات إضافية بالصورايخ الباليستية على الأراضي السعودية.
وذكرت المجلة أن أفراد العائلة المالكة احتفلوا باغتيال “الصماد” واعتبروه نجاحًا لولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد، الأمير محمد بن سلمان، الذي قام مؤخرًا بجولة في واشنطن ولوس أنجلوس، ويحظى بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
نتائج عكسية
ونوهت المجلة بأن تأثير الضربة السعودية الأخيرة ربما يدفع الحوثيين بعيدًا عن طاولة المفاوضات السرية، فيما طالب مهدي المشاط (الذي حل محل “الصماد”) وهو سياسي ثلاثيني، بشن حرب شاملة ضد السعودية.
ونقلت المجلة عن يتر ساليسبري، المحلل البارز بـمعهد معهد تشاتام هاوس، أن الضربة ستقلل من اهتمام زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، بمحادثات السلام.
وأضاف “ساليسبري”، أن عبدالملك الحوثي بعد مقتل “الصماد”، أصبح في وضع بحيث يسمع جميع الأصوات من المتشددين المستفيدين من الحرب.
من جانبها، قالت شرين العديمي، وهي محللة يمنية، وتدرس الدكتوراه بجامعة هارفارد، إن الضربة أرسلت رسالة خاطئة أنه “اغتيال”، مشيرة إلى أن أية جماعة تغتال القادة السياسيين تعطي رسالة قوية بأنهم لا يريدون محادثات سلام، تخيل لو أن الحوثيين أرسلوا صورايخ للسعودية قتلت محمد بن سلمان.
ونقلت المجلة عن عدد من المسؤولين الأمريكيين قولهم إنه عندما بدأ القصف السعودي للحوثيين قبل ثلاث سنوات، زعم السعوديون أنه سيجبر الحوثيين على الجلوس على طاولة المفاوضات في غضون 6 أسابيع.
وقالت المجلة إن استمرار الحملة العسكرية كان له تأثير عكسي، حيث أجبر الحوثيين على الانكماش، وتمكين جماعات إرهابية مرتبطة بالقاعدة في الجنوب، وإثارة الاستياء على نطاق واسع في اليمن ضد التحالف وشركائه الغربيين وعلى رأسهم واشنطن ولندن.
ولفتت المجلة إلى أن الغارات الجوية التي يشنها التحالف قتلت ما لا يقل عن 10 آلاف مدني، وأصبح هناك حوالي 8 ملايين شخص على حافة المجاعة.
الحديدة
وبينت المجلة أن موقع اغتيال “الصماد” وهو “الحديدة” يثير القلق أيضًا، حيث يعد الميناء هو شريان الحياة إلى شمال اليمن، ومنه تصل غالبية المساعدات الإنسانية إلى البلاد، ويحتاج حوالي 22 مليون مواطنًا من سكان اليمن البالغ عددهم 27 مليون إلى مساعدات إنسانية وحماية.
وذكرت المجلة أن التحالف الذي تقوده الرياض حاصر -على فترات متقطعة- المساعدات والإمدادات التي تأتي إلى الحديدة، وطرح فكرة شن ضربات جوية على الميناء، وهو الأمر الذي حذرت الولايات المتحدة ودول أخرى السعودية من الإقدام عليهم.
وتابعت المجلة أن اليمنيين يخشون في الوقت الحالي، من شن قوات التحالف هجومًا على الحديدة مرة أخرى في المستقبل القريب، حيث تفيد تقارير أن هناك مجموعة من المقاتلين اليمنيين المدعومين من السعودية تحتشد من أجل شن هجوم بالقرب من المدينة، فيما يحذر مسؤولو الأمم المتحدة من احتمال وقوع اعتداءات على الحديدة.
وأشارت المجلة إلى أن الإمارات من جانبها تعهدت بعدم شن ضربات على الحديدة، لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم لا يستطيعون التأكد من التزام الإماراتيين بوعدهم، فيما تحذر مجموعات إغاثية ومحللون من حمام دم محتمل وخسائر لن تكون في طرف الحوثيين فقط.
ونقلت المجلة الأمريكية عن “سما الحمداني” وهي سياسية يمنية، وزميل بمركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن، أن الضحايا في حال شن هجوم على الحديدة سيكونون في الغالب من المدنيين.
وشهد يوم الأربعاء تجمع الآلاف من المتظاهرين المسلحين المؤيدين للحوثيين في الحديدة في مسيرة بالبنادق في استعراض واضح للقوة احتجاجًا على اغتيال “الصماد”، كما بدأوا حملة تجنيد عسكرية في المدينة مؤخرًا.
وقال سكوت بول، مستشار السياسة الإنسانية في منظمة أوكسفام، الذي عاد مؤخرًا من اليمن: إذا حدث هجوم للسيطرة على الحديدة فإن الجميع سوف يخسر.. سوف ترتفع الأسعار في كل مكان وليس في الشمال فقط.. وستكون النتيجة زيادة التعرض لمخاطر المجاعة.. وأمراض لا يمكن الوقاية منها بسبب نقص التغذية.
وقالت المجلة إن المحللين يرون أن السعوديين لن يشنوا أي هجوم بري، وسيستمرون في ضرباتهم الجوية، كما سيتواصل الصراع والأزمة الإنسانية على نفس المنوال لفترة طويلة.
وقالت “الحمداني” إن الشيء الوحيد الذي فشلت فيه ضربة اغتيال “الصماد”، كان هو تقويض عزيمة الحوثيين، مشيرة إلى أنه من المستحيل أن يفوز السعوديون بانتصار عسكري صريح ضد الحوثيين الذين بإمكانهم شن حرب عصابات – تمتد لسنوات – من المناطق النائية.
اضف تعليقا