إبراهيم سمعان

الأعضاء الـ 22 لجامعة الدول العربية، التي أُنْشِئت في 22 مارس 1945، الذين كان ينطبق عليهم الجملة المنسوبة للمفكر الكبير ابن خلدون “العرب اتفقوا على ألا يتفقوا”، يبدو أنَّ هناك إجماعًا الآن بات يوحِّدهم؛ إجماع في ضبط النفس والتقاعس، بعد العديد من الخلافات، ومنها على سبيل المثال الإهانات المتبادلة بين العاهل السعودي والزعيم الليبي معمر القذافي خلال القمة العربية التي عُقِدت في فبراير 2003.

 

ووفقًا لصحيفة “لوموند ديبلوماتيك” الفرنسية، بعد أن قتل الجيش الإسرائيلي 60 فلسطينيًا في غزة الاثنين، 14 مايو، في نفس الوقت الذي افتتحت فيه الولايات المتحدة سفارتها بالقدس المحتلة، عُقد مؤتمر غير عادي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة بعدها بيومين (قبل يوم واحد كان هناك اجتماع للمندوبين الدائمين).

“كثير من الكلام قليل من القرارات الملموسة، لكن الجميع وافق على تبنّي موقف ضعيف” يلخص دبلوماسي مغاربي الوضع حول موضوع القدس ومقتل الفلسطينيين.

وقد دعت المنظمة إلى “تحقيق دولي” في الأحداث المأساوية بغزة؛ حيث أشار أمينها العام أحمد أبو الغيط إلى “جرائم” القوات الإسرائيلية. وبالمثل أدانت الرابطة قرار الولايات المتحدة “غير المسؤول” بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

لكن لم يُتخذ أي إجراء حقيقي باستثناء أن أبو الغيط هو المسؤول الآن عن إعداد “خطة استراتيجية” لمنع الدول الأخرى من نقل سفاراتها إلى إسرائيل للمدينة المقدسة.

وجدير بالملاحظة أيضًا أن أمجد شموط، رئيس اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في جامعة الدول العربية، قد ذكر أن السياسيين والأفراد العسكريين الإسرائيليين يجب “إحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية”، لكن أعضاء المنظمة لم يتخذوا أية خطوة لكي يتم ضبط هذا الأمر بشكل ملموس، كما أنهم لم يشجعوا السلطة الفلسطينية على الشروع في مثل هذا الإجراء.

علاوة على ذلك، كانت الدول الأعضاء في الجامعة العربية حريصة على عدم ذكر إمكانية القيام بعمليات انتقامية اقتصادية أو دبلوماسية ضد إسرائيل أو أي دول تنوي نقل سفاراتها إلى القدس، كما لم تدعُ إلى تجميد التطبيع العربي مع تل أبيب بسبب العنف الذي عانى منه الفلسطينيون، ولا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك بسبب السعودية.

 

فبمبادرة من المملكة عُقِد اجتماع 17 مايو، وهي طريقة كلاسيكية للسيطرة على مسار الأحداث من خلال أخذ زمام المبادرة، وبإصرارها على أن الجامعة تعيد التأكيد على دعمها لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، قامت الرياض بأمرين: أولًا، تجنب مصر والأردن، الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين تقيمان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حتى لا يسمح بتجميد هذه العلاقات أو حتى كسرها.

ثانيًا، منع إعاقة التقارب الحالي بين المملكة وتل أبيب بشكل رسمي، أو ببساطة انتقاد فقط، في وقت لا يهتم فيه القادة السعوديون إلا بمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، بتحالف أكثر أو أقل وضوحًا مع الإسرائيليين.

ومن خلال جامعة الدول العربية تضمن الرياض التصديق على أولوياتها، فقبل عامين، صد قرار باعتبار حزب الله اللبناني حليف طهران، منظمة إرهابية، وفي الآونة الأخيرة، كل أعضاء المنظمة دعمت قرار المغرب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بحجة أن طهران قد سهّلت تسليم الأسلحة عبر حزب الله، للانفصاليين الصحراويين من جبهة البوليساريو.

ومن دواعي السخرية التاريخية أنَّ المملكة السعودية لطالما شككت في الجامعة العربية التي اعتبرت أنها تعتمد أكثر من اللازم على نفوذ مصر والتكتل “التقدمي”، هذا ما يفسر، مِن بين أمور أخرى، لماذا روَّجت المملكة لميلاد منظمة التعاون الإسلامي (OIC) في 25 سبتمبر 1969.

 

وبإقامة مقرها في جدة وتمثيلها في الأمم المتحدة، سمحت (OIC) للرياض بتعزيز نفوذها السياسي، ولتعويض عُزْلِتها النسبية داخل الجامعة العربية، حيث لعبت دول مثل مصر والعراق وسوريا وليبيا والجزائر الأدوار القيادية.

 

اليوم، كما يشرح الدبلوماسي المغاربي، “الدبلوماسيون السعوديون يعطون الأوامر” ونظراؤهم في مصر ودول الخليج الأخرى يوافقون، أو على الأقل يلتزمون الصمت”.

 

وبانقلاب الأمور، باتت السعودية تواجه التحدي الآن داخل منظمة المؤتمر الإسلامي، من قبل الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، الذي يتزعم الرد الدبلوماسي ضد الإسرائيليين؛ حيث تحاول الدبلوماسية التركية حشد العواصم بجانبها، والرأي العام خاصة في هذا الأمر.

 

وهكذا، أعطت الصحافة التركية المؤيدة لأردوغان أهمية لتصريحات لويزة حنون، رئيسة حزب العمال الجزائري (تروتسكي)، التي قالت فيها إنه يجب على الجزائر أن تجمد مشاركتها في الجامعة العربية “توأم إسرائيل” ولا يجب أن “تجلس مع الخونة”.