منصور عطية

زيارة هي الأولى من نوعها لوزير أردني إلى قطر منذ اندلاع الأزمة الخليجية وحصار الدوحة قبل نحو عام من الآن، استمرت في تحريك مستمر للمياه التي لم تركد بين البلدين.

تواصل الشواهد على علاقة طبيعية تربطهما لا شك أنها تغضب كثيرًا الجهة المقابلة والمتمثلة في معسكر حصار قطر، إلى الحد الذي يؤشر لطلاق بائن قررته عمّان لدول الحصار، مقابل تقارب مع الدوحة.

امتداد لنغمة التقارب

وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأردني “عادل الطويس”، التقى في العاصمة القطرية الدوحة قبل أيام بالطلبة القطريين الراغبين في الالتحاق بالجامعات الأردنية، مؤكدًا أن المملكة الأردنية تسعى لاستقطاب المزيد منهم، ولتبادل علمي وأكاديمي مع مؤسسات التعليم العالي في قطر.

وأكد الوزير الأردني، خلال محاضرة ألقاها في معهد الدوحة للدراسات العليا، أن زيارته تأتي في إطار سعي دولة قطر والمملكة الأردنية للنهوض بقطاع التعليم، وتبادل الخبرات في مجال التعليم العالي بينهما لتتكامل المؤسسات العلمية ولتصل معًا إلى العالمية بشكل يفيد الدولتين والتعليم في الوطن العربي.

وتحدث عن آفاق الشراكة العلمية القطرية الأردنية، ومسيرة التعليم العالي في الأردن، وطرق النهوض به ليكون تعليما عالميًّا، معربًا عن ترحيب الأردن بالعلاقات بين مؤسساته والمؤسسات القطرية بشكل عام ومعهد الدوحة بشكل خاص، مشيرًا إلى أن عدد الطلبة القطريين بالأردن يبلغ 1404، وأن الأردن يسعى لرفع هذا العدد أكثر فأكثر.

ولطالما عزف الأردن على نغمة الحياد بين طرفي الأزمة الخليجية منذ اندلاعها، إلا أن تلك الزيارة وما سبقها من شواهد تقول العكس تمامًا.

في مارس الماضي وقع 45 نائبًا في مجلس النواب الأردني (أكثر من نصفه) مذكرة نيابية تطالب بعودة سفير بلادهم إلى الدوحة.

بعدها بأيام توصلت شركة طيران الملكية الأردنية، والخطوط الجوية القطرية، إلى اتفاق يتم بموجبه توسيع اتفاقية “الرمز المشترك” القائمة بين الناقلتين، والتي بموجبها سيتمكن المسافرون من الوصول إلى “دكا” عاصمة بنجلادش مرورًا بالدوحة.

وفي 11 من الشهر نفسه، استقبلت غرفة تجارة وصناعة قطر وفدًا اقتصاديًّا أردنيًّا برئاسة رئيس غرفة تجارة الأردن ورئيس اتحاد الغرف العربية، نائل الكباريتي، وناقش الطرفان السبل الكفيلة بتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وإمكانية إقامة مشروعات مشتركة.

لكن الحقيقة، أن محاولات الأردن لكسر جمود العلاقات مع الدوحة بدأت مبكرًا جدًا، ففي 7 ديسمبر الماضي، تواصل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني هاتفيًّا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بشأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

وفي 14 من نفس الشهر هنأ العاهل الأردني الأمير تميم بالعيد الوطني لاستقلال بلاده، وقالت وكالة الأنباء الأردنية “بترا” حينها، إن الملك عبدالله قدم “أحر التهاني باسم شعب المملكة وحكومتها متمنيًّا للأمير تميم موفور الصحة والعافية، وللشعب القطري مزيدًا من التقدم والازدهار”.

قطر تسد الفراغ

هذه النقلات النوعية في العلاقات بين البلدين في خضم أزمة الحصار، توحي برغبة قطرية في سد الفراغ الذي قد يتركه معسكر الحصار لدى الأردن، الذي يبدو أكثر ميلًا لجانب الدوحة.

ويبقى الرهان معقودًا على قدرة قطر على سد هذا الفراغ، سواء كان من الناحية السياسية أو تلك الاقتصادية، خاصة وأن البلاد تعاني أزمة طاحنة انعكست على زيادات غير مسبوقة في أسعار السلع الغذائية ورفع للدعم عن الخبز والوقود.

وبحسب دائرة الإحصاء العامة الأردنية بلغت التجارة الخارجية للمملكة مع دول مجلس التعاون الخليجي نحو 5.8 مليارات دولار خلال 2017، وسجلت قيمة الواردات السلعية الأردنية من دول الخليج نحو 3.957 مليار دولار، فيما وصلت الصادرات الكلية الأردنية لدول الخليج إلى 1.847 مليار دولار.

الولايات المتحدة الأمريكية تمثل جانبًا مهما في هذه الصورة، فوفقًا لسجلات “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID“، فإن 20 دولة عربية تلقت الدعم عام 2016، وحل الأردن في المرتبة الثالثة بين تلك الدول الـ20 حيث حصل على 1.21 مليار دولار، مالت نسبيًّا لصالح الدعم التنموي على الدعم العسكري.

ولعل تماشي معسكر الحصار مع الولايات المتحدة، يحتم على قطر، وفق هذه الفرضية، أن تملأ أيضًا الفراغ الأمريكي قدر الاستطاعة، فيما تخضع اللعبة برمتها إلى تطورات مفاجئة قد تشهدها الأزمة خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد تأكيد وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو على ضرورة وحدة مجلس التعاون الخليجي ورفع الحصار عن قطر.

مؤامرات خليجية

وعلى الرغم من السعي الأردني الواضح لتطبيق سياسة مسك العصا من المنتصف، إلا أن التقارب الذي تنتهجه تجاه قطر يؤشر إلى رغبة عمّان في ممارسة الكيد السياسي ضد دول الحصار، فضلًا عن الغضب الذي تشعر به حيال ما مارسته كل من السعودية والإمارات ضدها.

الموقف الأردني الرسمي والشعبي الرافض في البداية لقرار اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، أسفر عن ضغوط تعرض لها الأردن باعتراف رسمي من رأس السلطة بالمملكة الهاشمية.

ففي أواخر يناير الماضي، اعتبر الملك عبدالله أن جزءًا من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بلاده يعود إلى الضغط المطبق عليها بسبب مواقفها السياسية، وقال: إن “رسائل وصلتنا مفادها: امشوا معنا في موضوع القدس، ونحن نخفف عنكم”.

وليس بعيدًا عن الضغوط الأمريكية، فإن ثمة ضغوطًا أخرى أكثر حدة مارستها كل من السعودية والإمارات لدفع الأردن نحو التراجع عن موقفه بشأن القدس، وتجلت مظاهر الأزمة في محاولة الانقلاب الفاشلة التي أحبطها ملك الأردن.

فبعد القرار الذي أصدره العاهل الأردني بإحالة كل من: أخويه الأمير فيصل بن الحسين والأمير علي بن الحسين بالإضافة إلى الأمير طلال بن محمد، إلى التقاعد من الخدمة في القوات المسلحة، نقلت صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” العبرية عن مصادر، قولها إن الأجهزة الاستخباراتية الأردنية رصدت اتصالات بين شقيقي الملك عبدالله وابن عمه مع مسؤولين في السعودية والإمارات لتنفيذ انقلاب ضد الملك، مشيرة إلى أن الأمراء الثلاثة تم وضعهم حاليًا تحت الإقامة الجبرية.

وقال موقع “بريتبارت نيوز” الأمريكي إن الأمراء الثلاثة، “كان يتآمرون مع قادة سعوديين لتنفيذ انقلاب ضد الملك عبدالله”، كما أشار إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعى للضغط على الملك عبدالله لتجنب حضوره اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس في مدينة “إسطنبول”.

ووفق تحليلات سياسية، فإن الاختبار الحقيقي للعلاقة بين الرياض وعمّان كان قضية القدس، حيث تسعى السعودية إلى انتزاع الوصاية الأردنية عن القدس والمسجد الأقصى.

صحيفة “هآرتس” العبرية، قالت إن العلاقات الأردنية السعودية يشوبها الكثير من التوتر، بسبب سياسات وإجراءات ولي العهد السعودي، الذي يسعى إلى تجريد المملكة الهاشمية من الهيكل الحاكم لها.

وأوضحت في تقرير لها أن مسؤول أردني، لم يكشف عن هويته، اشتكى، في نوفمبر الماضي، من طريقة تعامل ولي العهد السعودي مع الأردنيين والسلطة الفلسطينية، وأشارت إلى أنه يتعامل معهم كأنهم “خدم وهو السيد الذي عليهم أن يتبعوا ما يأمر به فقط، وهو ما رفضته الأردن بصورة قاطعة”.

من جانبه، نقل موقع “ديبكا” الاستخباراتي الإسرائيلي، عن مصادر عربية تأكيده أن الملك عبدالله أثار غضب القادة السعوديين والإماراتيين بإقامته علاقات وثيقة مع تركيا وقطر.

ووصل الصدع إلى ذروته باعتقال الملياردير الأردني الفلسطيني، صبيح المصري، وطالب الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي من العاهل الأردني أن ينفصل عن الحلف التركي القطري مقابل الإفراج عن المصري، الذي شكلت عملية احتجازه ضربة قوية للاقتصاد الأردني، قبل أن يفرج عنه لاحقًا.