العدسة – جلال إدريس:

يحيي الشعب الفلسطيني والعربي الاثنين 15 مايو 2018 الذكرى الـ 70 لنكبة فلسطين عام 48 وسط دعوات واسعة في كافة المناطق الفلسطينية، للخروج في مسيرات غاضبة نحو نقاط التماس، ودعوات لإضراب شامل وتعطيل كافة مناحي الحياة في قطاع غزة.

لكن ذكرى النكبة الفلسطينية تختلف هذا العام عمّا سبقها من أعوام؛ حيث تأتي في ظل أوضاع عربية ودولية ملتهبة، أشدها نقل السفارة الأمريكية بقرار من ترامب، من تل أبيب الى مدينة “القدس” الفلسطينية، وذلك في خطوة استفزازية وتحدٍّ واضح لمشاعر وكرامة ملايين المسلمين والعرب.

ويشهد الداخل الفلسطيني في ذكرى النكبة السبعين الكثير من التجاذبات والتناقضات في آنٍ واحدٍ؛ حيث تشتعل الانتفاضة الشعبية أمام المحتل الإسرائيلي على الشريط الحدودي لقطاع غزة، بينما تواصل السلطة بقيادة محمود عباس أبو مازن فرض عقوبات صارمة على “قطاع غزة” وإجراءات عقابية لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي.

حماس ومأزق المقاومة

أول ما يجب البحث عنه عند الحديث عن الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، هي المقاومة الفلسطينية، والتي لها تاريخ كبير في التصدّي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وكان لها دور كبير في استمرار إحياء القضية الفلسطينية في قلوب ووجدان الشعوب العربية والإسلامية.

ولأنَّ حركة المقاومة الإسلامية “حماس” هي أحد أكبر حركات المقاومة المسلحة في فلسطين، فإنّ واقعها يمثل واقعًا لكافة الحركات المسلحة.

وتعيش “حماس” عدة أزمات خلال الأعوام الأخيرة، تتمثل في الحصار الخانق على قطاع “غزة” الذي تتولى حماس الحكم فيه منذ عام 2006، وكذلك تواجه الحركة أزمات في التمويل والتسليح ناتجه عن فرض حصار دولي خانق عليها.

كما أنَّ الخلاف مع السلطة الفلسطينية، يشكل أحد العقبات أمام حماس؛ حيث لم تنجح محاولات الصلح بينها وبين حركة “فتح” التي تتولى السلطة، رغم جهود الوساطة المختلفة، وذلك بسبب الاختلاف على آلية وطريقة المقاومة.

ورغم وعد حركة حماس وتصريحات رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، أن تتحول ذكرى النكبة الفلسطينية، لذكرى نكبة “إسرائيلية” لا يتوقع الكثير من المراقبين أن تقوم حركات المقاومة بردود فعل كبيرة حال نقل السفارة الأمريكية للقدس، خصوصا وأن الجميع يدرك أن المقاومة الفلسطينية شبه مُكبّلة.

وتحاول حركات المقاومة الحفاظ على حقها في التسليح ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل ضغوط دولية هائلة، وضغوط محلية تطالب الحركة بنزع سلاحها، وتسليمه للسلطة الفلسطينية، التي لا يختلف دورها كثيرًا عن دور سلطات الاحتلال، فضلًا أن التوسع في توصيف المقاومة بالإرهاب.

السلطة وصفقة القرن

في مقابل هذا الوضع الضعب للمقاومة الفلسطينية،  فإنّ السلطة الفلسطينية تشهد في الذكرى السبعين لنكبة “فلسطين” على أقذر صفقة في التاريخ المعاصر، وهي صفقة القرن، التي تقودها أمريكا، ويتعاون فيها أطراف عربية وإقليمية لصالح دولة الاحتلال الصهيوني إسرائيل، أبرزهم “السعودية والإمارات ومصر”.

ورغم أنَّ الحديث عن صفقة القرن يعود إلى عام 2010، حين أنهى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط “جيورا أيلاند”، عرض المشروع المقترح لتسوية الصراع مع الفلسطينيين في إطار دراسة أعدَّها لصالح مركز “بيجين-السادات” للدراسات الاستراتيجية، بعنوان: “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”، إلا أنّ الصفقة بكل جوانبها وتفاصيلها بدأت بالتطبيق فعليًا على يد الرئيس الأمريكي “ترامب” الذي وعد اللوبي الصهيوني بتنفيذ بنود تلك الصفقة أثناء دعايته الانتخابية.

وتقوم الصفقة على اقتطاع 720 كيلومترًا مربعًا من شمال سيناء للدولة الفلسطينية المقترحة تبدأ من الحدود المصرية مع غزة، وحتى حدود مدينة العريش، على أن تحصل مصر على مساحة مماثلة داخل صحراء النقب الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تخلو الضفة الغربية بالكامل للاحتلال.

كما تعمل الصفقة على “اعتبار القدس” عاصمة لإسرائيل، واعتبار الضفة عاصمة لفلسطين، على أن تمرّر الصفقة بموافقة ومباركة عربية، يتعبها إعلان تطبيع عربي كامل من قبل السعودية والإمارات وباقي الدول الخليجية والعربية.

وإلى جانب ذلك فإنّ الصفقة تلغي تمامًا حق العودة للاجئين، وتنهي الصراع العربي الإسرائيلي للأبد، وتضع تقسيمات جديدة للشرق الأوسط.

ورغم أنّ “سلطة” أبو مازن، تدعي أنها “رافضة لتلك الصفقة” إلا أنّ كل الشواهد تؤكد أن السلطة الفلسطينية، ضالعة في تلك الصفقة، وتعمل على تمريرها، مقابل استمرار “عباس” على رأس السلطة، وإلا فإنّ مصيره سيكون كمصير عرفات، أو الطرد من السلطة والإتيان بغيره يوافق على بنودها.

الشعب لايزال متيقظًا

وبينما  تواجه المقاومة المسلحة صعوبات وتحديات دولية وتتخاذل السلطة الفلسطينية عن القيام بدورها المفترض، لايزال الشعب الفلسطيني هو الرقم الصعب في المعادلة الفلسطينية؛ حيث يسير الفلسطينيون بخطى ثابتة على طريق إيصال صوتهم للعالم، الصوت الذي يرفض التنازل عن حق العودة إلى ديارهم التي هُجِّروا منها قبل 70 عامًا، وهو الصوت ذاته الذي يصرخ في وجه مخططات الاحتلال الإسرائيلي ومعسكره، سواء كانوا عربًا أو عجمًا.

ففي قطاع غزة وعلى الحدود الشرقية لها بدأت مسيرات العودة الكبرى، في 30 مارس الماضي، بمشاركة قرابة مائتي ألف فلسطيني في خمس مظاهرات كبرى (شرق رفح، وخزاعة في خان يونس، والبريج في الوسطى، والشجاعية بغزة، وجباليا شمال القطاع)، من حينها تحولت إلى مخيمات واعتصامات مفتوحة على مقربة من السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة منذ عام 1948.

ويبتكر الفلسطينيون طرقًا جديدة وحيوية لانتفاضة من نوع آخر، وإستراتيجية تهدف إلى تسخين الحدود؛ لإلغاء “صفقة القرن”، والتعكير على سياسة التقارب بين الدول العربية وإسرائيل”، فيما لا يأبهون ولا يخافون أبدًا من ارتقاء الشهداء المتزايد على برصاص الاحتلال الإسرائيلي.

ولا تعد مسيرات العودة الكبرى هي السلاح الوحيد الذي قام به الشعب الفلسطيني تجبر الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا، لكن إلى جانب فقد اندلعت انتفاضة غضب فلسطينية عرفت باسم انتفاضة السكاكين استمرت على مدار العامين الماضيين قتل الفلسطينين فيها عشرات المستوطنين، ردًا على الاقتحامات المتكررة اليهودية المكررة للمسجد الأقصى.

كما واجه الفلسطينيون تجبر الاحتلال الإسرائيلي، بعمليات أخرى أطلق عليها “عمليات الدهس” يقوم فيه فدائيون فلسطينيون بعمليات دهس لمستوطنين أو جنود إسرائيليين ردًا على الانتهاكات المتزايدة بحق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى.

مظاهرات غضب في الداخل والخارج

وفي إطار المقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال فإنّ آلاف النشطاء الفلسطينيين سينظّمون مسيرات غضب واسعة في ذكرى النكبة الفلسطينية.

وبحسب شامخ بدرة، القيادي الفلسطيني والناشط في الساحة الخارجية، فإنَّ مظاهرات عالمية حاشدة ستنطلق في العديد  من المدن و العواصم العالمية في أوروبا وأمريكا وعدد من الدول العربية، وفي أستراليا  لمساندة ودعم شعبنا الفلسطيني في مسيرات العودة المليونية التي ستنطلق في الذكرى السنوية ال70 للنكبة يومي 14- 15/ 5 في كافة ميادين المقاومة الشعبية ومناطق التماس في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وداخل الخط الأخضر أراضي عام 1948.

وفي الداخل الفلسطيني، سيحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة بمظاهرات حاشدة بكافة المحافظات الفلسطينية، ويتنوع بين مسيرات وندوات ووقفات، والاحتكاك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق التماس.

كما من المقرر أن يزحف الفلسطينيون في قطاع غزة نحو الشريط الحدودي كما سيزحف الفلسيطنيون من مخيمات لبنان على حدود فلسطين الشمالية، كما سيزحف الفلسطينيون في الأردن إلى منطقة الكرامة التي تشرف على فلسطين”.