منصور عطية
امتدادًا لفضيحة تسريب بيانات المستخدمين واستغلالها والمعروفة باسم “كامبريدج أناليتيكا”، قررت عملاق التواصل الاجتماعي “فيسبوك” حذف مئات الملايين من الحسابات الوهمية المزيفة لمستخدميه.
تحسين صورتها المشوهة وتعويض ما فاتها من خسائر، ربما كانت في طليعة الأهداف التي بناء عليها اتخذت فيسبوك هذه الخطوة التي وُصِفت بالجريئة، لكن هل تكون كافية لمحو الآثار السلبية التي علقت بها على مدار السنوات الماضية؟
حصاد الفضيحة
فيسبوك كشفت عن خطوتها تلك في التقرير الذي تنشره بصفة دورية كل 3 أشهر، المتعلق بقواعد التنظيم الداخلية الخاصة، ويفصّل التقرير مقدار المحتوى الذي شاهده مستخدمو الشبكة الاجتماعية، ومقدار ما تمت إزالته من حسابات ومنشورات.
وكانت الرسائل المزعجة والحسابات المزيفة هي الأكثر انتشارًا فى الربع الأول من هذا العام، حيث أزالت فيسبوك نحو 837 مليون رسالة غير مرغوب بها، كما تمّت إزالة 583 مليون حساب مزيّف.
وبالإضافة إلى ذلك استطاعت الشركة إزالة 21 مليون منشور يضمّ “عريًا ونشاطًا جنسيًا”، و3.5 ملايين من المنشورات تضم محتوى عنيفًا، و2.5 ملايين من خطابات الكراهية، و1.9 ملايين من المنشورات التي تضم محتوى إرهابيًا.
وفى بعض الحالات، نجحت أنظمة فيس بوك فى العثور على المنشورات الجديدة ووضع علامة على المحتوى قبل أن يتمكن المستخدمون من الإبلاغ عنها، وقد رصد هذا النظام ما يقرب من 100% من الدعاية ضد الرسائل الاقتحامية والإرهابية، ونحو 99% من الحسابات المزيفة ونحو 96% من المشاركات التي تنطوي على عُرْي ونشاط جنسي.
أما بالنسبة للعنف بالفيديوهات والصور، فشكلت تقنية فيسبوك 86% من التقارير، ومع ذلك عندما يتعلق الأمر بالمحتوى الذي يحضّ على الكراهية، فإنّ تكنولوجيا الشركة قد حددت فقط نحو 38% من المشاركات التي اتخذت إجراءً بشأنها.
الغالبية العظمى من الحسابات المزيفة التي جرت إزالتها كانت تستخدم لأغراض حشد الرأي العام والإعلان عن أفكار مختلفة ضد سياسة الموقع أو للتأثير في نتائج الانتخابات والأحداث الدولية المختلفة.
وكشف مؤسس الشركة ورئيسها “مارك زوكربيرج” أنهم طوروا طريقة أوتوماتيكية لاكتشاف الحسابات والمحتوى الزائف أو المسيء ومسحه حتى قبل الإبلاغ عنه.
تأتي هذه الخطوة بعد نحو شهر على الشهادة التي أدلى بها زوكربيرج أمام الكونجرس الأمريكي، بشأن قواعد الخصوصية وحماية بيانات المستخدمين عبر فيسبوك، على خلفية فضيحة كامبريدج أناليتيكا.
فعلى مدار يومين و9 ساعات أجاب الملياردير الشاب على مئات الأسئلة بينما لم يستطع مارك تقديم أي إجابة واضحة على بعضها، مفضلًا الإجابة بلا أعلم، أو سأعود لفريقي ليتواصل معك.
وفي مارس تفجرت الأزمة التي كانت في بؤرتها مؤسسة كامبريدج أناليتيكا البريطانية للاستشارات السياسية وتحليل البيانات، والمتهمة باختراق خصوصية الملايين من مستخدمي الفيسبوك، واستخدام بياناتهم بشكل غير شرعي.
استغلت المؤسسة هذه البيانات لدراسة وفهم وتحليل شخصيات المستخدمين، وتوجهاتهم السياسية المحتملة، وبالتالي التأثير بشكل غير مباشر على قرارات أكثر من 50 مليونًا من الناخبين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أواخر 2016.
ضربة للديكتاتوريات العربية؟
وبقدر ما تشكل تلك الخطوة من فيسبوك سعيًا لإنقاذ صورتها التي اهتزّت بشدة خلال الأشهر الماضية، فإنها قد تكون بمثابة الضربة لبعض الأنظمة العربية الديكتاتورية التي كانت تعتمد على تلك الحسابات في توجيه الرأي العام بما يتوافق ومصالحها.
التقارير التي تحدثت عن الاستغلال الحكومي لبيانات مستخدمي فيسبوك، تعددت خاصة بعد ارتفاع شعبيته بدءًا من عام 2010، من بين ذلك ما صرّح به “جوليان أسانج”، صاحب موقع “ويكيلكيس” حين وصف فيسبوك عام 2011 بـ”أكبر آلة تجسس مرّوعة اختُرعت على مدار التاريخ”.
ورغم أنّ فيسبوك لا يخفي طلبات الحكومات للحصول على بيانات بعض المستخدمين، لكن استخدام الحكومات لا يتركز فقط في مطالب رسمية، بل باتت الحكومات تستخدم الموقع للدعاية لها وللتأثير على الرأي العام، بحسب تقارير إعلامية، ففي وثيقة نشرتها وسائل إعلام عن القسم التقني في فيسبوك عام 2017، يتحدث هذا القسم عن تقنيات تستخدم من حكومات ومنظمات لأجل نشر معلومات مضلّلة لأهداف سياسية، منها الأخبار الكاذبة، وتعميم المحتوى المضلل، واستخدام حسابات وهمية.
عربيًا، ارتبطت ثورات الربيع العربي ارتباطًا وثيقًا بمواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك، الذي ساهم في اتساع دوائر المحتجين وتسهيل تواصل قادة الحراك في الشراع مع وسائل الإعلام العالمية، إلى حد وصف فيه تقرير لمعهد السلام في الولايات المتحدة عام 2012، أن هذه الشبكات كانت آلية سببية مهمة في الانتفاضات.
لكن الكثير من الأنظمة العربية استطاعت اللحاق بالتكنولوجيات الحديثة بعدما باغتها استخدام الشعوب لها لأجل الاحتجاج ورفع منسوب الوعي بالحقوق الأساسية، فلجأت إلى عدة طرق للدعاية، منها خلق صفحات رسمية وغير رسمية على المواقع الاجتماعية تتغنى بالحكام والمسؤولين الأمنيين والعسكريين والسياسيين المقرّبين من دوائر القرار.
تطوّر الاستخدام لاحقًا، فلجأت جهات داخل السلطة بأكثر من بلد عربي إلى تقنيات متعددة لخلق رأي عام في الشبكات الاجتماعية ضد الآراء التي تنتقد الأوضاع، ومن ذلك “الذباب الإلكتروني” الذي يعني خلق آلاف الحسابات الوهمية عبر طرق برمجية بسيطة.
تتكفل هذه الحسابات بنشر تعليقات، تتكرّر من حيث مضمونها، على صفحات المواقع الإخبارية والشخصيات المؤثرة، تتمحور كلها حول مساندة السلطة أو طرف فيها، أو تصفية حسابات سياسية داخل الدولة ذاتها أو على المستوى الخارجي.
كما تقوم هذه الحسابات الوهمية بالترويج لوسم (هاشتاج) معيّن يخدم مصالح من يحرّكها، حتى يصعد في السلم الأكثر تداولًا، ثم تقوم وسائل إعلام، أغلبها يدور في فلك السلطة، وبعض منها ينشر عن حسن نية، بإنجاز تغطيات عن هذا الوسم باعتباره رأيًا عامًا في قضية معينة، وفضلًا عن ذلك، تقوم هذه الحسابات بحملات تبليغ واسعة عن حسابات المعارضين حتى يتم إغلاقها.
فضائح لا تنتهي
ومن بين الفضائح التي يتورط فيها موقع فيسبوك، ما توصلت إليه مجلة “فورين بوليسي“ الأمريكية في 2016؛ حيث رأت أنّ منصات التواصل الاجتماعي تدعم الحكومات أكثر مما تدعم مناهضيها، وتقوض الديمقراطية أكثر مما تبنيها.
وأشارت إلى أنّ الزيادة المذهلة لحركات المقاومة السلمية جاءت قبل اكتشاف الإنترنت، وهو الأسلوب الذي حظِي بوجود واسع النطاق، وتحديدًا على يد غاندي، الذي روّج لنظرية “المقاومة السلمي”، ففي حين أن نحو 70% من حملات المقاومة السلمية نجحت خلال تسعينيات القرن الماضي في تحقيق ما تصبو إليه، فإنّ 30% منها فقط نجح منذ عام 2010.
في حين يستخدم النشطاء وسائل التواصل لنشر خروقات الحكومة، فإنّ العدد الأكبر من مستهدف الحشد يقع ضحية هذا الترويج، وتشير تقارير حديثة إلى أنّ أقسام الشرطة المحلية في أمريكا تراقب وسائل التواصل الاجتماعي لجمع البيانات حول المناطق التي تعمل بها.
في الماضي كان يجب على الحكومة تخصيص قدر كبير من مواردها للكشف عن المعارضين، لكن في يومنا هذا يشجع المناخ الرقمي الناس على الإعلان بكل فخر عن معتقداتهم وهوياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية؛ ما يتيح للجهات الأمنية وهيئات إنفاذ القانون استهدافهم بفعالية، بحسب التقرير.
كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون لها أثر عكسي في فضّ الحشود والتجمعات عن طريق تمكين العناصر المسلحة من تهديد أو حتى تنسيق أعمال عنف منظم ضد النشطاء.
وعلى مدار السنوات الماضية، كشفت العديد من التقارير الإعلامية أنّ تطبيق فيسبوك يتجسس على مستخدميه؛ حيث يأخذ وهو مفتوح كلمات محددة من أحاديثهم ثم يحولها إلى إعلانات؛ إذ يقوم بتفعيل المايكروفون في هاتفك المحمول، بحيث يبقى مفتوحًا يستمع لأحاديثك ويعطيك الإعلانات المتطابقة مع اهتماماتك.
صحيفة “الإندبندنت” البريطانية نبهت قرّاءها إلى ذلك قبل أشهر عديدة، مشيرة إلى أن الخاصية موجودة منذ نحو عامين، ولم ينتبه لها إلا القليل من المستخدمين.
في 2012، أزاح “جو سوليفان” كبير مسؤولي الحماية في فيسبوك، حينها، عن قيام الشركة باستخدام تقنيات تقوم وبشكل آلي بمراقبة رسائل الدردشة ومختلف مشاركات المستخدمين ضمن الموقع بحثًا عن أية نشاطات إجرامية. وتقوم تقنية المراقبة الآلية هذه بتحديد المحتويات المشكوك بها بحيث يقوم موظفون مختصون بالاطلاع عليها لاتخاذ الإجراءات اللازمة، ومنها الاتصال بالشرطة في حال توجّب ذلك.
اضف تعليقا