جلال إدريس

“صعود أعقبه سقوط ثم تلاه سقوط فسقوط” باختصار يمكن توصيف المراحل التي مرَّ بها الداعية الإسلامي المصري “عمرو خالد” منذ بزوغ نجمه على شاشات الفضائيات في عهد مبارك، وحتى اليوم بتلك المراحل السابقة.
فالداعية “الشاب” يواصل سقوطه المُدَوّي في أعين الشباب المصري والإسلامي منذ اندلاع ثورة يناير وحتى اليوم، بصورة تدعو للاستغراب والجدل، حتى انتقل الرجل في سنوات قليلة، من داعية يعد أحد أكثر الدعاة تأثيرًا في الشباب إلى شخص هزلي يسخر منه القاصي والداني عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
فلماذا كان خطاب عمرو خالد مؤثرًا في السابق ولم يعد كذلك الآن؟ ولماذا أصبح الآن محلّ سخرية لنشطاء مواقع التواصل؟ وما هي المحطات الأبرز والأهم التي غيرت في نظرة الشباب الإسلامي للداعية المعروف؟ وما هي علاقته بالنظام الحالي؟ وما موقفه من الأحداث التي مرَّت على مصر منذ ثورة يناير وحتى اليوم؟

عمرو خالد نجمًا

تعدّ العشر سنوات الأولى في الألفية الثالثة هي أهم وأميز فترات الداعية “عمرو خالد” حيث سطع نجم الرجل، وكان ملء السمع والبصر منذ عام 2000 وحتى عام 2010، قبل أن يسقط في معترك الحياة السياسية ويخذل محبيه وتلاميذه ومريديه.
وتعود بدايات عمرو خالد إلى عام 2002 حيث قرّر الرجل الظهور كداعية غير تقليدي في المجتمع المصري، عن طريق حلق لحيته، واستخدامه نبرة رقيقة في الخطاب، وملابس كاجول، وذلك بعيدًا عن صورة الداعية المرسومة فى الأذهان، حيث العمة واللحية، والصوت الغليظ.
بداية خالد، كانت على استحياء، عبر دروس دينية، ألقاها فى نادى الصيد، ثم انتقل بعد ذلك إلى مسجد الحصري بمدينة السادس من أكتوبر، لتكون البداية التى وصلت به إلى الحدّ الذي جعل مجلة التايم الأمريكية تضعه ضمن المائة شخصية الأكثر تأثيرًا فى العالم عام 2007.
ومع انتشار الرجل وتعلق آلاف الشباب بخطابه، عمد إلى تكوين جمعية عُرِفت بصناع الحياة، فكرتها جمعية تنموية خيرية، تهدف إلى استغلال طاقات الشباب في خدمة المجتمع، ليحقق بها انتشارًا واسعًا في المجتمع المصري والعربي، فضلًا عن انتشار مئات الخطب والدروس والمحاضرات المتلفزة له والبرامج المختلفة عبر الفضائيات.

بداية السقوط

استمرَّ نجم “عمرو خالد” في الصعود في أواخر التسعينيات وحتى عام 2010، ليكون هذا العام هو البداية الحقيقية لسقوط عمرو خالد؛ حيث ظهر الرجل في محاضرة دينية كانت دعاية انتخابية لأحد رموز الحزب الوطني المنحل.
الظهور وقتها أثار جدلًا واسعًا؛ حيث إن الرجل كان يحرص طوال حياته على الابتعاد عن الحديث في السياسة، إلا أن ظهوره في ندوة انتخابية للواء محمد عبد السلام المحجوب، مرشح الحزب الوطني، الذي كان يخوض الانتخابات في دائرة الرمل- مقر الندوة- ضدّ مرشح جماعة الإخوان المسلمين النائب صبحي صالح، حينها جرّ عليه الولايات، وبدأ خالد يوضع في خانة المحسوبين على النظام.
سرعان ما سقط نظام مبارك في ثورة يناير، التي كان موقف عمرو خالد منها مثيرًا للجدل، فالرجل لم ينضم للشباب الثائر الذي طالما كان ينصت إلى محاضراته ودروسه، ليتهم الرجل بتخلِّيه عن الثورة والثوار.
استمر سقوط الرجل في أعين الشباب، حين جاءت انتخابات رئاسة الجمهورية الأولى بعد ثورة يناير؛ حيث رفض الانحياز الواضح لأيٍّ من مرشحي الثورة، وتحدث عن انتخابات الإعادة التي جرت بين شفيق ومرسي بأنها فتنة قرر اعتزالها، وادَّعى أنه سينحو نحو بعض الصحابة في اعتزال الفتنة.
تخلى عن الثورة ودعم الانقلاب
ما إن مرَّ عام واحد على اعتزال عمرو خالد للسياسة، حتى عاد وانغمس فيها لكن بصورة دفعت الكثير من الشباب للانفضاض من حوله وذلك عقب ظهوره في مقطع فيديو مسجّل بثّه جهاز الشؤون المعنوية التابع للجيش؛ قام فيه بالتحريض على قتل المتظاهرين وإباحة دمهم.
تأييد عمرو خالد للانقلاب العسكري وتحريضه على قتل المتظاهرين، أفقده ما تبقى من احترام عند بعض الشباب، وجعل صورته تهتزّ بشكل كبير، وهو ما دفع الرجل للتخلي عن كثير من الثوابت التي كان ينادي بها علَّه يجد بيئة جديدة يحتضن فيها وشبابًا آخرين يلتفون حوله.
الرجل واصل تأييده لنظام السيسي وحرص على الظهور في التليفزيون المصري وهو يشارك في استفتاء “الدم” الذي أجرته سلطات الانقلاب عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، كما شارك في تلمييع نظام السيسي.

دافع عن فشل السيسي

واستمرارًا لسقوط عمرو خالد فقد وجَّه في نوفمبر 2015، رسالة تأييد لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بعد تزايد حدة انتقاد السيسي نتيجة الكوارث التي حلت على البلاد منذ انقلابه على الرئيس الشرعي.
وناشد “عمرو خالد” الشباب عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، من خلال مقطع فيديو وصفه بـ”رسالة من القلب”، أن يصبروا ويتحلوا بالأمل!.
وقال خالد، خلال الفيديو: “وسط الأحداث الصعبة اللي احنا بنمر بها ما بين السيول والأمطار الغزيرة، ما بين واقعة الطائرة الروسية المنكوبة، هل هناك حل؟ ازاي الشباب يكون عنده أمل؟ نعمل إيه في ظل هذا الشعور العام بالإحباط وفقدان الأمل، أنا حاسس بالشباب، حاسس بالألم اللي بداخلكم، لكني لا أرى إلا الحل الفردي، قوم اشتغل، قوم أبدع، قوم انجح، قوم فكر بفكرة جديدة، قوم أبدع شيء جديد”.
مواقف الرجل من الانقلاب العسكري، وكذلك مواقفه من عملية فض اعتصام رابعة والنهضة التي راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى جلبت له الكثير من الانتقاد ونقلته عند البعض من خانة الداعية الماهر إلى خانة الخائن لدينه ووطنه.

تورط بعلاقة مع السعودية

كشفت وثيقة مسرَّبة من وزارة الخارجية السعودية، نشرها موقع “ويكيليكس”، عن طلب الداعية عمرو خالد، من المملكة تمويل مشروع يديره بقيمة 75 مليون ريال سعودي.
وتشير الوثيقة التي عرفت عمرو خالد باسم “مؤسس صناع الحياة” في مصر إلى أنه ومجموعته يعملون على مشروع “محو الأمية” في مصر، وقد قاموا بتعليم 120 ألف أمّي القراءة والكتابة، في الفترة الماضية، وأنهم “يهدفون إلى تعليم نصف مليون أمي هذا العام بتكلفة قدرها 75 مليون ريال سعودي”.
وقالت الوثيقة التي عنونت بـ”سرية”: إن عمرو خالد “يلتمس من سمو الأمير (ولي العهد السعودي) دعم هذا المشروع”.

أثار الجدل وهو يحجّ

واصل الداعية عمرو خالد سقوطه في أعين الشباب حين ظهر له فيديو العام الماضي وهو يؤدّي فريضة الحج، كان مثارًا للسخرية والانتقاد، حين ظهر الرجل وهو يؤدّي مناسك الحج وهو يبكي قائلًا: “يا رب كل واحد يطلب الآن دعوة أو يكتب الآن على الكومنت دعوة أو يرسل دعوة أو يتمنى الآن دعوة (…) نقسم عليك ما تطلع شمس بكرة إلا وقد أجبت دعاءنا”، في تصرّف قرأه المنتقدون في إطار الترويج لصفحته.
الفيديو لم يكن وحده مثار الجدل، حيث ظهر له فيديو آخر من أمام الكعبة وهو يبتهل إلى الله بالدعاء بأن يرضى عن متابعي صفحته “الفايسبوكية”، وقال: “اللهم إني أشهدك أن الشباب والبنات والرجال والنساء اللي موجودين على صفحتي إني أحبهم… اللهم يا رب اكتبهم من أهل الجنة، وارضَ عنهم وأجب دعاءهم… اللهم إني أقسم عليك في هذه الأيام ويوم عرفة كل من على الصفحة له عندك طلب أو رجاء أو أمنية لا يأتي العيد إلا وقد حققت له ما يتمنى”.

وأخيرًا.. دعايا للدجاج

ومع خفوت نجم الداعية وانفضاض الشباب من حوله، عاد الرجل خلال شهر رمضان الحالي لكن ليس ببرنامج ديني جديد، ولكن بإعلان دعائي لنوع من الدجاج، فتح باب السخرية من الرجل والانتقاد بشدة.
أثار الأمر ما يشبه الصدمة على مواقع التواصل لتسرع شركة “دواجن الوطنية” السعودية إلى سحب الإعلان من كافة صفحاتها، لكن احتفاظ العديد من النشطاء بنسخة من الفيديو تسبّب في بقاء الجدل الذي طغت عليه مشاعر الغضب والاستغراب.
وجاء سيناريو الإعلان مثيرًا لشغف البعض وغضب البعض الآخر، ففي البداية يربط الداعية بين أداء العبادات والاهتمام بالصحة ليدلف من ذلك إلى أهمية تناول الطعام الصحي ويقدم للمشاهدين الطبّاخة آسية عثمان التي وصفها بأنها “أحسن مطورة للأكلات الصحية”، وبدأت الأخيرة في امتداح دجاج الوطنية قبل أن يعطي الداعية الأمر بُعْدًا دينيًا ويبشر من يستجيب لتناول هذا الدجاج بأن ارتقاءه إلى الله في التراويح وقيام الليل سيكون أحلى.
وعلق حساب أحمد فتحي على تويتر ساخرًا من حماس الداعية في الإعلان قائلًا إنه “تحدث عن فراخ الوطنية بنفس الحماس الذي كان يتحدث به عن غزوة بدر”، في حين ذهب حساب يحمل اسم حمد أبعد من ذلك، وقال: إن عمرو خالد “ناقص أن يقول إن الرسول كان يحب دجاج الوطنية”.
أما حساب نرمين حمد فقد وجه نقده إلى الداعية وكذلك للشركة التي استعانت به لتسويق منتجاتها قبل أن يضيف ساخرًا “لا لخلط الدين بالسياسة، نعم لخلط الدين بالدجاج”.
وفي فيسبوك حمل حساب حسام عبد العزيز على الداعية الشهير متسائلًا: هل هذا هو عمرو خالد الذي كان يحكي للناس عن ثلاثة ما أخرجهم من بيوتهم إلا الجوع فكانوا خير هذه الأمة، هل هذا هو عمرو خالد الذي كان يقصّ علينا قصة أصحاب رسول الله في شِعْب أبي طالب وهم يأكلون أوراق الشجر؟!”.