العدسة – معتز أشرف

بات الحفاظ على الرواية الرسمية هو الهدف الرئيسي لنظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومن يخرج عنها يستحق العقاب.
وكان الصراع بين الرواية الرسمية ونظيرتها التي يتداولها نشطاء وحقوقيون لافتًا خلال الأيام الأخيرة، في 3 وجوه بارزة رصدها “العدسة”.
ومِن تمسك المتحدث العسكري المصري، العقيد تامر الرفاعي بتجاهل هيومن رايتس ووتش الرواية الرسمية في أحداث سيناء، مرورًا بعقاب باحث متخصِّص في قضايا سيناء على تقاريره المخالفة للطرح الرسمي، انتهاءً بتصريحات رسمية تدافع عن زيادة أسعار المترو الأخيرة، دفع مخالفوها الثمن من حرياتهم.

القصة السيناوية!

الصراع بين الروايات، سقط فيها صريعًا كضحية لنقل الرواية من علي الأرض مباشرة، الباحث والصحفي إسماعيل الإسكندراني الذي قضت محكمة الجنايات العسكرية بشمال القاهرة الثلاثاء، بسجنه وآخر عشر سنوات في القضية رقم 18 لسنة 2018 جنايات عسكرية، بعد أن وجهت النيابة تهم «الحصول على سر عسكري ونشره، والانضمام لجماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة في الخارج»، ولم توضح النيابة الطبيعة السرية للمعلومات التي اتُهم بنشرها.
إسماعيل الإسكندراني عمل كصحفي حر، وباحث متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، والجماعات المهمشة في مناطق النوبة وسيناء، وله العديد من المقالات والتقارير والتحقيقات الصحفية في عدد من الصحف المصرية والعربية، ومنها «السفير» و«المدن» و«مصر العربية» عن ذات التخصص، ولكن أزمته انه لم يلتزم بالرواية الرسمية، حسبما جاء في تصريح مماثل عن ذات الأزمة على لسان العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، المتحدث العسكري للقوات المسلحة، ردًا على ما ورد في تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” بشأن سيناء قبل أيام.
المنظمة دخلت في مواجهتين حتي الآن مع المتحدث العسكري؛ الأولى في تقرير مطول في أواخر أبريل الماضي عن أوضاع سيناء تحت عنوان “أزمة إنسانية تلوح في الأفق بسيناء” تحدثت فيه عن حاجة ماسة للإغاثة بعد شهرين من قيود الجيش على الغذاء، منتقدة استمرار التعتيم شبه المطلق المفروض من قِبل الحكومة على وسائل الإعلام المستقلة في شمال سيناء منذ أواخر عام 2013. وأضافت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تنحو أعمال الجيش المصري إلى العقاب الجماعي، وتكشف الفجوة بين ما يدعي الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه يفعله نيابة عن المواطنين والواقع المشين”.
وفي 22 مايو الجاري قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الثاني في فترة قصيرة: إن الجيش المصري وسّع كثيرًا من أعمال هدم المنازل والبنايات التجارية والأراضٍي الزراعية شمال محافظة سيناء، وطالت مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية، وما لا يقل عن 3 آلاف بيت وبناية تجارية، فضلًا عن 600 بناية تم هدمها في يناير لتكون هي الحملة الأكبر من نوعها منذ بدأ الجيش رسميًا أعمال الإخلاء في 2014″.
المتحدث العسكري في المقابل اتهم في المرتين المنظمة بالاعتماد على مصادر غير موثقة، مؤكدًا أن ما ذكرته ليس له أساس من الصحة، ونقل الرواية الرسمية التي تتردّد علي نطاق متواتر في كل وسائل الإعلام المحسوبة علي النظام من أن “القوات المسلحة توفّر كافة السلع الأساسية والاحتياجات الإدارية والطبية للمواطنين بمناطق العمليات بالتنسيق مع كافة الوزارات المعنية بالدولة بصفة مستمرة، وتأمين وصول الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية للأهالي”، وزاد المتحدث بعد تأكيد الرواية الرسمية قائلًا: تقرير المنظمة جاء مغايرًا للحقيقة تمامًا ومعتمدًا على مصادر غير موثقة في سرده للتفاصيل عن العمليات في سيناء”.
هيومن رايتس ووتش من جانبها قالت: إنها “بعثت رسائل في 10 و11 مايو 2018 إلى وزارة الدفاع المصرية وإلى محافظ شمال سيناء عبد الفتاح حرحور، وإلى “الهيئة العامة للاستعلامات” للتقصي حول أعمال الهدم الجارية، لكن لم يصلها أي رد.

رواية المترو!

أزمة رفع اسعار المترو التي سقط فيها ضحايا جدد هي الأحدث في فصول الرواية الرسمية، التي دافع عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنفسه، قائلًا أثناء مشاركته في المؤتمر الوطني الخامس للشباب بالقاهرة “لا (نملك) ترفًا، لتأجيل الإصلاح الاقتصادي ولا يمكن تأجيل هذه الزيادة”.
إلي هنا كانت الرواية الرسمية سيدة الموقف في وسائل الإعلام، إلا أن منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قلبت الطاولة رأسًا علي عقب، وأصدرت تقريرًا إحصائيًا موثقًا بعنوان ” المترو لا يخسر و الدولة تُموِّل الاستثمار من جيوب الطبقات الأفقر”، أكّدت فيه أن إيرادات بيع تذاكر مترو الأنفاق تتجاوز بكثير تكاليف التشغيل والصيانة، ما يعني أنّ هيئة مترو الأنفاق لا تحقق خسائر في التشغيل، وأن زيادات أسعار التذاكر الأخيرة تسعى إلى تحميل الركاب عبء الاستثمار العام في إنشاء محطات جديدة رغم أنه اختصاص أصيل للدولة.
التقرير قدم رواية مختلفة استند فيها إلي وسائل إعلام متعددة منها محسوبة علي النظام، مؤكدًا أن تقدير الموازنة العامة لإجمالي مصروفات الهيئة قبل حساب تكلفة الاستثمارات يبلغ حوالي 143 مليون جنيه، فيما تبلغ الإيرادات من حصيلة بيع التذاكر 1.8 مليار جنيه، بما يعادل أكثر من 12 مثلًا لتلك التكلفة، ويوضح التقرير أن ما تعتبره هيئة مترو الأنفاق خسائر لا يتعلق بتكلفة التشغيل التي يتم تغطيتها بالفعل، بل بالاستثمار في إنشاء محطات مترو جديدة والتوسعات؛ حيث تصل قيمة هذه الاستثمارات إلى حوالي 8.7 مليار جنيه. ويتم تمويل هذه الاستثمارات عن طريق الموازنة العامة للدولة وقروض من مؤسسات دولية، ولكن ما حدث هو التخلي عن دور الدولة في الاستثمار العام المتمثل في إنشاء وتوسيع مترو الأنفاق، وتحميل تكلفته للركاب.
المبادرة المصرية استبقت المزايدين المنتظرين علي روايتها المناهضة للراوية الرسمية التي أكدها رأس النظام، مستنكرة محاولة الدولة ووسائل الإعلام المصرية الرسمية والخاصة التلاعب بالمواطنين من خلال نشر أخبار غير صحيحة أولًا، وثانيًا من خلال عدم الوضوح حول طبيعة دور الهيئات الخدمية التي لا يُفترض من الأساس أن تسعى إلى التربُّح من إتاحة الخدمات العامة للمواطنين، لتلقِي بالكرة مجددًا إلى ملعب النظام وروايته لكن بعد أن دفع المواطنون والنشطاء الثمن، وكان من أبرزهم شادي الغزالي حرب وهيثم محمدين.

روايات الصحفيين

“الصحافة ليست جريمة” هكذا ما يردده صحفيون كثيرون في مصر، ولكن واقع الحال مختلف بحسب منظمات حقوقية كثيرة؛ حيث باتت مصر معتقلًا كبيرًا للصحفيين، والأزمة تمكن في عدم الالتزام بالرواية الرسمية والبحث في الكواليس عن الحقيقة، وأظهر السيسي موقفه من الصحفيين في انفعال شهير في مواجهة الصحفيين والإعلاميين عندما تجاوزوا الرواية الرسمية قائلًا: “انتم تجاوزتم حدودكم وعندكم كوارث في الإعلام، أنا هشتكي للشعب المصري منكم” موجهًا حديثه لبعض الإعلاميين.
ولم تنتهِ فصول المواجهة عند هذا الحد؛ حيث وضع السيسي اتهامًا خطيرًا لمن لا يلتزم بالرواية الرسمية، حيث حذر وسائل الإعلام من نشر معلومات يمكن أن تعتبر تشهيرًا بالجيش أو الشرطة، معتبرًا أن مثل هذا الأمر يمثل “خيانة عظمى”، ورغم اعترافه النادر بأزمة في رواية رسمية إلا أن السيسي حذر من استغلال أحد لروايته من الإعلاميين، وقال خلال فعاليات مؤتمر الشباب الخامس، مؤخرًا: “أنا بعترف إن في قصور في البنية التحتية في الدولة كلها.. لكن أي حد يتكلم في القنوات التلفزيونية اللي بره، والله هايتحاسب.. والله كله هايتحاسب.. اللي بيخدع الناس، واللي بيضحك على الناس، واللي بيحطم آمال الناس.. كله هايتحاسب”.
المرصد العربي لحرية الإعلام في المقابل أعرب عن بالغ قلقه وانزعاجه من التهديدات التي أطلقها السيسي ضد الإعلام المصري المعارض الذي يبثّ من خارج مصر، واعتبر أنها الأعنف من نوعها، والتي قد تطال العاملين في تلك القنوات والمتعاملين معها، تحمل تهديدات خطيرة، ولأنها لم تحدد نوع المحاسبة التي يقصدها فإنها تفتح الباب على مصراعيه أمام تكهنات كثيرة في ظل استمرار النظام الحاكم في الانتهاكات التي تصل في أحيان كثيرة إلى حد تصفية المعارضين خارج إطار القانون، وكذلك المحاكمات الهزلية وتهديد المعارضين باعتقال أهلهم وذويهم داخل مصر وغيرها من الأساليب، في إطار دفع ثمن الرواية المختلفة.