كتب- باسم الشجاعي
منذُ انطلاق عاصفة الحزم في اليمن مارس 2015، دأبت دولة الإمارات العربية المتحدة على ممارسة “أدوار مشبوهة” في تحركاتها وممارساتها بعيدًا عن الشرعية، التي احتشد من أجل إعادتها التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وتعمل الإمارات لفرض نفسها كصاحبة القرار الأول في دول التحالف العربي في اليمن، باعتبارها طرفًا فاعلًا على الأرض، وبنت لها نفوذًا سياسيًا وعسكريًا عبر دعم ميليشيات تابعة لها، خارج سيطرة الحكومة الشرعية.
كما تخوص معركة “اجتثاث” لحزب “الإصلاح” (الامتداد الفكري لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن)، وإحكام سيطرتها على سواحل اليمن، وخاصة مدينة تعز، وهو ما يفسِّر إعادة استنساخ تجربة ما يُعرف بـ”قوات الحزام الأمني” في المدينة.
فبعد سيطرتها على العاصمة عدن ووقوفها خلف الاضطرابات داخل اليمن توجهت نحو إعادة هيكلة قوات الرئيس “عبد ربه منصور هادي” في مدينة تعز؛ حيث قرر محافظ تعز “أمين محمود”- المعين من قِبل حكومة عدن والمعروف بولائه المطلق لدولة الإمارات، وهجومه المتكرر على الإسلاميين- تشكيلَ لجنة لهيكلة القوات الموالية للتحالف، وإعادة تنظيم قوات الألوية والوحدات العسكرية بالمحافظة.
وبحسب مصدر عسكري، تحدث لوسائل إعلام محلية يمينة (تحفظ على ذكر اسمه) أن اللجنة تم تشكليها برئاسة وكيل المحافظة لشؤون الدفاع والأمن اللواء “عبدالكريم الصبري” الموالي للتحالف، لإعادة هيكلة الألوية والوحدات العسكرية بتعز، غالبيتها تابعة لحزب الإصلاح.
حزب “الإصلاح” هدف رئيسي
ما تقوم به الإمارات أخيرًا في تعز، وعبر حلفائها المتمثلين في اللواء 35 والتنظيم الناصري وقوات طارق عفاش وكتائب أبو العباس، وعدد من قيادات حزب المؤتمر، يؤكّد بوضوح استهدافها لحزب الإصلاح وتهميشه، واستنساخ ما قامت به في عدن والجنوب، لتنفيذه في تعز.
من هنا يتبيَّن لماذا أطلقت الإمارات معركة تعز؛ فهي تريد السيطرة على المدينة ليفتح لها الباب للسيطرة على مضيق باب المندب وميناء المخا، وكذلك القضاء على حزب “الإصلاح”– الامتداد الفكري لجماعة الإخوان المسلمين-، العدو اللدود لها على مرّ التاريخ، وخاصة في بلدان الربيع العربي.
فأبوظبي لا تريد لـ”الإصلاح” أن يكون له دور في اليمن، وهذا ما تمثل في استهدافها لجميع الشخصيات المنتمية للحزب، كما أن الإمارات تعلم يقينًا أن القضاء على الحوثيين يعني أن البديل لهم هو حزب الإصلاح، باعتباره القوة الوحيدة المنظّمة، وبالتالي تحاول أبوظبي بكل ما تملك منع سقوط الحوثيين.
وفي ظل حرب الإمارات التي تخوصها لاجتثاث حزب “الإصلاح”، وإحكام سيطرتها على سواحل اليمن، قامت أبوظبي بالتنسيق مع أحزاب سياسية موالية لها؛ حيث سعت إلى تجنيد الآلاف من أبناء الأرياف معظمهم تم نقلهم إلى إرتيريا عبر سفن إماراتية ثم إعادتهم إلى تعز وإبقائهم في معسكرات تدريب داخلية.
وهو ما مثّل فرصة مناسبة للإمارات لبسط سيطرتها على المدينة، وتمكين حلفائها المتمثلين بقوات اللواء (35 مدرع الذي يقوده العميد “عدنان الحمادي” وميليشيات “أبو العباس”، بالإضافة إلى مجندين جُدد جندتهم الإمارات قبل فترة ودرّبتهم في عدن وأنشأت لهم معسكرًا في المعافر، يمكنها من السيطرة على المدينة ومن خلال غطاء عسكري رسمي مستغلة ميول المحافظ الجديد “أمين محمود” لها، وهو الأمر الذي استغلته الإمارات للدفع بسحب المقرات الحكومية التي تسيطر عليها قوات حزب “الإصلاح” تحت مسميات متعددة وتسليم هذه المقرات للقوات العسكرية الرسمية من بينها قوات اللواء 35 مدرع المحسوب أصلًا على الإمارات، لكن الإصلاح رفض تسليم أي مقرات إلا بعد تسليم ميليشيات “أبو العباس” للمقرات الواقعة تحت سيطرته وهي كثيرة، وانتهى الخلاف بالرضوخ للجنة عسكرية من التحالف قَدِمت من عدن لحل الإشكال وإجبار الطرفين على تسليم ما تحت أيديهم من مقرات حكومية للقوات العسكرية، التي فيما يبدو أنها باتت تحت سلطة الإمارات أكثر منها لـ”هادي وشرعيته المتمثلة بقيادة المحور الذي يقوده “خالد فاضل” أبرز القيادات العسكرية الموالية للإصلاح”.
لكن الأمر لم ينتهِ عند تسليم المقرات والمؤسسات الحكومية؛ إذ يدرك الإصلاح أنَّ الحركة الأخيرة للإمارات والمغلفة بـ”تسليم المقرات الحكومية للقوات الحكومية” كان القصد منها تنفيذ الخطوة الأولى لضرب نفوذ الحزب عسكريًا في تعز عبر تقليص نفوذ سيطرته على المنشآت، ومن ثم استهداف جماعتها المسلحة المنتشرة في مناطق واسعة في المدينة، بالتزامن مع إجراء تغييرات إدارية لاستبعاد عناصره المؤثرة في السلطة المحلية، وبالتزامن مع استهداف خطباء وأئمة المساجد المحسوبين على “الإصلاح” كما هو الحال في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى.
حلم سابق للسيطرة
هذا المشروع الذي خطّطت له الإمارات، يتمثل في إبقاء اليمن، وإن بشكل غير معلن وغير رسمي، مقسَّمًا ليصبح تحت الوصاية الإماراتية، لتبقى مسيطرة فعليًا على السواحل اليمنية الجنوبية، وخاصة ميناء عدن وميناء بلحاف وبقية الموانئ الهامة، وفق ما أكد خبراء.
فتحرك دولة الإمارات في محافظة تعز يأتي بعد عدة خطوات تمهيدية، من أبرزها تعيين محافظ للمحافظة موالٍ لها، وتقديم دعم كبير لميليشيات “أبو العباس” الموالية لها أيضًا، مما مكنها من فرض سيطرتها على مواقع حيوية في بعض الأجزاء المحررة من المدينة وضواحيها.
وتسعى دولة الإمارات من خلال ذلك لتحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول: إيجاد بيئة جغرافية مناسبة لتشكيل قوات موالية لها من بقايا الموالين لـ”علي صالح” بقيادة نجل أخيه، خاصة أن تعز يوجد فيها عدد من شيوخ القبائل وقيادات مؤتمرية من الموالين لعائلة صالح سيُرحّبون بوجود قوات عسكرية بقيادة “طارق صالح” هناك.
أما السبب الثاني، فهو جعل هذه القوات بمثابة حائط صدّ أمام الحوثيين في وقت الحاجة لها لتأمين جبهة الساحل الغربي خشية تقدمهم نحوها من جهة محافظة تعز من جانب، ومن جانب آخر جعل هذه القوات تزاحم وتعوق الجيش الوطني في تعز، بما يؤدّي إلى تآكل وجود السلطة الشرعية هناك، لتصفية كل الشخصيات المؤثرة هناك والتي لا تدين بالولاء للإمارات، من ضباط وخطباء مساجد وقيادات حزبية وغيرهم، كما حدث في الآونة الأخيرة.
اضف تعليقا