جلال إدريس

في الخامس عشر من مايو لعام 1948 تعرض الفلسطينيون لأكبر حادث مأساوي في التاريخ المعاصر؛ حيث هُجِّر في ذلك اليوم أكثر من 800 ألف فلسطيني على يد العصابات الصهيونية، وطُردوا قسرًا من قراهم وبيوتهم، حيث خرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم وآمال في العودة إلى الديار، وهو اليوم الذي عرف لاحقًا بيوم “النكبة”.
وفي الرابع عشر من مايو 2018، تعرضت مدينة “القدس” الفلسطينية، لأكبر عملية خيانة في التاريخ المعاصر؛ حيث بيعت القدس بثمن بخس لليهود والأمريكان، ومن باعها هم “حفنة” من الحكام العرب، باعوا ضمائرهم وذممهم، واشتروا رضا اللوبي الصهيوني، والقيادة الأمريكية، فسكتوا على تهويد القدس، وقبلوا بنقل سفارة “الأمريكان” للمدينة المقدسة، ورقصوا على إعلان “القدس” عاصمة لإسرائيل.
وفي صمت تام، تغاضى كافة الحكام العرب عن “عملية نقل السفارة الأمريكية للقدس” وافتتاحها على مرأى ومسمع من الجميع، لتعلن رسميًا “القدس” عاصمة لدولة الاحتلال، ويخلد التاريخ في أذهان العرب والمسلمين، أنّ اليوم 14 مايو 2018، هو يوم النكبة الفلسطينية الثانية.
وبينما لم يستطع الحكام العرب إصدار أي بيانات شجب أو استنكار، اكتفت “الجامعة العربية” بإصدار بيان هزلي دعا لعقد اجتماع طارئ يوم الأربعاء الماضي لبحث تداعيات افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس، رغم أنّ القرار معلن عنه منذ أكثر من شهر، وعليه فإنّ اجتماع العرب لن يكون إلا لإعطاء صك الموافقة والمباركة على القرار، لكن ببيان هزلي يعلن الرفض والاستنكار.
“العدسة” ومن خلال التقرير التالي تستعرض أسماء الحكام العرب الذين يصفهم قادة الاحتلال الإسرائيلي، ” بأنهم محور الإعتدال في الشرق الأوسط، أي أنهم وباختصار من باعوا القدس وخانوا القضية الفلسطينة، وأعطوا الضوء الأخضر لتمرير ما يعرف بصفقة القرن، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية للأبد.
ورغم أن مسؤولية القدس والتفريط فيها تقع على كاهل كل الحكام العرب والمسلمين، إلا أن هؤلاء الحكام العرب الستة هم أشد خيانة للقضية، وكان لهم اليد الطولى في التفريط في القدس وبيعها للأمريكان واليهود.

بن زايد وبن راشد

يعدّ حكام دولة الإمارات (محمد بن راشد ولي عهد دبي– نائب رئيس الدولة وحاكم دبي) و(محمد بن زايد– ولي عهد أبو ظبي) هم أبرز المسؤولين عن عملية التفريط في القدس، وبيعها للأمريكان واليهود، لما لهما من نفوذ قوي وتأثير واسع على صناعة القرار في الداخل الأمريكي بحسب التحقيقات التي تجرى حاليًا مع مستشارين للرئيس الأمريكي ترامب.
وتعد دولة الإمارات أحد أهم مكونات “محور الاعتدال” بحسب زعم إسرائيل؛ حيث لا يتوانى حكامها عن التعامل مع الكيان الغاصب بأشكال مختلفة داخل ترابها وفي أوروبا والولايات المتّحدة الأمريكيّة وقد تحوّلت “الإمارات” بفضل سياستها الخارجية المثيرة للجدل إلى داعم رئيسي لتهويد القدس، وشريك أساسي في تمرير صفقة القرن.
ولا يخفى على أحد الأدوار المشبوهة التي قامت بها دولة الإمارات من أجل تلك اللحظة المأسوية، سواء عن طريق الضغط على السلطة الفلسطينية لقبول صفقة القرن، أو الترويج لها عربيًا ودوليًا، أو محاربة التيارات الإسلامية في ربوع الدول الإسلامية، أو تضييقها المتواصل على حركات المقاومة في فلسطين.
ولا تحتاج الفضائح التي لاحقت “الإمارات” من خلال اختراق بريد سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة، إلى دلائل وبراهين أخرى، فضلًا عما كشفه نائب رئيس الحركة الإسلامية بالداخل المحتل الشيخ كمال الخطيب من أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت تضخ الأموال من أجل إضعاف صمود المقدسيين والتآمر عليهم لصالح المؤسسة الإسرائيلية.
واليوم تحصد الإمارات ثمار ما زرعت، حيث أعلنت “القدس” عاصمة لإسرائيل، وينتظر حكام الإمارات المكافئة الكبرى من الشريك الأمريكي والحليف الصهويني، الذي تعد الإمارات أحد أهم أذرعه في منطقة العرب والمسلمين.

محمد بن سلمان

حكام المملكة العربية السعودية كذلك لا يختلفون كثيرًا عن “حكام الإمارات” في الخيانة والغدر للقضية الفلسطينة، وذلك بإشراف كامل من “محمد بن سلمان” ولي عهد أبيه الطاعن في السن، والذي لا يملك من زمام أمره شيئًا، وإنما الآمر الناهي في المملكة هو الأمير الشاب الطامع في الحكم.
عمد “محمد بن سلمان” على مدار الأشهر الماضية، إلى إثارة الجدل حول القضية الفلسطينية، بتصريحات مثيرة للجدل، عن حق اليهود في أرض فلسطين تارة، وعن ضرورة التعاون والتطبيع مع “إسرائيل” تارة أخرى.
وبدأ بن سلمان في تحريك أجهزته الإعلامية لتمهيد الرأي العام السعودي والخليجي، لتطبيع كامل متكامل مع إسرائيل، كما مارس أدوارًا مشبوهة في الضغط على “محمود عباس” أبو مازن لقبول ما يعرف بـ”صفقة القرن” والتمهيد لفتح سفارة إسرائيلية على أرض الحرمين الشريفين، وإجراء العديد من اللقاءات السرية مع قادة الكيان الصهيوني للتمهيد لتلك اللحظة.
ولم يكتفِ “بن سلمان” بذلك، لكن الرجل ضخّ مليارات الدولارات في خزانة “الرئيس الأمريكي ترامب” قائد ومخطط صفقة القرن، وذلك أملًا من بن سلمان أن تقبل الإدارة الأمريكية إعتلاءه عرش المملكة خلفًا لأبيه، فكان صمته وخيانته لمدينة القدس وبيعها لليهود هي الصفقة التي أخذ “بن سلمان” بعدها صك الحكم من اللوبي الصهيوني والإدارة الأمريكية.

عبد الفتاح السيسي

الجنرال عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري في مصر، هو الشريك الثالث لعملية “تهويد مدينة القدس” وإعلانها عاصمة لدولة الاحتلال إسرائيل، حيث يمهد الرجل لتلك اللحظة التاريخية، منذ اللحظة الأولى لانقلابه على أول رئيس مدني منتخب في مصر (الرئيس محمد مرسي).
لم يكن “السيسي” يتحرك في السر كـ”بن زايد” و “بن سلمان” لكن الرجل كان صريحًا منذ اللحظة الأولى التي انقلب فيها على مرسي، حيث إنه أدرك تمامًا أنه لا ظهير شعبيًا يحميه، وإلا لكان هذا الظهير قد “حمى” مرسي، إلا أنّه عرف أن “إسرائيل” هي الظهير الاستراتيجي له، وأنه طالما نسّق معها، ورتب أموره مع قادتها، فلا شكّ أنه باقي في السلطة دون قلق أو خوف.
وعليه فحرص السيسي في كل المحافل الدولية على التأكيد أن حماية وأمن إسرائيل من مهامه، وأنه لا يسمح لحدود مصر أن تكون مصدر إزعاج لإسرائيل، فضيّق الخناق على المقاومة الفلسطينية، ووقف لها بالمرصاد وهدم أنفاقها، وحاصرهم ومنع عنهم السلاح والمؤنة مارس عليهم ضغوطًا سياسية وقضائية، وساومهم بمعبر رفح، كل ذلك إرضاءً لدولة الاحتلال الصهيويني إسرائيل.
لم يكتفِ السيسي بذلك، لكنه أعلن صراحة ثقته الشديدة في الرئيس الأمريكي “ترامب” بأنه الشخص القادر على إتمام صفقة القرن بهدوء وسلام، لحل قضية القرن، أي تصفية القضية الفلسطينية للأبد.
السيسي أيضًا لعب دورًا هامًا في الضغط على الأطراف الفلسطينية المختلفة وفي مقدمتهم “فتح وحماس” لقبول بنود تلك الصفقة، وأبدى استعداده لأن يعطي الفلسطينيين أراضي بديلة في سيناء ليكون وطنًا بديلًا لهم عن وطنهم الأم “فلسطين”، كما قام بإخلاء أراضي سيناء وتهجير أهاليها قسرًا كي يجهز مسرح الخيانة لتنفيذ بنود الصفقة.
وكشفت التسريبات التي بثتها قنوات معارضة لنظام السيسي، عن أنّ مخابرات السيسي أعطت أوامر لوسائل الإعلام والمثفقين والفنانين، بأن يمهدوا الرأي العام لصفقة القرن، وأن يقنعوا العرب والمصريين، بأنه لا فرق بين القدس والضفة، وليس هناك من أزمة أن تعطّى “القدس” لليهود، في مقابل أن تحل القضية الفلسطينية للأبد.
وعليه فقد باع السيسي القضية الفلسطينية، وخان القدس، وحصل على وعود قاطعة من اللوبي الصهويني الذين التقى بقادتهم عدة مرات في مصر وأمريكا أن يستمر في السلطة ويبقى حاكمًا مهمًا قمع شعبه أو انتهك حقوق الإنسان.

عبد الله الثاني ملك الأردن

الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، أحد شركاء الجريمة والخيانة في التفريط في مدينة “القدس”؛ حيث صمت على تمرير الصفقة، بل عمل على الترويج لها بعد أن كان يدّعي أنه رافضًا لها.
وحاول العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ارتداء قناع مزيف على مدار عدة أشهر، ليظهر به في موقف المدافع عن القدس ضد القرار الأمريكي لكنه سرعان ما تماهى مجددًا مع موقف واشنطن.
لكن المثير للجدل أن “ملك الأردن” لم يتماهَ مع القرار وفقط بل قام بالترويج للمخطط الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية تحت شعار “صفقة القرن”.
وقال ملك الأردن في تصريحات متلفزة من المنتدى الاقتصادي في دافوس، إنَّ دور الولايات المتحدة “يبقى ضروريًا لأي أمل بحل سلمي بين إسرائيل والفلسطينيين”، وقال: “لا يمكن أن تكون لدينا عملية سلام أو حلّ سلمي بدون دور الولايات المتحدة”.
وعلى الرغم من الموقف الفلسطيني المعلن والرافض لوساطة أمريكا في عملية السلام، قال الملك عبدالله: “أنا أودّ أن أتمهل في إصدار الأحكام، لأننا مازلنا ننتظر من الأمريكيين أن يعلنوا عن خطتهم (للسلام)”، في إشارة واضحة لما يسمى إعلاميًا بصفقة القرن.
وتابع: “أعتقد أن علينا أن ننظر إلى الجانب الملآن وأن نعمل جميعًا معًا ما إن يعلن البيت الأبيض عن خطة سلام”، مضيفًا: “أما إذا تبيّن أنها ليست خطة جيدة (…) فلا أعتقد أن لدينا خطة بديلة عنها في هذه المرحلة”.
خيانة “ملك الأردن” للقضية الفلسطينية، واعتبار أنّ “صفقة القرن” والتفريط في القدس، هي الخطة الوحيدة أمام الفلسطينين، والتي لا بديل عنها، يعني خنوعًا وانكسارًا أمام المحتل الإسرائيلي الغاصب، وأمام الهيمنة الأمريكية، واستمرارًا لمسلسل التفريط في الأرض.

محمود عباس أبو مازن

الرئيس الفلسطيني، محمود عباس أبو مازن، هو أحد أهم وأكبر الضالعين في خيانة “القدس الشريف” والتفريط في المقدسات الإسلامية، وبيعها لليهود بثمن بخس، عن طريق الصمت أو التحالف مع الحكام العرب الخونة.
ورغم أنّ “أبو مازن” يدعي دائمًا أنه “رافض لصفقة القرن ونقل السفارة الأمريكية للقدس” إلا أنّ كل الشواهد تؤكد أن السلطة الفلسطينية ضالعة في تلك الصفقة، وعملت على تمريرها، مقابل استمرار “عباس” على رأس السلطة، وإلا فإنّ مصيره سيكون كمصير عرفات، أو الطرد من السلطة والإتيان بغيره يوافق على بنودها.
وبدلًا من مواجهة صفقة القرن والقائمين عليها، يصبّ “عباس” لجام غضبه على الفلسطينيين، المحاصرين في قطاع غزة، عن طريق فرض إجرءات عقابية عليهم، والمشاركة في حصارهم وقطع الكهرباء عنهم، وقطع الرواتب عن موظفيهم.
كما لا يتوقف الرجل عن مهاجمة “المقاومة الفلسطينية” وفي مقدمتها حركة حماس، ويساومهم على تسليم سلاحهم مقابل إتمام المصالحة، بدلًا من تذويدهم بالسلاح والمؤنة لإشغال الغضب ضد سلطات الاحتلال.

ملك البحرين

الملك البحريني “حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة” هو سادس الحكام العرب الخونة المفرطين في القدس، الصامتين على الخيانة، بل والمشاركين فيها، حيث سعى الرجل لإتمام صفقة القرن، مقابل أن تحميه “إسرائيل” من التمدد الشيعي والخطر الإيراني الذي يطارد عرشه في السلطة.
وظهر ذلك جليًا مع التأييد العلني الأخير لوزير خارجية البحرين “خالد بن أحمد آل خليفة” للضربات الإسرائيلية الأخيرة ضد مواقع إيرانية بسوريا، واعتبارها حقًّا من حقوق “إسرائيل” للدفاع عن نفسها.
ورغم غياب التطبيع الرسمي والدبلوماسي بين إسرائيل والبحرين إلا أنه ومنذ بداية الألفية، جرت لقاءات واتصالات بين مسؤولين بحرينيين وإسرائيليين، بعضها في السر وبعضها الآخر في العلن، وحدث ذلك رغم حالة الغليان التي عاشها الشارع البحريني على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (2008 و2014)، والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقبل أيام من افتتاح السفارة الإسرائيلية بالقدس الشريف، كشفت وكالة “أسو شيتد برس” الأمريكية، عن لقاء جرى بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، وكل من السفير الإماراتي في واشنطن “يوسف العتيبة”، والبحريني “عبدالله بن راشد آل خليفة”، في مارس الماضي.
وتحت عنوان “دبلوماسية العشاء: لقاء غير معتاد بين “نتنياهو” ومبعوث إماراتي”، روت “أسوشيتد برس” تفاصيل اللقاء، مشيرة إلى أن السفير الإماراتي كان يستضيف نظيره البحريني على مائدة عشاء بمطعم “كافي ميلانو” الشهير في حي جورج تاون بالعاصمة واشنطن، وهو المطعم الذي يرتاده كبار السياسيين والقادة الأمريكيين وغير الأمريكيين.
واعتبرت “أسوشيتد برس” أن هذا التطور يشير إلى مدى التعاون الودي بين “إسرائيل” ودول الخليج العربي، رغم أنه لا يزال وراء الكواليس، لكن مظاهره بدأت تتسلل إلى الرأي العام بقوة، فيما اعتبر مراقبون أن اللقاء كان لإعلان التأييد المطلق لإسرائيل فيما يتعلق بصفقة القرن.