جلال إدريس
في الوقت الذي تشهد فيه الفضائيات المصرية زيادة مفرطة في جرعة الإسفاف والبذاءات والتحرش الجنسي من خلال الدراما التلفزيونية والبرامج التي تقدم في رمضان هذا العام، غابت الدراما الهادفة والأعمال الفنية الراقية التي تفيد المشاهد، وتحافظ على قيم وثوابت المجتمع.
وفي وقت أنفق صناع الدراما الرمضانية ملايين الجنيهات على أعمال فنية “تمجِّد النظام وأجهزته الأمنية، أو تحضّ على الفحش والفجور في المجتمع”، رفضت أغلب الفضائيات المصرية إذاعة مسلسلات رمضانية هادفة، كما غابت المسلسلات التاريخية أو التي يطلق عليه المسلسلات “الدينية” عن أغلب الشاشات المصرية.
أيضًا غابت الأعمال الكرتونية الهادفة التي تستهدف النشئ الصغير، والتي غالبًا ما كان لها نصيب في الأعمال الرمضانية طوال السنوات الماضية، إلا أن الأمر مختلف هذا العام.
منع الأعمال الهادفة
ووفقًا للمخرج والمنتج التلفزيوني المعروف “مصطفى الفرماوي” فقد رفضت كافة الفضائيات المصرية هذا العام إذاعة مسلسل كرتوني يحكي قصة حياة “الإمام البخاري”، من إنتاجه وإخراجه، وذلك على الرغم من إشادة أغلب من شاهدوا العمل بجودته العالية.
وفي تصريحات له على حسابه الشخصي بالفيس بوك، أكد الفرماوي أنه قام بإخراج مسلسل كرتوني هادف بعنوان (صدق رسول الله)، موضحًا أن المسلسل يتحدث عن حياة الامام البخارى.
وقال إن المسلسل يقوم بالأداء الصوتي فيه مجموعة من الفنانين المميزين، أبرزهم الفنانة المحجبة “حنان ترك” التي تعدّ نجمة العمل.
وأبدى الفرماوي أسفه على رفض كل الفضائيات المصرية للمسلسل دون أسباب واضحة، مؤكدًا أنّ القناة الوحيدة اللتي وافقت على إذاعة العمل هى الفضائية الأولى المصرية، غير أنها بعد الموافقة أخبرتهم أنه وصلت إليهم أعمال كرتونية مجانية وعليه فقد رفضوا دفع أي مقابل للعمل.
وأشار إلى أن “قناة الشارقة” هي التي وافقت على بث المسلسل، بعد أن قامت بشرائه بأقل من 20% من قيمته الإنتاجية.
تلميع فجّ للشرطة
في المقابل رصد مراقبون هذا العام زيادة جرعة المسلسلات التي تقوم على محتوى يمجّد دور المؤسسات الأمنية بمصر، ويتناول رؤية النظام التي يروّج لها بشأن حربه على “الإرهاب”، وأخرى تروّج لرؤى السلطة السياسية وتسعى لتحسين صورتها.
ويأتي في مقدمة هذه المسلسلات مسلسل “كلبش 2” الذي يذاع جزؤه الثاني هذا العام، ويقوم على تقديم صورة مثالية ودعائية لضابط شرطة يتولى الإشراف على سجن طرة شديد الحراسة (العقرب) سيئ السمعة.
ودفعت حلقاته الأولى أهالي معتقلي العقرب لتدشين حملة بمواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمقاطعة المسلسل الذي ترى أنه يقدم “محتوى مضللًا” ويسعى لتجميل الصورة الذهنية لسجن العقرب، وينقل “صورة مغلوطة، ومدلسة، وكاذبة عن طبيعة السجن وظروفه غير الآدمية وغير الإنسانية وخلفية المعتقلين فيه” حسب صفحة “رابطة أهالي معتقلي العقرب”.
وكان أمير كرارة بطل المسلسل قد أكد في حوار مع إحدى الصحف المحلية أن المسلسل حظي بدعم كامل من وزارة الداخلية، تمثل في توفير العناصر البشرية والمادية من أفراد شرطة ومدرعات وأسلحة وذخيرة، مبديًا سعادته باحتفاء قيادات أمنية بجزء المسلسل الأول، كونه حقق ما يسعون لتحقيقه منذ 10 سنوات.
تشويه لدول الجوار
المثير في الأمر أنّ الدراما التلفزيونية هذا العام، لم يقتصر دورها على تشويه قيم وسلوكيات المجتمع، لكنها عمدت إلى تشويه بعض دول الجوار، كنوع من الاستغلال السياسي للمسلسلات.
“السودان” كانت هي الفريسة التي حاولت الدراما المصرية تشويهها، كنوع من الانتقام السياسي، وذلك بسبب الخلافات القائمة بين مصر والسودان والتي من أبرزها خلافات سد النهضة والموقف من جماعة الإخوان المسلمين.
ودفع أحد المسلسلات المصرية هذا العام ويدعى “أبو عمر المصري”، العاصمة السودانية “الخرطوم” لتقديم “احتجاج رسمي” لدى القاهرة على ما قدّمه من محتوى في حلقاته الأولى، حيث أظهر السودان ساحة مستباحة لمنظمات إرهابية، واعتبرت الخارجية السودانية في بيان لها المسلسل “عملًا مسيئًا للشعبين الشقيقين”، مطالبة السلطات المصرية المعنية بوضع حدّ لذلك.
وتزامن التصعيد الرسمي للخرطوم مع تصعيد شعبي؛ حيث شنّ نشطاء سودانيون حملة بمواقع التواصل الاجتماعي على المسلسل والنظام المصري، الأمر الذي دفع مصر للإعلان من خلال رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (رسمي) مكرم محمد أحمد عن حذف بعض مشاهد المسلسل التي قد تسيء لدولة السودان.
ويتوقع مراقبون أن تلحق مسلسلات أخرى لمسلسلي “كلبش 2″ و”أبو عمر المصري” في إثارة الجدل والرفض خلال رمضان، بعد عرض ما تقدمه من محتوى ينطلق من “وجهة نظر” النظام التي يريد أن يمليها على المشاهد المصري، أبرزها مسلسلات “طايع”، و”نسر الصعيد”، و”أمر واقع”، و”السهام المارقة”، و”فوق السحاب”، وغيرها.
استغلال واضح للدراما
ويرى مراقبون أن النظام المصري يعمل دائمًا وأبدًا على استغلال الدراما لخدمة أهداف معينة، لكنهم يؤكدون أن هذا التوجه زاد بشكل كبير بعد الانقلاب العسكري، وبات توجيه الدراما واضحًا بشكل فج وصارخ، وظهر من خلال المسلسلات التي تقدِّم رسالة تضخيم لدور الشرطة والجيش وحربهما على الإرهاب.
واعتبروا أن هذا التدخل “الفج” يقدم منتجات “رديئة” لا تتماس مع الواقع ولا تعبر عنه.
ووفقًا لتصريحاته لـ”الجزيرة نت” فقد صرح مدير قناة “الشرق” الفضائية أحمد عبده أنّ السلطات المصرية توزع مضامين سياسية على المنتجين بتوجيه مباشر، تستهدف تثبيتها في عقول المصريين من خلال الدراما الرمضانية، لافتًا في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه المسلسلات لها تأثير على قطاعات ليست قليلة من المجتمع.
فيما كشف الناقد والمنتج الفني أيمن عبد الرازق عن وجود توجه رسمي لأن تركز الدراما على تمجيد دور المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث أوصى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام صناع الدراما بأن يعملوا على ذلك بما يملكون من قدرة وأدوات في أعمالهم القادمة.
تحرش جنسي على الهواء
النقد والجدل لم يتوقف عند حد “الأعمال الدرامية” فقط، لكنه طال أيضًا برنامج مقالب رامز جلال «رامز تحت الصفر» الذي واجه موجة انتقادات كبيرة منذ الحلقة الأولى لإهانته لمدير المنتخب الوطني لكرة القدم هيكتور كوبر، ولاستخدامه ألفاظًا خادشة للحياء، وعبارات تنطوي على تحرش لفظي لبطلة أولى حلقات البرنامج الفنانة ياسمين صبري.
ونشرت صفحة خريطة التحرش الجنسي على «فيسبوك» صورة وتعليقًا على ما فعله رامز جلال خلال الحلقة قالت فيه: «في الحلقة الأولى من برنامج رامز تحت الصفر رصدنا كام مرة رامز استخدم ألفاظًا تشجع على التحرش الجنسي».
وأضافت الصفحة أنّ «رامز قال وهو يقدم ياسمين صبري (المُزة) «تعبير يستخدمه البعض لوصف السيدات الجميلات، وكثيراً ما يستخدم في سياق التحرش» الكيرفي curvy، ياسمين صبري jelly fish الشاشة»، وفي نهاية الحلقة لمس وجهها، وقال: «لمست الشفة العلوية».
وأكدت صفحة خريطة التحرش أن «استخدام هذه اللغة في الإعلام وتوظيف التحرش بشكل كوميدي يخلق نوعًا من التقبل المجتمعي للتحرش».
وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها رامز جلال وبرنامجه مثل هذا النوع من الانتقادات، حيث إنّ لجنة رصد دراما رمضان الماضي التي شكلها المجلس القومي للمرأة أكدت أن برنامج رامز جلال احتوى تجاوزات لفظية ومشاهد غير لائقة مع ضيفات البرنامج.
اضف تعليقا