العدسة – معتز أشرف

حراك قطري تركي مميز لدعم القضية الفلسطينية وحق العودة في مقابل مواقف دون المستوى من دول الحصار التي سارعت لإبراء الذمة في كثير من المواقف بالتزامن مع تصريحات جديدة لرئيس الوزراء الصهيوني عن تطورات ايجابية في ملف العلاقات مع دول الحصار، ليثير هذا التناقض فضيحة جديدة تضاف لسجل دول الحصار من جهة ومن جهة أخرى تعزز قوة حراس القضية الذين يتقدمهم تحالف واضح لتميم وأردوغان بحسب المراقبين.

تنافس وتنسيق

منذ انطلاق مسيرات العودة وصولًا لمجزرة ذكرى النكبة، تصدرت الجهود القطرية التركية المشهد العربي والاسلامي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية في القدس استمرارًا لجهودهما السابقة، وهو ما سجله سفير تركيا لدى قطر، فكرت أوزر، مؤكدًا أن أنقرة والدوحة “من أهم الدول الداعمة للقدس والقضية الفلسطينية”، مشيرًا إلى أن هذا الاهتمام “يمتد لعقود طويلة”.

 الاتصالات التي جرت بين الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية، من بن علي يلدريم رئيس مجلس الوزراء بالجمهورية التركية جاءت في ذات الإطار لبحث الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني ومناقشة ترتيبات القمة الإسلامية الطارئة لبحث تداعيات هذه الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية، ونقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس الشريف، والتأكيد على مواصلة تنسيق الجهود بين البلدين حيال هذه الأزمة لوقف هذه الاعتداءات وحماية الشعب الفلسطيني.

تركيا بقرار من الرئيس رجب طيب أردوغان باعتباره رئيس الدورة الـ 13 لمنظمة التعاون الإسلامي كانت سابقة لموقف قوية تتخطى التنديد اللفظي، حيث دعت كافة الدول الإسلامية إلى القمة الإسلامية الطارئة التي هي الثانية لبحث مسألة القدس بعد نقل السفارة الأمريكية إليها؛ وذلك بعد أن استدعت سفير إسرائيل لمقر الوزارة، وقدمت له احتجاجها بشأن الأحداث على الشريط الحدودي مع قطاع غزة، كما أبلغته بضرورة مغادرة البلاد لفترة إثر المجزرة التي اقترفها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين العزل على حدود غزة، ثم طردت القنصل الإسرائيلي في اسطنبول ردًا على طرد إسرائيل للقنصل التركي في القدس الشرقية.

ولم تكتفِ أنقرة بذلك حيث دعا المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ، مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات فورية، عقب مجزرة قطاع غزة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء، وفي مؤتمر صحفي، أكّد أن تركيا تنظر بإيجابية إلى دعوة الكويت وفلسطين (لعقد جلسة طارئة في المجلس)”وحينما تحركت الطائرات التركية إلى مطارات القاهرة والأراضي المحتلة لنقل المصابين الفلسطينيين، الذين أصيبوا في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، إلى تركيا لتلقي العلاج رفضت مصر والكيان الصهيوني هبوط الطائرات ليخرج نائب رئيس الوزراء التركي رجب أقداغ قائلا: إن “تركيا هي أكثر دولة رفعت صوتها بالعالم ضد مجزرة القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة وستواصل فعل ذلك في المرحلة المقبلة”، فيما تبادل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتقادات الحادة بينما يتمتع بعلاقات إيجابية مع زعماء دول الحصار.

قطر كانت على التوازي في قلب الحدث وعلى نفس المستوي التصعيد؛ حيث طالبت الدوحة  بلجنة تحقيق دولية في المجزرة الإسرائيلية  بحق المدنيين الفلسطينيين العزل في غزة، ودعا سلطان بن سعد المريخي، وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، خلال كلمته في أعمال الدورة الاستثنائية، لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب؛ بالقاهرة، إلى بحث خطة تحرك عربية لمواجهة قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس والعدوان الإسرائيلي المتصاعد ضد الشعب الفلسطيني، وطالب مجلس الأمن والمجتمع الدولي بالاضطلاع بدوره لوقف أعمال العنف وحماية الفلسطينيين، ولم تكن الدوحة بعيدة عما يحدث من الصهاينة بحق المسجد الاقصى، حيث حملت قطر قبل أيام حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن المسّ بالمقدسات الإسلامية في أرض فلسطين، وعلى رأسها الحرم القدسي الشريف، ودعت الدوحة المجتمع الدولي إلى “القيام بمسؤوليته الأخلاقية والقانونية لحماية المسجد الأقصى الشريف والمقدسات الدينية في فلسطين، وهو ما ترجمه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، بترأس وفد بلاده للمشاركة في القمة الإسلامية الطارئة بإسطنبول، لبحث المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، يرافقه وفد رسمي.

بيانات رسمية فلسطينية وقطرية ومؤسسات أهلية وإغاثية، تظهر في هذا الإطار أن إجمالي الدعم المالي الذي قدّمته قطر للاقتصاد الفلسطيني، يقترب من مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، ومنذ 2012 حتى نهاية العام الماضي، تشير الأرقام إلى أنّ دولة قطر دعمت الموازنة الفلسطينية، ونفذت أكثر من 100 مشروع لإعادة إعمار غزة، إضافة للمساعدات الإغاثية التي قدمتها مؤسسات الهلال الأحمر القطري وجمعية قطر الخيرية ومؤسسة تيكا، ووفق مصدر قطري مسؤول فإنّ الدعم القطري لفلسطين (من 2015 حتى الفترة الحالية من 2017، أي في 3 سنوات فقط) يتجاوز 5 مليارات ريال (1.37 مليار دولار)، موزعة بواقع 3.874 مليار ريال (1.064 مليار دولار) من الحكومة القطرية، و1.344 مليار ريال (369 مليون دولار) من مؤسسات أهلية وخيرية.

ضغوط المحاصرين

الإدانة اللفظية وبيانات إبراء الذمة كانت سِمة دول الحصار؛ حيث أعربت وزارة خارجية الرباعي في بيانات منفصلة عن إدانتهم الشديدة لاستهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين العُزّل، فيما كشف بدر العساكر مدير مكتب الامير محمد بن سلمان جدول رفاهية أخرى تجسد في صورة لرباعي الحصار محمد بن زايد وحمد بن عيسي وعبد الفتاح السيسي بجانب فتى السعودية المراهق محمد بن سلمان، قال إنها لقاء ودّي للأشقاء تحت رعاية الجانب المصري، وبدا عليها الأجواء الكرنفالية غير الرسمية، موضحًا أنها “قبل أيام”، في إشارة إلى أنها جاءت بالتزامن مع مجزرة غزة.

وفي السياق ذاته كشفت تقارير عربية عن وجود ضغوطات وتحركات مصرية وسعودية لإيقاف مسيرات العودة على حدود قطاع غزة، حتى لو كلف ذلك أن تقوم القاهرة بتقديم مبادرة لحركة حماس لفتح معبر رفح البري بشكل كامل للتخفيف من وطأة الحصار المفروض على سكان قطاع غزة، بالتزامن مع منع الطائرات التركية من الهبوط في مطارات القاهرة لنقل المصابين إلى العلاج في تركيا بعد التأخير المصري عليهم .

التنديد السعودي ظهر بتوقيع الملك سلمان في غياب الابن راعي صفقة القرن، وفيه أعربت السعودية عن “إدانتها الشديدة لاستهداف المدنيين الفلسطينيين العزل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي”، وذلك خلال جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو ما يمكن ربطه بحسب مراقبين في ظهور قرارات مختلفة في هذه المرة في غياب الابن كالدعوة إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن.

وفي المقابل أصاب موقف السعودية والأمير المراهق محمد بن سلمان الذي يوصف بأنه أحد رعاة صفقة القرن الفلسطينيين بغضب شديد، حيث حرق متظاهرون فلسطينيون، صورًا للأمير محمد بن سلمان وأخرى لوالده العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ضمن فعاليات مسيرات “العودة الكبرى” على الحدود الشرقية لقطاع غزة خلال “جمعة رفع علم فلسطين وحرق علم إسرائيل”، وعبّر المتظاهرون “الغاضبون” عن رفضهم للدور “المشبوه” الذي تؤديه السعودية وولي عهدها لتصفية القضية وشرعنة الاحتلال ضمن مخطط “صفقة القرن”.

السعودية كانت سددت ضربة من الخلف للفلسطينيين أثناء الفعاليات الفلسطينية الغاضبة المطالبة بالعودة، حيث صدرت تصريحات «محمد بن سلمان»، غير المسبوقة بخصوص «الحق الإسرائيلي» في أرض فلسطين، في المقابلة التي نشرتها مجلة «ذي أتلانتيك» الأمريكية، وفيها اعتبر الأمير المراهق أن «للإسرائيليين، على غرار الفلسطينيين، الحق في أن تكون لهم أرضهم»، مؤكدًا أن المملكة تتقاسم مصالح كثيرة مع (إسرائيل)، ستتعاظم في حال التوصل إلى سلام في المنطقة، فيما اعتبر أنه «ليس هناك أي اعتراض ديني على وجود دولة (إسرائيل)».

وفي هذا الإطار شكلت حركة فتح ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية أداة لدول الحصار خلال الفترات الماضية، وهو ما دفع المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حازم قاسم، للخروج إلى العلن ليقول: “حركة فتح تُحاول تعطيل كثير من المشاريع التركية والقطرية والدولية التي تأتي لمساعدة سكان قطاع غزة وإنهاء معاناتهم وإعمار بيوتهم”، وذلك بعد أن هاجمت حركة “فتح” السفير العمادي بعد تصريحاته التي أكّد فيها أن السلطة لا تتعاون بحل أزمة الكهرباء في قطاع غزة، كما كانت هاجمت تركيا مرارًا لدورها في حل العديد من مشاكل القطاع.