العدسة – معتز أشرف
عاد العجوز الداهية مهاتير محمد من جديد لصدارة المشهد السياسي في ماليزيا من مقعد المعارضة، وأطاح بالائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء نجيب عبدالرزاق الذي تلاحقه تهم الفساد والفشل، والتي كثيرًا ما ينفيها، واستطاعت -بحسب مراقبين- روح التغيير التي يتطلع لها الشباب إنهاء 60 عامًا من حكم الحزب الواحد، رغم وجود قانون انتخابي غريب يقول مراقبون أنه لا يعبر عن الصناديق، ومخاوف من التزوير، ودولة عميقة تجيد إدارة أمورها جيدًا.
كيف فاز؟!
هي المرة الرابعة عشر في ماليزيا التي انطلقت فيها الانتخابات البرلمانية، ولكنها كانت الأصعب والأكثر حدة وإثارة -بحسب مراقبين- وفاز ائتلاف المعارضة بزعامة “مهاتير” بالأغلبية البسيطة اللازمة لتشكيل حكومة جديدة في الانتخابات التي أجريت يوم الأربعاء، وهي نتيجة مذهلة بحسب وصف أغلب التقديرات، ستنهي حكم الائتلاف الذي كان يقوده ذات يوم واستمر ستة عقود في السلطة.
تحركات سياسية ذكية لمهاتير محمد قادته إلى هذا الفوز الصعب، حيث وضع أجندة تحرك جديدة أقنع أنصار المعارضة عبرها بالتراجع عن أخطائه السابقة لاسيما القبضة الأمنية، التي حكم فيها البلاد 22 عامًا، واعترافه بمظلومية أنور إبراهيم الذي يقضي حكمًا بالسجن لمدة خمس سنين واعتذاره له مع وعد بالتنازل عن السلطة لحسابه بعد سنتين من الفوز وتشكيل الحكومة، ليضم بذلك تحت قيادته في “تحالف الأمل” أربعة أحزاب، هي “عدالة الشعب” بزعامة أنور إبراهيم، و”العمل الديمقراطي”، الذي يهيمن عليه الصينيون، في المعارضة، و”الأمانة الوطنية” الذي انشق عن الحزب الإسلامي، و”وحدة أبناء الأرض” الذي شكله “مهاتير” بعد انشقاقه عن حزب “أمنو”، الذي يقود تحالف الحكم.
“مهاتير” حدد هدفه بدقة كذلك في مقابلة مع CNN، وهو أن عودته إلى الأضواء السياسية تنحصر في تصميمه على الإطاحة بالرئيس الحالي نجيب عبدالرزاق، الذي يواجه اتهامات بالفساد في ظل استمرار سجن أنور إبراهيم، وهو الزعيم المعارض
الأكثر شعبية في البلاد.
السبب الثالث في خارطة فوز “تحالف الأمل” بقيادة “مهاتير”، هو خصمه نفسه نجيب عبد الرزاق حيث كان يقف في المقابل على أرضية مهتزة بسبب قضية صندوق التنمية الماليزي (1إم . دي . بي) وهو صندوق سيادي تراكمت عليه ديون ثقيلة بعد أن تولى السلطة عام 2009، وفي 2015 أفادت أنباء بأن مبلغًا قيمته 681 مليون دولار انتقل إلى حسابات شخصية لنجيب، الذي نفى ارتكاب أية مخالفة وبرأت السلطات ساحته، لكن لازالت تلاحقه الفضائح حيث رفعت وزارة العدل الأمريكية دعاوى قضائية في عام 2016، عدلت في وقت سابق من هذا العام، لاسترداد أكثر من 1.7 مليار دولار قال المدعون العامون أنها تم غسلها من خلال صندوق الثروة السيادية الماليزية برئاسة نجيب، بجانب الضغوط التي تلاحقه لاسترضاء الماليزيين المنزعجين من ارتفاع الأسعار.
الشباب كانوا الورقة الرابعة الرابحة في يد “مهاتير”، وهو ما ذهب إليه موقع “بي بي سي” الذي أكد أن عملية التصويت نشطة في ماليزيا، وعول التقرير على “الشباب في ماليزيا”، الذين قال عنهم: “إنهم يتوقون للتغيير، وهو الأمر الذي قد يزيد من فرص المعارضة، حيث قد ينهي فوزها أكثر من نصف قرن من حكم الحزب الواحد، حيث تمثل هذه الانتخابات أول فرصة حقيقية للمعارضة لإزاحة الحزب الحاكم من السلطة، الذي يحكم ماليزيا منذ حصولها على الاستقلال عام 1957” .
الحضور الكبير كان الورقة الرابحة الخامسة في يد “مهاتير”، حيث ساهمت نسبة الإقبال الكبيرة (70% من الناخبين المسجلين وعددهم 15 مليون ناخب) في فوز “تحالف الأمل”، حيث كانت الجبهة الوطنية تراهن على تراجع نسبة الإقبال، مما سيرفع حصتها من الأصوات.
صدمة الفوز!
صدمة الفوز أربكت الجميع، حتى إن مخاوف كبيرة رصدتها في وقت سابق مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، في تقرير لها حول الانتخابات الماليزية العامة، من احتمالية تزويرها وإعادة انتخاب الحكومة مرة أخرى على الرغم من فسادها، وقالت المجلة: “رئيس الوزراء نجيب قد يكون مرتشيًا، ولكنه ليس غبيًّا، فهو يخشى من أن معظم الناخبين لن يصوتوا له إذا ما أتيحت لهم الفرصة، لذلك فهو يسلبهم تلك الفرصة من الأساس”.
التكهنات الصادرة من مراكز استطلاعات دولية، كانت ترى الانتخابات فرصة مهمة للمعارضة للصعود، لكن لم تمتلك الشجاعة الكافية حتى آخر اللحظات للحديث عن الإطاحة بنجيب عبدالرزاق من موقعه العتيق، فمركز ميرديكا لاستطلاعات الرأي، أظهر في مسح مؤخرًا أن المعارضة الماليزية ستحقق مكاسب، لكنها لن تكون كافية لاقتناص أغلبية مقاعد البرلمان، وتوقعت النتائج فوز تحالف “مهاتير” بنسبة 43.7% من أصوات الناخبين وتحقيق تحالف نجيب نسبة 40.3%، فيما رجحت مجموعة أوراسيا الاستشارية، أن “الزخم يصب في كفة المعارضة، لكننا نعتقد أنها لن تحقق نصرًا مفاجئًا على الأرجح”، ووصف موقع ” سي ان ان ” باللغة العربية في تقرير له “مهاتير” بأنه له نفوذ واضح من حيث سرعة قبول المعارضة له، وأن “لديه القدرة والنفوذ لحشد الناس… تمامًا مثل “أنور”” .
موقف غامض!
بحسب مراقبين، فالدستور يقضي أن يكلف ملك ماليزيا السلطان محمد الخامس مهاتير محمد بتشكيل الحكومة بصفته زعيم التحالف الفائز، إلا أن العلاقة المتوترة بين الرجلين قد تدفع الملك لتكليف شخص آخر، مثل عزيزة إسماعيل، زوجة أنور إبراهيم، وزعيمة حزب “عدالة الشعب”، الحاصل على أكثر المقاعد داخل “تحالف الأمل”، وهو ما اعتبره البعض سبب قول “مهاتير”: “لا خيار للملك سوى تكليفي بمنصب رئيس الوزراء، ونريد للحكومة أن تنصب الآن، والتأخير يؤدي للفوضى، وإن سار الملك في هذا المسار، فإن البلاد ستقف على أبواب أزمة سياسية حقيقية”.
وفي الكواليس، يتحدث كثيرون عن حرص “نجيب عبدالرزاق ” على الحفاظ على حريته بعد تولي خصمه القيادة، فهو يتحدث عن فكرة أنه حصل منفردًا كحزب على أعلى المقاعد، وأنه لا يحق لـ”مهاتير” التصدر لأن حزبه لم يحقق أعلى منه، بغرض الوقيعة بين “أنور” و”مهاتير” مجددًا، والحصول على اتفاق ينقذ “نجيب” به نفسه من السجن، بسبب قضايا الفساد التى تلاحقه.
وفي سياق آخر يبدي مراقبون تخوفهم من اختلال المعادلة السياسية في ماليزيا، أو ما يسمى بالعقد الاجتماعي، الذي يمنح المالاويين حقوقًا سياسية واقتصادية أوسع من العرقيتين الصينية والهندية، بعد الحضور القوي لـ”حزب العمل الديمقراطي” (42 مقعدًا) في “تحالف الأمل”، والذي يعد الحاضنة الأساسية للعرقية الصينية، والذي بقي منذ الاستقلال في صفوف المعارضة، بالتزامن مع تصريح “مهاتير”: “حكومتي سوف تراجع جميع سياسات الحكومة السابقة، بما فيها العلاقات مع الصين، ويؤيد المشروع الصيني (حزام واحد عالم واحد)”، وهو ما اعتبره البعض سببًا لقلق كبير يعيشه المالاويون بسبب النفوذ الاقتصادي القوي للأقلية الصينية (25% من السكان البالغ عددهم 30 مليونًا)، رغم العقد الاجتماعي الذي يحد من قوتهم الاقتصادية.
اضف تعليقا