لا بأس إن كنت لا ترى الكعبة من بعيد، فبرج الساعة العملاق والفنادق السحابية السبعة التي حولها تبتلعها وتحجبها عن العيون، لتتحول المدينة الزاهدة المقدسة إلى قاعة أفراح ضخمة.. هل تفكر في الاعتراض؟ كن حذرا، قد يمنعك “خادم الحرمين” من زيارتها للأبد.. فهل لم تعد الكعبة الآن بيت الله، وإنما ورقة ضغط في جيب آل سعود؟

إذا كنت من حجاج البيت هذا العام، فبإمكانك أن تلحظ حوزة شيعية متنقلة حول مكة، لا تستغرب، إيران هذا العام من المحظوظين، بينما قطر، الجارة السنية الشقيقة، لا يستطيع حجاجها الوصول إلى بيت الله، والسبب: دعمها لإيران.. يبدو لك الأمر غير منطقي؟ إليك هذا التقرير إذن.

فبالمخالفة لما اعتاد عليه العرب والمسلمين في إكرام حجاج بيت الله الحرام قامت المملكة العربية السعودية بإجراءات سياسية وقرارات عقابية من شأنها تقييد الحج على أشقائهم من القطريين.

وواصلت السعودية توظيف الحج في ضغطها السياسي على قطر ، حيث اتخذت الرياض إجراءات تعيق المعتمرين والحجاج القطريين، وفرضت المملكة شروطا تعسفية ضد الحجاج من بينها السفر إلى المملكة جوا عبر منفذين فقط والمرور من محطات الترانزيت وإلزام خطوط الطيران المستخدمة في نقل الحجاج على موافقة مسبقة من السعودية.

إجراءات أخرى فرضتها السعودية كان من شأنها إفشال موسم الحج للقطريين من بينها رفض التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية لتسلم قائمة الحج ورفض التواصل مع المؤسسات القطرية لتأمين سلامة الحجاج وعدم توفير آلية واضحة للتحويلات المالية بعد أن منعت المملكة تداول الريال القطري.

خطأ فادح
في أحدث بيان لها اعتبرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن منع السلطات السعودية عشرين ألف حاج من قطر من تأدية فريضة الحج لهذا العام سابقة تاريخية خطيرة.
وقالت المنظمة في بيانها الصادر في 31 أغسطس 2017 إن “السلطات السعودية ارتكبت خطأ فادحا عند خلطها حق من الحقوق الدينية بالسياسية”. مشيرة إلى أن السلطات السعودية كان بإمكانها اعتماد الإجراءات المعتادة لتسهيل وصول الحجاج القطريين كما فعلت مع إيران.

ووصفت الإجراءات السعودية “بالتعسفية” وأن مثل هذه الإجراءات ستفتح نقاشا مطولا حول أهليتها لإدارة الأماكن المقدسة.
وأشارت المنظمة إلى أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية والوساطات الشخصية التي أطلقتها والمكرمه الملكية للإدعاء بتسهيل حج المواطنين والمقيمين في قطر لن يغير الحقيقة في شيء فكل هذه الإجراءات كانت معرقله وهي في حكم المانعة فضلا عن أن الحج حق وليس منحة أو مكرمة لا يخضع لأي وساطات.

وقالت المنظمة الحقوقية “إن الخطأ الفادح الذي ارتكبته السلطات السعودية في هذا الموسم هو تسييس الحج بشكل واضح” مشيرة إلى أن المملكة هددت بعض الدول في موضوع الحج إن لم تشارك في الحصار على قطر.
وأوضحت أن السعودية رفعت حصة العراق من الحجاج ومنحت تسهيلات لاستمالتها لتحقيق أجندات سياسية، كما أنها منحت إيران التي ليس لها علاقات دبلوماسية معها تسهيلات على رأسها بعثات قنصلية مؤقته وخطوط طيران مباشرة لتسهيل حج الإيرانيين.

طرد المعتمرين القطريين 
في شهر رمضان الماضي بدأت السعودية إجراءاتها التمييزية ضد القطريين ووصلت إلى حد طرد معتمريها وإجبارهم على المغادرة فورا، والأصعب من ذلك أنها منعت طائرات الخطوط القطرية من الهبوط في مطارات السعودية في نفس اليوم الذي طالبت فيه المعتمرين والقطريين عامة بالمغادرة، كما أجبرتهم على إلغاء حجوزاتهم في الفنادق، بالتزامن مع اتخاذ المملكة قرار قطع العلاقات مع الدوحة.

دور مجلس التعاون
العراقيل التي وضعتها المملكة أمام حجاج قطر لم تفضح فقط تسييس الرياض للحج، بل كشفت الغطاء عن عجز مجلس التعاون الخليجي عن حل الخلافات الجادة بين أعضاءه.
ولأن السعودية لا تفتأ تزعم أن الخلاف بينها وبين قطر سياسي خالص فقد توقع بعض المراقبين أن يلعب مجلس التعاون دورا للحيلولة دون تسييس المشاعر المقدسة على الأقل وهو الأمر الذي لم يحدث، وظل المجلس عاجزا عن حل الأزمة أو الحد من تأثيرها على الحجاج.

الكيل بمكيالين
وبالرغم من قطع المملكة علاقاتها مع طهران منذ نحو عام واتهامها لها بأنها راعية الإرهاب في العالم ، إلا أنها لم تفرض أي نوع من القيود على الحجاج أو الطيران الإيراني، كما شهد موسم الحج الحالي عدة اجتماعات بين وزير الحج السعودي ومسؤول بعثة الحج الإيرانية.

رأي الشرع
قال تعالى “وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق .. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير”.
هذه الآية الكريمة توضح من له الحق في زيارة بيت الله الحرام ومن المستثنى وفرضت على المسلم المستطيع الحج ولا يحق لأي شخص كائن من كان منعهم من ذلك، كما منعت الآيات الكفار والمشركين من بلوغ الحرم.
لذلك اعتبر علماء الشرع ما تفعله المملكة مع قطر بمنع وحرمان بعض الحجاج من أداء الفريضة مخالفة شرعية صريحة للتعاليم الإلهية ممن يفترض فيهم أن يكونوا سدنة وخداما لبيت الله الحرام وضيوف الرحمن.
كما اعتبر بعض الدعاة أن المملكة بهذه الطريقة تختطف الدعوة الربانية وأصبحوا يوزعون رقاعها وكأنها دعوة عرس أو وليمة لمن يرغبون ويرضون عنه، ويعاقبون ويحرمون من يخالفهم الرأي.

مائة عام من تسييس الحرم
عمدت الأسرة الحاكمة في المملكة منذ نحو مائة عام على تحديد من يدخل مكة المكرمة ومن يخرج منها كما أنها وضعت حصصا معينة لتحديد عدد الحجاج الوافدين من كل دولة، واستخدمت القوة الناعمة للحرمين الشريفين في اكتساب مكانة عالمية باعتبار فريضة الحج جزءا من السياسة السعودية.