منصور عطية
بعد أكثر من 3 سنوات على انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية، تذكرت السلطة الفلسطينية إرسال طلب رسمي لإحالة ملف الاستيطان الإسرائيلي إلى المحكمة.
وما بين الجدوى الحقيقية من تلك الخطوة، والموانع والتعقيدات القانونية في طريق مساءلة الاحتلال أمام المحكمة، يرى كثيرون أن الأمر لا يعدو كونه تحركًا في الفضاء، لكنه يبقى عاملًا مقلقًا للاحتلال، ويعطي زخمًا دوليًّا للقضية الفلسطينية.

تحقيقات مبدئية

وزير الخارجية الفلسطيني “رياض المالكي” سلم إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية “فاتو بنسودا” رسميًّا طلب إحالة ملف الاستيطان الإسرائيلي إلى المحكمة.
وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية إن المالكي سلم المدعية، خلال اجتماع رسمي بينهما، “الإحالة للحالة في فلسطين، حول الجرائم المستمرة التي ترتكبها إسرائيل، التي وقعت في الماضي والحاضر وأية جرائم تقع في المستقبل، خاصة تلك المرتبطة بمنظومة الاستيطان الإسرائيلية غير الشرعية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”.
وطالب المالكي المحكمة الجنائية “بتحمل واجباتها تجاه العدالة والمساءلة، باعتبارها الجهة المختصة للتحقيق في الجرائم المستمرة والمرتبطة بنظام الاستيطان وملاحقة المجرمين المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم”.
تلك الخطوة تأتي في خضم التطورات المتلاحقة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، بالتزامن مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والمجزرة الإسرائيلية على حدود قطاع غزة.
اللافت أيضًا، أنها تأتي بعد أسابيع على تصريح المدعية العامة للمحكمة بأن مكتبها سيجري استقصاء مبدئيًّا للوضع في الأراضي الفلسطينية، مؤكدة أنها تراقب الأحداث هناك عن كثب.
ويمهد هذا الاستقصاء لإجراء تحقيق دولي ضد قتل إسرائيل للمتظاهرين الفلسطينيين.
وأشارت “بنسودا” إلى أن أية جريمة جديدة ترتكب في سياق الوضع في فلسطين عقب مقتل 29 فلسطينيًّا برصاص القوات الإسرائيلية خلال الأسبوعين الأخيرين، ربما تخضع للتدقيق من جانب مكتبها.
وأفادت المدعية بأن العنف ضد المدنيين في وضع مثل السائد في غزة، قد يشكل جرائم، مضيفة أنها ستسجل أية حالة تحريض أو لجوء إلى القوة غير القانونية من أي من طرفي الصراع.

دوران في الفراغ!

ولعل التساؤل حول الجدوى الحقيقية وراء التوجه الفلسطيني المتأخر – نظرًا لعضويتها في المحكمة منذ يناير 2015- يقود إلى توجهات المحكمة ذاتها في مسألة إدانة إسرائيل من عدمها.
وفي سياق البحث عن تلك الجزئية، تبين أن الادعاء العام بالمحكمة الجنائية الدولية بدأ منذ يناير 2015 “تحقيقًا مبدئيًّا” في جرائم ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية.
3 سنوات كاملة ولا أحد يدري شيئًا عما وصلت إليه تلك التحقيقات المبدئية، على نحو يوحي بأن تكون ما أعلنته المدعية العامة للمحكمة مؤخرًا سيكون على نفس الشاكلة، فتحُ تحقيقٍ لا يعرف مداه ولا إجراءاته.
وإلا فإن التساؤل الأبرز لا بد أن يكون حول مصير تلك التحقيقات منذ البدء فيها، وإلى أي شيء توصلت، وهل ستكون التحقيقات الجديدة بمعزل عن القديمة أم مكملة لها؟.
ويبدو أن كثرة التساؤلات في هذا المضمار تشير إلى أن الأمر برمته ربما يكون مجرد لعب في الوقت الضائع، وتحركات سياسية تسعى السلطة من خلالها إلى كسب الوقت فقط، دون تحقيق أي شيء على أرض الواقع.
لكن قد يقول أحدهم إن الأمر مختلف هذه المرة، على اعتبار أنه الطلب الفلسطيني الرسمي الأول من نوعه منذ سريان عضوية فلسطين بالمحكمة.
الاحتلال تبنى الرأي الأول، حين قالت “إسرائيل” إن الفلسطينيين “يستغلون المحكمة الجنائية الدولية لأغراض سياسية”.
وأشار بيان خارجية الاحتلال إلى أن “الإحالة الفلسطينية المزعومة باطلة من الناحية القانونية، وتفتقر المحكمة الجنائية الدولية للولاية القضائية على القضية الإسرائيلية الفلسطينية، بما أن “إسرائيل” ليست عضوًا في المحكمة، ولأن السلطة الفلسطينية ليست دولة”.
ورغم أن “إسرائيل” -كما الولايات المتحدة- ليست من الدول الموقعة على اتفاقية روما (التي تعمل بموجبها المحكمة)، لكن مواطنيها يمكن أن يواجهوا تهمًا بارتكاب جرائم في الأراضي الفلسطينية، وأن تتم محاكمتهم في لاهاي.
إلا أن أي تحقيق سيُطلق بالمحكمة الجنائية الدولية حول مثل هذه الجرائم، سيواجه عددًا من العقبات، ومنها مسألة ترسيم الحدود الدقيقة لدولة فلسطين ووجود قضايا جنائية يجري النظر فيها داخل “إسرائيل” لملاحقة مرتكبي “التجاوزات” خلال العمليات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

مطالبات سابقة

الخطوة الفلسطينية لم تكن الأولى قبل انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية، بل سبق أن طرقت السلطة باب المحكمة على مدى سنوات، بهدف إطلاق تحقيق في جرائم الحرب المرتكبة من قبل “إسرائيل” في الأراضي المحتلة.
ففي عام 2009 طلب الفلسطينيون من المحكمة توسيع نطاق قضائها، ليشمل الأراضي الفلسطينية، وذلك لإجراء تحقيق في الجرائم المرتكبة أثناء عملية “الرصاص المصبوب” الإسرائيلية في قطاع غزة، أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، إلا أن الطلب الفلسطيني قوبل حينها برفض المحكمة التي اعتبرت أن الوضع القانوني للسلطة الفلسطينية لا يسمح لها بتقديم مثل هذا الطلب.
لكن الوضع تغير في نوفمبر 2012، عندما نالت السلطة الفلسطينية وضع دولة مراقب غير عضو لدى الأمم المتحدة، ومع ذلك اضطر الفلسطينيون للامتناع عن تقديم طلب الانضمام إلى المحكمة آنذاك، تحت ضغوطات إسرائيلية وأمريكية.
وبعد فشل مفاوضات السلام في أبريل 2014، واندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، اتجه الفلسطينيون إلى مجلس الأمن الدولي، في محاولة لتمرير مشروع قرار دولي يضع جدولًا زمنيًّا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 1967.
وبعد فشل هذه المحاولة، انضمت فلسطين في 1 يناير2015 إلى اتفاقية روما الخاصة بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية، لتصبح رسميًّا العضو رقم 123 بالمحكمة.