العدسة – معتز أشرف:

في مطالعة دورية جديدة لمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، توقع خبراء المركز أن حربًا متوقعة في هذا الصيف قد تدخلها “إسرائيل ” على أكثر من جبهة ما ينذر بتوتر شديد في الشرق الأوسط، وهو ما نرصد مؤشراته.

3 جبهات!

زياد ماجد، أستاذ مشارك في الجامعة الأمريكية في باريس، ومنسق الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية يرى في المطالعة التي حصل عليها “العدسة” أن أكثر نقاط القلق هي الحرب، قائلًا: أكثر ما يقلقني هذا الصيف هو نشوب حرب إسرائيلية جديدة على لبنان تلي صدامًا إسرائيليًا وإيرانيًا واسعًا يُشارك فيه حزب الله، وستكون هذه الحرب أشدّ أذيةً وأكثر تدميرًا من حرب العام 2006، وقد لا ترافقها ضغوط دولية على تل أبيب لضبط رقعة عملياتها، بما يعني استهداف بنًى تحتية ومناطق سكنية على كامل الخريطة اللبنانية، وهذا إن حصل سيؤدّي إلى تهجير داخلي واسع النطاق، ومصاعب اقتصادية ومالية كبرى، ونقص في الأموال المخصّصة لإعادة الإعمار، مع احتمال أن تشهد البلاد توتّرات وأزمات لا تتوافر آليات وديناميكيات قادرة على احتوائها أو إيجاد حلول لها.
ميشيل دنّ، الباحثة الأولى ومديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، تؤكد في نفس الإطار أن أكثر ما يقلقها في الشرق الأوسط لصيف العام 2018 هو تفاقم التوتّرات في المنطقة على نحو مطّرد، بما في ذلك احتمال أن تخوض إسرائيل حروبًا على جبهتين أو حتى ثلاث في الوقت نفسه، موضحة أنه من السهل جدًا تخيُّل اندلاع حرب جديدة في غزة، ذلك أن كلًا من قيادة حماس، والسكان الفلسطينيين– الذين لم يتعافوا بعد من تبعات حرب العام 2014 – لم يعد لديهم ما يخسرونه في خضم سعيهم إلى تغيير الوضع القائم البائس الذي يعيشونه.
وأشارت “دن” إلى أنه يبدو أن الحرب في سوريا تنتقل إلى مرحلة جديدة، تصبح فيها هذه الدولة المدمَّرة مسرحًا لصراع قوى إقليمية، على وجه الخصوص إسرائيل وإيران، بشكل مباشر أكثر، وهنا، التبعات الوحيدة التي يمكن التنبؤ بها هي المزيد والمزيد من المعاناة لسوريا، كما أن لبنان بدوره أبعد ما يكون عن سكّة السلامة؛ إذ إن إسرائيل قد تستهدف قدرات حزب الله المقلقة في أي وقت، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو بحسب “دن”: من أين ستأتي يد المساعدة التي سيكون بمقدورها الحؤول دون وقوع مثل هذه النزاعات أو إيجاد حلّ لها؟ للأسف، ليست يد الولايات المتحدة.

وتيرة العنف

مينا العريبي ، رئيسة تحرير صحيفة “ذا ناشونال” أبو ظبي، ترى أن العالم العربي نال أكثر من نصيبه الكافي من أعمال العنف خلال السنوات القليلة الماضية، لكن أكثر ما يقلقها هو تصاعد وتيرة العنف وبروز تحوّل جديد في الحرب يسفر عن هدر المزيد من الأرواح، يوحي باندلاع مزيد من العنف، في ظل تواصل الحرب في سوريا، والتوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، وإصرار طهران على توسيع نفوذها في المنطقة، وتقدّم حزب الله في الانتخابات البرلمانية اللبنانية، وتزايد وتيرة الهجمات الإسرائيلية في سوريا.
وتشير العريبي إلى أنه من غير المحتمل أن تخوض إيران وإسرائيل حربًا ضمن حدودهما، لذا فالمواجهات ستكون على الأرجح على ساحتَي سوريا ولبنان. إلا أنّ مثل هذه المواجهات يمكن أن تتصاعد وتتفرّع إلى جوانب مختلفة، في الوقت الذي لا تلوح فيه أية نهاية محتملة في الأفق، ومن جهة أخرى، يمكن أن يتطوّر الخطاب الساخن ويتحوّل إلى صدامات مسلحة في بيئة فائقة التسلّح، حيث لم يتم الردّ على الضربات الإسرائيلية في سوريا، ما قد يشجّع أكثر إسرائيل فيما قد يؤدي الدعم الإيراني للأنشطة الموسّعة لحزب الله وغيره من الجماعات في سوريا، والتهديدات بتوجيه ردّ ضدّ إسرائيل، إلى اندلاع المزيد من أعمال العنف.
وتتوقع العريبي اندلاع مواجهة إيرانية- إسرائيلية، على الأرجح في الأراضي العربية، يمكن أن تخرج عن السيطرة، حيث يُعتبر فشل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية في كبح جماح المواجهات الحالية، خير دليل على أن عددًا قليلًا من هذه الجهات سيكون قادرًا على إنهاء حرب أوسع نطاقاً أو حتى يكون مستعداً لفعل ذلك، خاصة أن سبع سنوات من الحرب في سوريا جعلت البعض يعتقد أن اندلاع المزيد من أعمال العنف لن يُحدث تغييرًا يُذكر، فقط يمكن أن يمتدّ لهيب الحرب ليحرق المزيد من الناس والمجتمعات.

دوامة كبيرة

من جانبه تذكر كايت سيلي، نائب الرئيس في معهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة، عندما كان في بيروت في العام 2006، حين اختطف حزب الله جنديّين إسرائيليّين على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، ما أدّى إلى اندلاع حرب غير متوقّعة في بداية فصل الصيف في لبنان دامت 34 يومًا، مشيرًا إلى أن الجهود الدبلوماسية الأمريكية ساعدت في وضع حدٍّ لهذا الصراع القصير، إنما يبدو أن أيام الانخراط الأمريكي القوي في الشرق الأوسط قد ولّت، وأن الانسحاب الأحادي لإدارة ترامب من الاتفاق الإيراني قد أعطى جرعةً من الجرأة لإسرائيل وحلفائها السنّة، الذين رأوا في ذلك فرصة لإضعاف طهران، ولاسيما أنهم قلقون من نفوذها الإقليمي المتمدّد، ووجودها في سوريا، وصواريخ حزب الله الموجّهة نحو تل أبيب والتي يبلغ عددها مائة ألف صاروخ.
وأوضح أنّ حرب 2006 علّمت إسرائيل أن النصر لن يأتيها على طبق من فضة، وبالتالي فأي مجهود عسكري يهدف إلى إضعاف طهران ووكيلها اللبناني- حتى لو تمّ ذلك بمؤازرة أمريكا والحلفاء الخليجيين- سيُقابَل على الأرجح بسقوط وابلٍ من الصواريخ على المواطنين الإسرائيليين ومنشآت النفط الخليجية والقواعد العسكرية الأمريكية، ومع أن اللاعبين الإقليميين يزعمون بأنهم لا يريدون الحرب، يشي واقع الحال بأن ثمة صيفًا حارًا يلوح في الأفق، ناهيك عن الكثير من محفّزات الحرب.
وتوقع سيلي في ظل غياب قيادة عالمية قوية تتوسّط لحل النزاعات، وقوع مناوشات بين إسرائيل وإيران وحزب الله تبدأ في سوريا وتمتدّ إلى لبنان، وتستحيل دوّامةً خارجة عن السيطرة.